1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حرب أوكرانيا ـ أوروبا أمام معضلة الخلاف الألماني الفرنسي

٢٩ أكتوبر ٢٠٢٢

ألقت زيارة المستشار أولاف شولتس إلى باريس الضوء على الخلافات العميقة بين ألمانيا وفرنسا في ظل المتغيرات التي فرضها العدوان الروسي على أوكرانيا. خلافات يراها خبراء مؤشرا قد يهدد تماسك التكتل الأوروبي مستقبلا.

https://p.dw.com/p/4IohE
المستشار أولاف شولتس رفقة المستشار أولاف شولتس (باريس 26 أكتوبر 2022)
الاجتماع المطول اللغة الدبلوماسية التي تحدث بها المستشار الألماني والرئيس الفرنسي فيما بعد اتدل على أن الخلافات بين بلديهما عميقة!صورة من: Sarah Meyssonnier /REUTERS

جاءت زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى باريس (26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) في سياق أزمة صامتة تعرفهاالعلاقات الألمانية الفرنسية. ورغم إعرابه، بشكل مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن الرغبة في إعادة إطلاق العلاقات الثنائية المتعثّرة بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا واختلاف وجهات النظر بينهما بشأن قضايا الطاقة وآفاق النمو في أوروبا.

وأكد شولتس في تغريدة بعد لقائه في قصر الإليزيه أن البلدين متقاربين وأنهما أجريا "نقاشا مهما وجيدا جدا حول إمدادات الطاقة الأوروبية وارتفاع الأسعار ومشاريع التسلّح المشتركة"، فيما رحبت باريس بنقاش عرض لـ"العلاقة الفرنسية الألمانية بروح من العمل الوثيق على المديين المتوسط والبعيد". غير أن هذه العبارات الدبلوماسية لا يمكن أن تخفي حجم الخلافات التي تراكمت بين برلين وباريس خلال الأشهر الماضية.

فقد سبق لإيمانويل ماكرون أن حذر برلين مما أسماه بـ"العزلة" داخل التكتل الأوروبي، معتبرا أنها "ليست جيدة لألمانيا ولا لأوروبا". ويختلف البلدان بشأن استراتيجية وآليات مواجهة التضخم وضبط أسعار الطاقة وكذلك السياسة الأمنية ومشاريع التسلح، إضافة إلى الطاقة النووية. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية (20 أكتوبر/ تشرين الأول) "لا شيء يعمل بين برلين وباريس كما يرام، فقبيل القمة الأوروبية، التي كان مفترضا أن تقدم إجابة لأزمة الطاقة، ظهرت خلافات عميقة بين فرنسا وألمانيا، فتم تأجيل المجلس الوزاري الفرنسي الألماني إلى العام المقبل (..) لقد توقف المحرك الفرنسي الألماني عن العمل الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى الأمام لعقود". واستطردت الصحيفة موضحة أن سبب الأزمة تعود أيضا إلى "قلة الاهتمام من جانب تحالف "إشارة المرور" (الحاكم في برلين)  بقيادة أولاف شولتس للعلاقات مع فرنسا".

إعادة هندسة أوروبا كما خلفتها الحرب العامية؟

تتعرض هندسة أوروبا الجيوسياسية كما وُضعت على أنقاض الحرب العالمية الثانية لاهتزازات لم يتضح مداها بعد العدوان الروسي على أوكرانيا. وفي قلب هذه الهندسة توجد الشراكة الألمانية الفرنسية التي توُصف عادة بـ"دينامو الاتحاد الأوروبي". العقوبات الغربية وحرب الطاقة التي تشنها موسكو مست بشكل مباشر الحياة اليومية للأوروبيين. فقد راهنت ألمانيا على تشبيك علاقاتها الاقتصادية مع روسيا ما بعد الحرب الباردة، ورأت في ذلك الضمانة الحقيقية للأمن في أوروبا. غير أن ألمانيا وأوروبا تجد نفسها اليوم في موقف لا تحسد عليه، رغم أن هذه الحرب مكنت من عودة الروح للشراكة الأطلسية وتعزيز صفوف حلف الناتو عبر تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا وبلورة موقف موحد صارم ربما لم يكن يتوقعه حتى الرئيس الروسي فلادمير بوتين. غير أن غياب أفق لنهاية الحرب يطرح السؤال حول قدرة الأوروبيين على الحفاظ على موقف موحد أمام انفجار نسبة التضخم وغلاء المعيشة وتضارب المصالح أحيانا بين شركاء التكتل القاري.

وفي هذا السياقد كتب موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى في بداية العدوان الروسي (24 فبراير/ شباط 2022) "لفترة طويلة، اعتمدت حكومة المستشارة أنغيلا ميركل سابقا، ثم بعدها المستشار أولاف شولتس على الحوار مع روسيا. لقد فشلت هذه السياسة الآن بوضوح. المطلوب هو سياسة جديدة تجاه روسيا،  سياسة خالية من الأوهام". لقد حرص الألمان على إقامة علاقة جيدة مع الروس لاعتبارات تاريخية مرتبطة بمشاعر الذنب بسبب غزو النظام النازي لروسيا والخسائر الهائلة التي تكبدتها روسيا خلال الحرب العالمية الثانية. إضافة إلى كون حقيقة أن الوحدة الألمانية، ما كان لتتم دون موافقة موسكو والدور التاريخي الذي لعبه آخر زعيم سوفييتي، الراحل ميخائيل غورباتشوف.

غضب بسبب خطط برلين لدعم أسعار الغاز

تزامن وصول أولاف شولتس لمنصب المستشار (ديسمبر/ كانون الأول 2021) مع اندلاع الأزمة بين برلين وباريسبسبب التحديات غير المسبوقة التي خلقها العدوان الروسي على أوكرانيا والقرارات التي اضطرت العاصمتان لاتخاذهما بسبب الحرب، حيث ظهر بشكل واضح تعارض للمصالح في عدد من الملفات، فعلى سبيل المثال لا الحصر أعلنت ألمانيا خطة لانفاق ما لا يقل عن 200 مليار يورو لدعم أسعار الغاز الباهظة بعد العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو وخفض الأخيرة إمداداتها من الغاز لأوروبا. خطة انتقدتها عدد من العواصم الأوروبية التي اعتبرتها قرارا اتخذ من جانب واحد دون التشاور داخل التكتل القاري، باعتبار أنها قد تُخل بقواعد المنافسة في أوروبا، حيث بدت برلين وكأنها غير متضامنة مع باقي دول الاتحاد الأوروبي.

وقد تمكن القادة الأوروبيون من التوصل لحل وسط بشأن وضع سقف لأسعار الغاز بعد التراجع الذي عرفته الأسعار لدى تجار الجملة في الأسابيع الماضية. كما أن استهلاك الغاز في أوروبا انخفض على التوالي في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين مع خفض القطاعات الصناعية للإنتاج وسط ارتفاع الأسعار وندرة الإمدادات الروسية. صحيفة "هاندلسبلات" الاقتصادية الألمانية (22 أكتوبر/ تشرين الأول) كتبت ملخصة المخاوف الألمانية بالقول "تخشى ألمانيا بحق أن يؤدي تحديد سقف لسعر الغاز إلى زيادة الاستهلاك، والسماح بتدفق الطاقة المدعومة إلى الخارج وتصبح باهظة الثمن إذا ارتفعت أسعار السوق". صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية سردت القضايا الخلافية بين الشريكين ومنها الغاز وخطط التسلح ووضع سقف للأسعار بالإضافة إلى توسع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق، وكتبت معلقة "من وجهة نظر باريس، يثبت المستشار الألماني تفضيله السير بمفرده، فبشأن خطته الضخمة ضد تضخم أسعار الطاقة، لم يتم إبلاغ فرنسا وبالتأكيد لم تتم استشارتهم. من منظور برلين، يحب ماكرون التضامن الأوروبي عندما يفيد المصالح الفرنسية، لكنه يتجاهله عندما يساعد ألمانيا في إنقاذ نموذجها الاقتصادي".

السياسة الدفاعية في صلب الخلافات

اجتياح أوكرانيا، دفع برلين إلى تغيير عقيدتها الدفاعية بشكل جذري، فبلورت خطة تسليح عملاقة هي الأكبر في تاريخ البلاد منذ الحرب العالمية الثانية. وهكذا تعهدت برلين بإنفاق 2 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي كميزانية دفاع. كما تم إنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني. كما تعتزم ألمانيا أيضا بناء نظام دفاع جوي جديد مع شركاء أوروبيين. كهولندا وبولندا ودول البلطيق وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والشركاء في الدول الاسكندنافية. غير أن باريس تنظر بريبة إلى هذه الخطط لأنها لا تُترجم إلى صفقات تستفيد منها شركات الأسلحة الفرنسية، في وقت ما فتئ فيه الرئيس ماكرون يدعو إلى سيادة دفاعية أوروبية مشتركة.

صحيفة "دي تسايت" الألمانية (20 أكتوبر/ أكتوبر) رأت أن باريس مستاءة من أولاف شولتس فقد كانت "فرنسا سعيدة في البداية بعد تحول السياسة الدفاعية لألمانية والإعلان عن خطة 100 مليار يورو للتسلح (..) غير أن مبادرة نظام الدفاع الجوي الأوروبي المضاد (درع السماء)، التي قدمتها ألمانيا مؤخرًا تعتمد على أنظمة أمريكية وإسرائيلية. وترى فرنسا أنه تم تجاهلها عدة مرات (..) يرى ماكرون أن سلوك ألمانيا هو رفض لهدفه المتمثل في تعزيز السيادة الإستراتيجية لأوروبا".

ضرورة وضع حد سريع للأزمة بين الشريكين

تأجيل المشاورات الحكومية بين الجانبين إلى العام المقبل، مؤشر على عمق الخلافات الحالية داخل "المحرك الأوروبي". يذكر أنه وفق المادة 23 من معاهدة آخن، تلتزم حكومتا البلدين بالاجتماع مرة واحدة على الأقل في السنة. موقع "إير.بي.بي RBB" الألماني (26 أكتوبر/ تشرين الأول) أجرى حوارا مع أنا لورمان (حزب الخضر) مفوضة الحكومة الألمانية للتعاون الألماني الفرنسي ، أشارت إلى أنه حينما يتعلق الأمر بالتسلح والطاقة توجد حاليًا اختلافات بين ألمانيا وفرنسا، غير أنها استطردت مؤكدة أن العلاقة بين البلدين تبقى جيدة جدا. واعتبرت لورمان أن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي "نحن دولتان مختلفتان".

وأقرت المسؤولة الألمانية بوجود خلافات بشأن وضع سقف لأسعار الغاز والمشاريع الدفاعية. وأضافت "علينا أن نتبادل الأفكار بشكل أوثق مع بعضنا البعض من أجل الوصول إلى موقف مشترك". وعندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة "يظهر البلدان قدرًا كبيرًا من التضامن وسيعملان معًا بطريقة ملموسة للغاية (..) نقوم حاليًا بتوصيل كميات كبيرة من الكهرباء إلى فرنسا. وفي المقابل، نحصل على الغاز من فرنسا". صحيفة "لا فانغارديا" الإسبانية (27 أكتوبر/ تشرين الأول) علقت على الخلافات الفرنسية الألمانية وكتبت "إذا تعذر التفاهم بين فرنسا وألمانيا، فقد يصاب الاتحاد الأوروبي بأكمله بالاضطراب (..) هناك دائما تناقضات بين باريس وبرلين (..) ما يثير القلق حقًا هو أنه وفقًا لمصادر مختلفة، يبدو أن ألمانيا تريد وضع مكانتها كمتزعمة لأوروبا فوق مكانتها كمُحفز للتضامن والتكامل الأوروبيين (..) يجب حل هذه الخلافات الفرنسية الالمانية في أسرع وقت ممكن".

الشراكة الألمانية الفرنسية وتحديات التضامن

أظهرت الأزمة الأوكرانية أن الأوروبيين قادرون على التحرك كرجل واحد، غير أنهم أدركوا أن الاتحاد فشل في امتلاك أدوات سياسة دفاعية ناجعة مع تضارب مصالح بعض الدول الأعضاء من حيث تأمين مصادر الطاقة وأسعارها وكذألك سياسة النمو الاقتصادي. لا شك أن ألمانيا ستتعلم الدرس من وضعها البيض كله في سلة بوتين وارتهانها للغاز الروسي. غير أن رد الفعل الأوروبي كان هائلا وتضامنيا بشكل لم يكن يتوقعه بوتين. لقد تمكنت الدول الأعضاء من فرض حزمة عقوبات قاسية على موسكو بسرعة قياسية، بل وانضمت كل من فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، في خطوة لم يكن أحد يتصورها قبل الحرب؛ كما سارعت دول الاتحاد إلى زيادة إنفاقها الدفاعي. غير أن التحدي الأكبر سيكون ضمان ديمومة روح التضامن هذه على المدى المتوسط والبعيد، خصوصا أمام تراكم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحرب، وضعية ستتضرر منها دول أكثر من غيرها، ما سيشكل اختبارا حقيقيا للتكتل القاري بما في ذلك الشريكين الأساسيين ألمانيا وفرنسا.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية (28 أكتوبر/ تشرين الأول) معلقة "إن السؤال الذي يدور في رؤوس الجميع دون البوح به هو: إلى متى سيحافظ الأمريكيون والأوروبيون على مستوى المساعدة الحالية للأوكرانيين حتى ينجحوا في صد العدوان الروسي؟ يتم تكرار وعود كثيرة بهذا الصدد للمقاتلين الشجعان في أوكرانيا، غير أنه من السذاجة الاعتقاد بأن هذا الوضع غير قابل لأن يتغير أمام نسبة التضخم والركود الاقتصادي وتكاليف الطاقة والاستحقاقات الانتخابية والتعب والأنانية، كلها عوامل قد ترخي بظلالها على الجبهة الغربية الموحدة".

حسن زنيند