تونس: هل يؤمن النظام السياسي المزدوج الطريق لبناء الديمقراطية؟
٢٢ مايو ٢٠١٣منذ بدأ المجلس الوطني التأسيسي أعماله في أكتوبر /تشرين الأول من سنة 2011 برزت مواقف متباينة للأحزاب السياسية حيال النظام السياسي لتونس بعد الثورة. ولكن المخاض السياسي لا يزال متواصلا رغم الاتجاه نحو توافق حول نظام مختلط كما جاء في آخر جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل وحضرته مختلف الأحزاب والفعاليات السياسية.
وقد نصّ بيان الأحزاب المشاركة في الحوار الأخير على توافق حول النظام السياسي المزدوج تكون فيه سلطات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية محددة ومتوازنة. وقد أكد زعيم حركة النهضة الإسلامية في تصريحات إعلامية مؤخرا "أن الدستور الجديد لتونس سينص على نظام سياسي مزدوج "ونحن قدمنا تنازلات لمصلحة البلاد للخروج من هذه المرحلة الانتقالية في جو ديمقراطي توافقي."
ويرى المتابعون للشأن السياسي في تونس أنه وإن كان اختيار بعض الأحزاب لهذا النظام السياسي أو ذاك يحركه خوف من عودة الديكتاتورية فإن بعض الأطراف يشغلها مستقبلها ومستقبل قادتها في المشهد السياسي المرتقب بعد الانتخابات. ويقول قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري في حديث لـ DW عربية "أن التوجه للأخذ من النظامين البرلماني والرئاسي في نفس الوقت يهدف إلى تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
ويبين خبير القانون الدستوري "أن تصنيفات الأنظمة السياسية لا تعدو كونها تصنيفات فقهية وبقطع النظر عن طبيعة كل نظام فإن الأهم هو التوازن بين السلطات"، ويعتبر قيس سعيد أن التعددية السياسية وحدها هي التي تمكن من تحقق التوازن السياسي ، "فإذا سيطر حزب واحد على السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن التوازن الذي نص عليه الدستور يتحول إلى مجرد توازن نظري لا يتجاوز حدود الفصول التي كرسته".
النظام المختلط، بوابة عدم استقرار سياسي
من جهة أخرى، يرى بعض الفاعلين السياسيين والناشطين الحقوقيين أن النظام المختلط الذي اتفقت عليه الأحزاب الكبرى وإن كان يحقق نوعا من التوازن ويحمي مؤسسات الدولة من هيمنة طرف ما إلا أنه يفتح الباب على مصراعيه على عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. ويرى هشام حسنى عضو المجلس الوطني التأسيسي في حوار مع DWعربية، أن النظام المزدوج نظام مشوه قد يدخل البلاد في أزمات سياسية واقتصادية بحكم أن النظام يفرض التوافق بين رأسي السلطة التنفيذية. وقد أثبتت التجربة فشل هذا النظام.
ورغم التوافق المعلن بين الأطراف السياسية الرئيسة في تونس، يبدو أن هناك نقاط استفهام حول آليات التوازن بين السلطات وضمان عدم عودة الديكتاتورية تحت أي مسمى حزبي أو عقائدي أو فئوي. وتؤكد رشيدة النيفر، خبيرة القانون الدستوري في حديث لـ DWفي هذا الإطار أن النظام السياسي المرتقب لابد من أن يقوم على آليات توازن بين السلطة وتوزيع واضح للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية وأن تكون هناك آليات تسمح لكل سلطة من أن تحد من هيمنة السلطة الأخرى.
ويعتبر عديد المتابعين للشأن العام أن ضعف الأحزاب التونسية وتشرذمها لا يسمح في الوقت الراهن بتحقيق التوازن من خارج السلطة. وترى النيفر أن بعث آليات أخرى ضروري لإرساء توازن بين السلطات وتقترح إرساء هيئات مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية على منوال الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري.
وترى رشيدة النيفر أن المجتمع المدني التونسي الذي يتميز بحضور فاعل على الساحة السياسية يعتبر إحدى أهم الآليات التي يمكن أن تساهم في إرساء الديمقراطية والحد من مخاطر الانزلاق نحو الديكتاتورية وذلك عبر التواجد الفاعل صلب الهيئات المستقلة كما هو الشأن في عديد الدول المتقدمة.
تكريس مبادئ وقيم الثورة
ويطالب الناشطون الحقوقيون بتضمين المبادئ الكونية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية صلب الدستور لأنها الضامن الوحيد لعدم الوقوع من جديد في بوتقة التسلط والديكتاتورية. ويرى الناشط الحقوقي خالد عواينية في حديث لـ DWعربية "أن الضمانات الحقيقية لإرساء الديمقراطية تكمن في ضمان استقلالية مؤسسات القضاء والجيش والأمن والإعلام".
ويرى آخرون أن النظام المختلط يحمل في طياته بذور ديكتاتورية المجلس النيابي إذا لم يتم وضع آليات تضمن عدم السقوط في الديكتاتورية. ويقول المنصف الباروني، عضو الفرع الجهوي لعمادة المحامين بتونس في تصريح لـ DW"أن النظام المزدوج هو نظام ديكتاتورية الأحزاب المهيمنة التي كلما صعدت للسلطة يمكنها فعل ما تريد وسن ما ترى من قوانين ". ويعتبر الباروني أن استعمال آلية الاستفتاء حول المسائل الهامة يمكن أن يحد من مخاطر هيمنة أي طرف سياسي على الشأن العام وفرض رؤيته المجتمعية على الشعب.