تدني أسعارالنفط بين منظور الأسواق ونظريات المؤامرة
٢٢ أكتوبر ٢٠١٤إذا وجب الحديث عن سلعة استراتيجية في العالم فمن الضروري الحديث عن النفط. لقد وقعت حروب من أجل الذهب الأسود ، وكم من حكومة أُسقطت بسببه أيضا. وسعر الوقود يؤثر سلبيا أو إيجابيا على وضع الاقتصاد العالمي. كما يتأثرسعر النفط عادة بمختلف الاضطرابات. أسعار النفط انخفضت بنسبة 20 بالمائة في الأشهر الأخيرة- رغم الأزمات الشديدة التي تعاني منها بعض الدول المنتجة، حيث تلعب روسيا مثلا دورا في الصراع بشأن أوكرانيا، كما يعاني العراق من مشكلة توسع تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي، ونيجيريا غارقة في حربها ضد فيروس إيبولا، الذي يجتاح شرق افريقيا.
روبرت بورغيس، كبير الاقتصاديين في شؤون الأسواق الناشئة لدى البنك الألماني للبحوث في لندن يرجع انخفاض أسعار النفط إلى سبب كلاسيكي يتعلق بوضع العرض والطلب. فهناك عاملان حاسمان في ذلك بالنسبة لبورغيس: أولا المخاوف بشأن النمو الاقتصادي في أوروبا وفي بعض الدول الناشئة، وكذا وجود عرض مفاجئ في أسواق النفط خاصة مع الحديث عن ثورة النفط الصخري في أمريكا.
تدني سعر النفط أشد من العقوبات
في منتصف أكتوبر نشر مركز أبحاث البنك الألماني دراسة تهتم بتبعات انخفاض أسعار البترول بالنسبة للدول المنتجة. كما قيم الاقتصاديون سعر النفط الذي يجب على كل دولة منتجة تحديده لتغطية ميزانيتها، ووجد أن روسيا مثلا تغطي ميزانيتها ب45 في المئة من مداخيل المتاجرة بالنفط. وحسب أبحاث البنك الألماني فإن روسيا بحاجة إلى 100 دولار للبرميل الواحد، لموازنة ميزانيتها.
السعر الذي تتلقاه حاليا روسيا أقل بكثير مما يجب وهو الآن بمستوى 85 دولار للبرميل الواحد، وستكون العواقب حسب ستيفان مايستر من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية أن"الميزانية الروسية ستعاني من نقص في التمويل، خصوصا بالنظر إلى العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، وبالنظر إلى انعدام النمو في روسيا فإن هذا الأمر خطير جدا." ويضيف المحلل السياسي في حوار مع دويتشه فيله أن "عواقب تدني سعر النفط بالنسبة لروسيا أشد من تبعات العقوبات المفروضة."
السعودية والولايات المتحدة الأمريكية
في ظل كل ذلك تزدهر نظريات المؤامرة، فالوضع في روسيا يذكر بالوضع في ثمانينات القرن الماضي، عندما انخفض سعر النفط بشكل كبير، وهو الأمر الذي لعب دورا في انهيار الاتحاد السوفييتي. ويقول نيكولاي باتروشيف أمين مجلس الأمن الوطني في روسيا في حوار له مع صحيفة روسية حكومية ،إن أمريكا لعبت دورا في تدني سعر النفط قبل حوالي ثلاثة عقود مما أدى إلى إفلاس الاتحاد السوفييتي.
في منتصف أكتوبر صدر تقرير للمعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية RIP أوضح أن التاريخ يعيد نفسه. ويرجع التقرير تدني أسعار النفط حاليا إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وفي الواقع لم تبد السعودية أي ميل لتحقيق الاستقرار في سعر النفط من خلال تغيير مستوى إنتاجها. وعلى العكس من ذلك فقد رفعت السعودية في سبتمبر مستوى إنتاجها بشكل طفيف. السعودية نفسها تعاني من تدني سعر النفط، فهي تحتاج إلى سعر بمستوى 99 دولار للبرميل الواحد لموازنة ميزانيتها، غير أنها حصلت في السنوات الأخيرة على أسعار تفوق حاجياتها بحوالي 450 مليار دولار، وهو ما يعطيها نفسا طويلا.
إيران في حاجة لعائدات النفط
وعلى عكس السعودية فإن إيران، منافستها في الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى عائدات النفط، كما تشرح كيرستن فيستفال من مؤسسة برلين للعلوم والسياسة في حوار مع دويتشه فيله. وتأمل إيران في أن يكون تدني سعر النفط مسألة وقت وجيز فقط.
لكن بسبب العقوبات الغربية المفروضة فإن إيران فقدت نصف عائداتها من النفط منذ 2011. ولتغطية ميزانيتها فهي في حاجة لبيع البرميل الواحد ب125 دولار. وبالنسبة لوزير النفط الإيراني فإن السعودية هي المسؤولة عن تدني سعر النفط، حيث تعمل على إغراق أسواق النفط العالمية، كما أوردت ذلك إذاعة إيران الدولية. ولذلك خفضت طهران أسعارها إلى مستوى الأسعار السعودية.
توافق المصالح
ارتفاع أسعار النفط يحد من مرونة ايران في المفاوضات بشأن برنامجها النووي، فكلما كانت عائدات طهران من النفط أقل إلا ولزمها العمل على التخفيف من شدة العقوبات. الخبيرة في مجال الطاقة فيستفال تستبعد أن يكون هناك اتفاق بين السعودية وأمريكا لزيادة الضغط على ايران وروسيا، لكنها تعترف أن الأمر يصب في مصلحة الطرفين وهو ما يعد توافقا في المصالح بينهما.
نفس الأمر ينطبق أيضا على فينزويلا التي توجد هي الأخرى تحت ضغوط واشنطن لنفس السبب، وفينزويلا بحاجة إلى سعر 145 دولار للبرميل الواحد، حتى يمكنها تغطية ميزانيتها. غير أنه ينبغي الإشارة إلى أن تكلفة انتاج النفط في الولايات المتحدة نفسها مرتفع أيضا، فاستخراج النفط الصخري أو النفط من رمال القطران يكلف كثيرا.