1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"ثمن الحرية صار أغلى والجيل الحالي أكثر شجاعة"

٢٠ سبتمبر ٢٠١١

الحرية هي أسمى هدف تنشده الشعوب. وعندما يشتد القمع والظلم تهون قيمة الحياة أمام ثمن الحرية. من هذا المنطلق ظهر البوعزيزي وخالد سعيد وإبراهيم قاشوش وغيرهم ليدفعوا حياتهم ثمنا في سبيل حريتهم وحرية شعوبهم.

https://p.dw.com/p/12coP
التونسي محمد البوعزيزي أصبح رمزا للثورات في العالم العربيصورة من: picture alliance/dpa

كل من يرى مشاهد دماء وأشلاء المتظاهرين في ما بات يسمى بـ "دول الربيع الثوري العربي" يوميا في القنوات العربية والعالمية يدرك أن ثمن الحرية أضحى باهظا جدا ويفوق ثمن الحياة نفسها. السوريون واليمنيون مازالوا يدفعون ثمن هذه الحرية اليوم كما فعل التونسيون والمصريون والليبيون ولا أحد يعلم كيف ومتى ستتوقف قائمة "المناضلين من أجل الحرية".

وللحديث أكثر حول فكرة النضال من أجل الحرية ومدى استعداد الشباب للموت في سبيل عناق حرية لم يتذوقوها من قبل، أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع الشاعر والسجين السياسي السوري السابق فرج بيرقدار.

دويتشه فيله: أنت كشاعر ومعتقل سياسي سابق بماذا تفسر إقبال الشباب السوري على المجازفة بحياته من أجل شراء الحرية؟

فرج بيرقدار: الأمر بالنسبة لي واضح وإن لم يكن كذلك بالنسبة للكثيرين ومنهم السلطة السورية. هناك من لا يدرك أن ثمن الحرية وحده أغلى من الدم، وشبابنا الآن أدركوا أخيرا أن هذا الثمن يجب أن يدفع. بالتأكيد دماؤهم غالية جدا لكنهم يعون بأن الحرية أغلى من ذلك وبعد نزولهم إلى الشارع وتعرضهم للقتل والاعتقال والتعذيب وإصرارهم على التظاهر مرات أخرى رغم ذلك، أدركوا أكثر من أي وقت مضى أن الحرية أغلى من أي شيء. لقد أدركوا معناها وتذوقوا طعمها لأول مرة وقرروا أن كل شيء يهون في سبيلها سواء كانت حريتهم الشخصية أو سلامتهم الجسدية أو حتى حياتهم. هي ضريبة غالية لكن الحرية تستحق دفعها.

ومما يلفتني في الثورة السورية أن هناك شبابا يقولون إنه صار من الصعب التراجع إلى الوراء بعد مشاركتهم في التظاهرات وفي هذه الثورة لأنهم الآن فقط تذوقوا طعم الحرية، وبالتالي فهم لن يتنازلوا عنه.

صديقي نجاتي طيارة اعتقل بعد مقابلة صحفية مع إحدى القنوات وقال قبل يوم من ذلك في مدينة حمص"أنا أتذوق الحرية لأول مرة في حياتي شكرا لكم يا شباب". وبعدما تذوقها قال: الآن لم يعد مهما أن أحيا أو أموت.

وأنا أقول "أنا حر إذن أنا موجود"، الحرية هي أسمى قيمة في فلسفة التاريخ البشري وأعتقد أن هذه الميزة يتميز بها البشر أكثر من أي كائنات أخرى على الإطلاق. الآن صار الوضع ملموسا، وكما قال مغني الثورة السورية الراحل إبراهيم قاشوش "الحرية صارت عالباب". هذا الإحساس هو الذي يدفع الشعب السوري إلى الإيمان بأن التضحيات مهما كانت غالية ومكلفة ومؤلمة يجب أن تدفع من أجل الوصول إلى القيمة الأعلى التي هي الحرية.

وكيف كانت تجربتك أنت، بمعنى كيف بدأت قصتك مع ثمن الحرية؟

للأسف قصتي مع النضال والحرية طويلة وقديمة وربما جاءت في ظروف لم تكن فيها الأوضاع مهيأة لحراك جماعي شعبي واسع كما هو الآن. ربما جئنا في ظروف مبكرة. ولكن بشكل عام أنا قناعتي كانت هي أن الحرية هي أسمى قيمة في التاريخ البشري وأنا قلتها وفعلتها إلى جانب الآلاف من الناس لكن الشعب حينها لم يكن مهيأ للقيام بثورة. ومع ذلك أنا دفعت ضريبة أعتبرها هينة كثيرا مقارنة مع ما يدفعه اليوم شبابنا.

Flash-Galerie Ägypten Gewalt Ausschreitungen 30. Juni 2011
خالد سعيد الذي قتل على يد الشرطة المصرية أطلق شرارة الثورة في أم الدنياصورة من: AP

هؤلاء يودعون أهاليهم على أساس أنهم قد لا يعودون، فحياة كل من يخرج اليوم إلى الشارع مهددة. أما أنا فكل ما دفعته هو 14 سنة في السجن وحياتي لم تكن مهددة كنت فقط مهددا بالاعتقال. والسجن آنذاك في سوريا كان وجها آخر من وجوه الحرية، لأن السجين وحده كان يستطيع التعبير بحرية في ذلك الوقت. خارج السجن لم أكن أستطيع الكتابة ولا التعبير أما السجن فقد وفر لي حرية داخلية. هذه مفارقة غريبة لكنها الواقع.

قلت بأن حياة الناشطين والمعارضين أصبحت مهددة أكثر، هل تقصد بأن ثمن الحرية أصبح أغلى؟

بالضبط، والشعب السوري أدرك الآن هذا الثمن الغالي وهو مستعد لدفعه والدليل كل ما يحدث يوميا في سوريا. الحرية في عهدنا كان ضريبتها الاعتقال أما اليوم فقد أصبح الدم هو ضريبة الحرية والفرق شاسع بين الأمرين.

هل تريد القول بأن هذا الجيل أكثر شجاعة من سابقه؟

نعم أنا أعتقد أنه أكثر شجاعة وجرأة واستعدادا لدفع ثمن الحرية، لأنه أكثر وعيا ولأنه ابن عصره. وهذا العصر في الحقيقة يتيح إمكانيات أكثر للفعل و للتأثير وتوعية الذات والمحيط. اليوم لدينا هواتف نقالة وقنوات فضائية وإنترنت وفيسبوك وتويتر وغيرها من تقنيات التواصل الحديثة. أما في زماننا فلم تكن كل هذه الوسائل. كنا نحارب من خلال جرائد و أقلام ولقاءات... وطبعا هذا لم يكن كافيا.

قلت إن الشباب اليوم أكثر استعدادا للموت في سبيل الحرية. محمد البوعزيزي أحرق نفسه وأطلق شرارة الثورة التونسية وقلده كثيرون، بماذا تفسر ظاهرة حرق النفس من أجل الحرية؟

كل تحول كبير يبدأ بشرارة وإن جاءت في ظروف ملائمة ومشجعة فستشعل السهل بأكمله. هناك شرارات جاءت في ظروف غير ملائمة فانطفأت. لحسن الحظ الشرارة التي انطلقت من تونس عبر البوعزيزي جاءت في مرحلة كل الظروف فيها ناضجة مما أشعل النار في الهشيم. البوعزيزي أحرق نفسه احتجاجا على إهانته ولأنه رفض أن تداس كرامته وحريته وأن يعيش ذليلا. والشباب التونسي تفاعل وخرج إلى الشارع ولحسن الحظ نجح تحركهم وانتقلت الشرارة إلى مصر ودول أخرى.

Dichter Faraj Berakdar Syrien
بيرقدار: الشعب السوري أصبح واعيا أكثر من أي وقت مضى بأن ثمن الحرية أغلى من الحياةصورة من: Faraj Berakdar

وخصوصية الثورة في سوريا تكمن في أن أطفالا من مدينة درعا هم من أشعلوها في البداية. هؤلاء اعتقلوا بعدما كتبوا على الجدران عبارات من تونس ومصر شاهدوها في الفضائيات العربية. لقد اعتقل هؤلاء الأطفال وعذبوا. وبعدما وقفت عائلاتهم على حجم وبشاعة التعذيب الذي تعرضوا له، خرج الناس إلى الشارع ووجهوا مباشرة بالرصاص الحي وليس المطاطي مثلا وقتل الكثيرون. الوضع السوري كان جاهزا لهذه الشرارة فانتقل الأمر إلى مدن أخرى.

لكننا نتحدث هنا تحديدا عن حرق الذات من أجل الحرية كأسلوب جديد للاحتجاج والمطالبة بالحرية، ما تفسيرك الشخصي لهذه الظاهرة؟

أن يصل الأمر بشخص ما إلى إحراق نفسه احتجاجا على صفعة هو نتاج تراكم طويل وليس لهذا السبب نفسه (يقصد الصفعة ومصادرة بضاعته). السبب هو إحساسه بالإهانة وبمحاصرته في حريته وفي لقمة عيشه. هنا يتساءل المرء في نهاية المطاف إلى متى؟ هو لا يريد أن يكون عدائيا وسلبيا ويقتل الآخر وإن كان هذا الآخر هو السلطات التي ظلمته. ولكنه يستطيع أن يحتج. وهناك نوعان من الاحتجاج، الإيجابي والسلبي والأخير هنا ليس بالمعنى السيئ للكلمة وإنما احتجاج ينعكس على النفس ولا يمس الآخر، ولكن عندما تكون الظروف ملائمة كما حصل في تونس يتغير الأمر، حيث تحول إلى احتجاج إيجابي وانتقل إلى مدن ثم إلى دول.

في مصر اختلف الوضع قليلا إذ أجج مقتل خالد سعيد، على يد الشرطة المصرية، الجماهير الشعبية، هل من اختلاف؟

أنا أعتقد أن الأمر لا يختلف عما تحدثت عنه آنفا. خالد سعيد والبوعزيزي وجهان لعملة واحدة. الأول قتله النظام والثاني قتل نفسه بسبب النظام، ولو لم يفعل ذلك لاعتقله النظام أو قتله هو أيضا. سواء قتل الشخص نفسه بسبب الظلم أم قتله النظام، الجماهير تفاعلت واعتبرت ذلك شرارة لثورتها.

من أين يستمد هؤلاء الشباب، باعتقادك، القوة للصمود أمام التعذيب والأسر وحتى الموت من أجل الحرية؟

من وصولهم لدرجة الوعي العالي بأهمية الحرية والكرامة واستحالة الاستمرار بهذا الوضع إلى الأبد، وإيمانهم بأنه يجب إعادة الأمور إلى نصابها. شباب اليوم يقارن ما يجري ببلاده بما يجري في الغرب، حتى فيما يخص مستوى الحياة وحقوق الإنسان في هذه الدول. لا يعقل أن يكون لدينا رؤساء يظلون في الحكم لخمسة عقود فيما الرئيس في أوربا مثلا، ولايته محدده ويتم انتخابه بشفافية ونزاهة.

أجرت الحوار: سهام أشطو

مراجعة: أحمد حسو

فرج بيرقدار، شاعر وصحافي سوري معارض يقيم حاليا في السويد. اعتقل أكثر من مرة وقضى أربعة عشر عاما في السجون السورية. صدر له كتاب بعنوان: خيانات اللغة والصمت، تغريبتي في سجون المخابرات السورية.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد