ثقافة القات في أوروبا: ممنوع رسميا لكنه موجود في كل مكان
١٧ أغسطس ٢٠١٢يتجمع الشباب في موقف سيارات عادي كل ثلاثاء و جمعة حاملين أكياساً بلاستيكية متلهفين للقاء الرجل الأبيض الصغير الحجم. و ما إن يصل حتى يقفز السائق من عربته ليوزع على عجلة علباً كرتونية لينطلق بعد تسليمها إما عائداً إلى هولندا أو يتابع طريقه إلى مواقف سيارات أخرى لتوزيع بضاعته. إذن فإن الثلاثاء والجمعة هما اليومان المناسبان للاتصال بتاجر المخدرات وطلب ثلاث عبوات كولا، علي يقول لي بصرامة: "لا تستخدم كلمة قات على الهاتف إطلاقاً".
و لا يود الشاب الهادئ واللطيف جلب أية مشاكل قد تؤدي إلى كشف هويته، فحتى لوحة اسمه على الباب تمت إزالتها قبل المقابلة. فمنذ أيام معدودة قامت الشرطة بتفتيش منزل أحد تجار القات القاطنين في إحدى البنايات المتهالكة تماماً مثل علي. ويوضح علي:" لقد قامت الشرطة بوضع كاميرات مراقبة أمام منزل ذاك التاجر. "الصوماليون واليمنيون، إضافة إلى الأثيوبيين والكينيين، لكن بدرجة أقل" هم من يروجون للقات. وهو ممنوع في ألمانيا.
"القات هنا متواجد في كل مكان"
يسكن علي في حي غالبيته من المهاجرين وسط مدينة متوسطة الحجم، حيث تتلاقى العمارات الرمادية والدكاكين الرخيصة مع المزارع المهملة. بقايا لوحة مركز الشرطة المحلية تذكر بلطف قاطني هذه المنطقة بضرورة بقائهم متنبهين. وفي بضع خطوات يصل المرء إلى جماعة من الصوماليين الشباب الذين يحتمون من رذاذ المطر بمظلة خرسانية عتيقة يراقبون حركات كل متطفل أبيض اللون من بعد، في حين تطبق يد أحدهم على كيس ضخم.
و يوضح علي الموقف مع هزة خفيفة للكتف قائلاً:" القات هنا في متناول الجميع، حيث العديد يتشاركون أوراق القات ليمضغوها معاً في الشارع". هزة الكتف هذه تلمح إلى أن كل شيء هنا في الشارع المعدم ممكن ومتوفر. فهناك بجانب الأقداح الممتلئة بعصير المانجو المركز الذي قدمه علي لنا تجد دفتر تلوين ابنته. من الصعب تخيل أن يكون هذا الشخص اللطيف متورط بأعمال غير قانونية.
جزء من ثقافة مجتمعه
لا يعتبر علي مضغ القات جرماً، إذ يبتسم على استحياء عند مواجهته بالأمر مدللاً على أن القات جزء من ثقافته وصلته بوطنه الذي ارتحل عنه لأغراض الدراسة في ألمانيا. فذكريات طفولته المتعلقة بوالده وأعمامه وهم يمضغون ويتحدثون لساعات وساعات لا تزال عالقة في ذهنه. وفي أوقات الدراسة داوم علي على مضغ القات، إذ يساعد ذلك على رفع مستوى التركيز الذهني أثناء الليل بأكمله تماماً كالقهوة على حد قوله.
ووفقاً لتقاليد اليمن وأفريقيا الشرقية يتم مضغ القات في المنزل أو مكان العمل مع الأصدقاء و الزملاء، إذ تقوم النساء بجلب العصائر والوجبات الخفيفة. أما في أوروبا الغربية فيختلف الأمر، فيقول ديفيد أندرسون أستاذ السياسة الإفريقية في جامعة أكسفورد: "يتم بيع القات في أوروبا في نوادي القات. وعادة ما تكون هي الغرف الخلفية للدكاكين". وتشكو النساء من القات الذي يبعد الرجال عن جو العائلة ويسلب أموالهم.
"لا يوجد إدمان جدي على القات"
وطبقاً لأندرسون، فإن نسبة مدمني القات أو مستهلكيه بكثرة لا تتجاوز العشرة بالمئة من ماضغي القات. ويضيف باول جريفيتس من المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان أن الطريقة التقليدية لمضغ القات المتمثلة بمضغ ورق القات والتوقف عن ذلك لفترة و من ثم إعادة مضغها مع إبقائها داخل الفم لساعات، لا تؤدي إلى إدمان جدي. فالاستهلاك المتواصل قلما يؤدي إلى الإدمان وإن حدث ذلك فليس بقوة إدمان الكحول أو التبغ.
و ينفي علي إدمان أي من أصدقائه على الرغم من أنهم يمضغونه يومياً، لكن للتسلية وليس بسبب الإدمان على حد قوله. ويضيف علي أن القات ينظم الفراغ واليوم الخالي من الأنشطة، حيث أن القات سبب للقاء الأصدقاء والحديث معهم. كما يشير ضاحكاً إلى "إمكانية شرب القهوة بدل مضغ القات، لكن القهوة تنفذ بعد ساعة من اللقاء على خلاف القات الذي نخزنه لساعات وساعات في أفواهنا".
"القات يعيق عملية الاندماج"
إلا أن الحكومة الهولندية لا تشارك علي فكرته عن القات وسلميته. إذ أعلنت الحكومة في مطالع هذا العام إضافتها للقات على قائمة المخدرات لمحظورة معللة ذلك بتشكيله مشاكل اجتماعية، حيث بينت متحدثة باسم الحكومة أن القات يعيق اندماج الصوماليين أولاً "بالمجتمع الهولندي". إلا أن القرار النهائي سيصدر في سبتمبر بعد دورة انتخابية جديدة.
ولا تقنع هذه الأسباب البروفسور أندرسون، فيوضح منفعلاً قائلاً: "صحيح أن العديد من الصوماليين لديهم مشاكل تتعلق باندماجهم في المجتمع وإيجاد العمل المناسب لهم وذلك ليس بالغريب، إذ أن العديد منهم ضحايا صدمات سببتها الحروب والصراعات. لكن القات بريء من هذا الأمر".
السوق السوداء: القات
و يحذر أندرسون من العواقب السلبية لحظر القات، حيث أغنت كندا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية السوق السوداء بعد حظره. فتحول القات من مخدر بسيط للتسلية تقوم الحكومة بمراقبته والتحكم به إلى منتج يدر كثيرا من الربح يثير اهتمام الجماعات الإجرامية المنظمة.
و قد ضبطت الجمارك الألمانية العام الماضي 4.7 طن من القات الذي تم إرساله من هولندا إلى الدول الاسكندنافية عبر شمال ألمانيا. في حين وصلت شحنة القات في عام 2009 إلى 3.6 طن، يعتقد موظفو الجمارك أن الكمية الحقيقية تجاوزت العشرة أطنان أو أكثر.
عدم شعبية القات
قد تزول معضلة القات سواء أكانت مزعومة أو حقيقية لوحدها وذلك بدمج المهاجرين بالمجتمع الهولندي. فيقول أندرسون: "عند مضغ القات تعلق بعض فتات و بقايا أوراق القات بين الأسنان، الأمر الذي ينتج المخاط ويسيل اللعاب من جوانب الفم زارعاً أوراقاً خضراء في جنبات الأسنان". و هذا كله يؤدي إلى جعل القات أبعد ما يكون عن كونه جذاباً. و يضيف مبيناً أن بإمكان الصوماليين تخدير أنفسهم أو تنشيطها بطرق أبسط وأسرع من القات.
و هذا بالضبط ما يريد علي تجنبه، إذ يتلهف إلى تعريف أطفاله على ثقافة القات والمضغ. و يعلل علي ذلك قائلاَ: "لا مانع لدي من أن يمضغ أطفالي القات، فذلك بالنسبة لي خير من شرب البيرة التي تذهب العقل خلافاً للقات". و يعقب على ذلك بحركة من كتفيه وإشارة إلى دفتر تلوين ابنته متبعاً إياها بقوله: "لكن هذا اليوم ما زال بعيداً".
ناعومي كونراد/ تقى هلال
مراجعة: أحمد حسو