1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: جنون الأسعار وتبعاته بين ألمانيا والعالم العربي

٢٠ سبتمبر ٢٠٢٢

استمرار ارتفاع الأسعار يفقر غالبية الناس حتى في دول غنية كألمانيا التي عُرفت باستقرار أسعارها على مدى عقود. وإذا كانت هذه الدول تخفف الأعباء عن مواطنيها عن طريق المساعدات السخية، فكيف تواجه الدول العربية هذه المشكلة؟

https://p.dw.com/p/4H3v2
التضخم في تونس ضاعف الأسعار، هل تنجح القروض الجديدة في الحد من جنونها؟
تونس من بين الدول التي ارتفعت أسعار المواد الغذائية فيها أيضا بسبب تراجع المواسم الزراعية وضعف السياسات الداعمة لهاصورة من: Adel Ezzine/Xinhua/IMAGO

تستمر المستويات القياسية لارتفاع أسعار الغاز ومصادر الطاقة الأخرى في تأجيج نيران تكاليف إنتاج وشراء الأغذية والأدوية ومواد البناء والسلع الاستهلاكية الأخرى بشكل يثير الخوف والهلع. وبفعل ذلك وصل التضخم في غالبية دول العالم إلى مستويات مخيفة تراوحت بين 8 و 10 بالمائة خلال الأشهر الست الماضية. وقد حدث ذلك حتى في بلدان مثل ألمانيا كانت معروفة باستقرار أسعارها والحفاظ على معدلات تضخم سنوية دون 3 بالمائة. وتؤدي المستويات التي وصل إليها التضخم إلى تآكل سريع في القوة الشرائية وتدهور مستوى معيشة أصحاب الدخل المحدود والمتوسط الذين يشكلون غالبية المجتمع. 

كما يؤدي إلى توقف الإنتاج وإلى موجة إفلاس تطال الشركات في مختلف القطاعات. ففي ألمانيا على سبيل المثال تُظهر غالبية المعطيات على أن 60 بالمائة من السكان بدأوا باللجوء إلى ما لديهم من احتياطات لتوفير احتياجاتهم الشهرية. كما زاد عدد الشركات المفلسة خلال الشهر الماضي أغسطس/ آب 2022 بنسبة زادت على 25 بالمائة مقارنة بمستوى نفس الفترة من العام الماضي. ومما لا شك فيه أنه لولا الإعانات السخية التي قدمتها الدولة الألمانية حتى الآن لطال الإفلاس المزيد من المؤسسات.

التضخم في ألمانيا قد يتجاوز 10 بالمائة في الأشهر القادمة، فما هي تبعات ذلك على الصعيد الاجتماعي؟
ارتفاع الأسعار أفقد الكثير من الألمان القدرة الشرائية على توفير مستلزمات حياتهم اليومية، إلى متى يستمر هذا الارتفاع رغم تدخل الدولة للحد منه؟ صورة من: Michael Gstettenbauer/IMAGO

كيف تحاول دول ألمانيا إنقاذ الوضع؟

في الدول الصناعية التي لديها احتياطات مالية كبيرة مثل ألمانيا تحاول الدولة مواجهة ارتفاع الأسعار من خلال  إعانات مالية سخيةللشركات والعائلات. وقد خصصت لها الحكومة الحالية برئاسة المستشار أولاف شولتس نحو 90 مليار يورو منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. ولا يقتصر تدخل الدولة على الإعانات والقروض فحسب، بل يشمل أيضا شراء أجزاء من ملكية الشركات الكبيرة مثل شركة "يونيبر" للغاز التي يشكل انهيارها خطرا على الاقتصاد برمته. وقد وصل الأمر مؤخرا إلى حد قيام الدولة بوضع يدها على 3 شركات تكرير نفط تابعة لشركة "روسنفت" الروسية على الأراضي الألمانية، رغم الانتقادات القائلة بأن خطوة كهذه تخرق مبادىء اقتصاد السوق وحرمة الملكية الخاصة.

وإذا كانت دول مثل ألمانيا تحاول من خلال الدعم السخي والتدخل المباشر تخفيف تبعات أزمة ارتفاع الأسعار، فما الذي تفعله الدول العربية حيال ذلك؟ بالنسبة للدول العربية النفطية التي يعد العراق من ضمنها، فإن ارتفاع أسعار النفط والغاز في خضم الحرب في أوكرانيا ضاعف إيراداتها المالية بشكل غير متوقع. وهو الأمر الذي يمكنها من سداد ديونها واستمرار دعم السلع الغذائية الأساسية وتحمل تكاليف شرائها بأسعار مرتفعة في السوق الدولية. كما أن موازناتها سجلت فوائض متزايدة بعشرات المليارات خلال النصف الأول من العام الجاري.

تعويم الجنيه المصري أفقد المدخرين القسم الأكبر من قيمة مدخراتهم بعد تعويم الجنيه وتراجع سعره أمام الدولار.
التراجع الكبير لسعر الجنية المصري أمام الدولار الأمريكي أجج مشكلة ارتفاع الأسعار بالنسبة لغالبية المصريين، هل تنجح جهود الدولة في وضع حد له؟صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO

الاقتراض الخارجي ومشكلاته

أما في الدول العربية غير النفطية التي لا تتمتع بمثل هذه البحبوحة المالية، فإن المعطيات الحالية تشير إلى استمرار موجة ارتفاع الأسعار بمعدلات تراوحت بين 10 و 30 بالمائة. أما التضخم فوصلت معدلاته على سبيل المثال إلى نحو 9 بالمائة في تونس، وإلى أكثر من 7 بالمائة في المغرب وإلى نحو 16 بالمائة في مصر خلال أغسطس/ آب الماضي. وفي دول تعاني الحروب والعقوبات الاقتصادية الغربية والعربية كاليمن وسوريا، فإن الارتفاع في الأسعار ومعدلات التضخم مستمرة بالارتفاع إلى مستويات مضاعفة منذ سنوات. ويأتي ارتفاع الأسعار بالنسبة للدول العربية غير النفطية في وقت تعاني فيه من عدم توفر احتياطات مالية لدعم العائلات والمؤسسات والشركات وتركها لمصيرها. ويُستثنى من ذلك استمرار دعم بعض المواد الأساسية كالخبز ولكن بشكل أقل من السابق.

ومن أجل  تجاوز الوضع الصعب الذي يتجه نحو الخروج عن السيطرة، تحاول دول كمصر وتونس الحصول على مزيد من القروض لترميم ما يمكن ترميمه من أزماتها المالية. ويبدو أن تونس قاب قوسين أوأدنى من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة تراوح بين 2 إلى 4 مليارات دولار. وتتفاوض مصر مع أكثر من بنك إقليمي ودولي للحصول على قرض مماثل. ويدرس المغرب اللجوء إلى السندات الدولية مجددا لتمويل العجز في موازنته. وتبدو هذه القروض مهمة جدا بالنسبة لهذه الدول في هذه المرحلة الصعبة، غير أنها في غالب الأحيان لا تحل المشاكل القائمة بقدر ما تخفف منها أو تهدئ من تبعاتها بشكل مؤقت. فتجارب دول مثل تونس ومصر خلال السنوات القليلة الماضية تدل على أن مزيد من الاقتراض يزيد أعباء خدمة الديون على الميزانية، لاسيما وأن إنفاقها لم يساعد على تنمية قطاعات الإنتاج المحلي وخلق قيم مضافة في الزراعة والصناعات التحويلية. ويحصل هذا في الوقت الذي ترتفع فيه فاتورة المستوردات من مختلف السلع.

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية في مؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: مطلوب قلب السياسات التنموية في الدول العربية رأسا على عقبصورة من: Boris Geilert/DW

أين تكمن الأولويات؟

ومع ترجيح دخول الحرب في أوكرانيا مرحلة تصعيد جديدة على الصعد السياسية والعسكرية وعلى صعيد العقوبات الاقتصادية المتبادلة، لا يتوقع أحد انفراجا قريبا لا في أسواق الطاقة ولا على صعيد ارتفاع الأسعار. ويزيد الطين بلة استمرار الانقطاعات في سلاسل التوريد وارتفاع أجور النقل والتأمين بنسب وصلت  إلى أكثر من 400 بالمائة. ومما يعنيه ذلك ترجيح دخول اقتصاديات الكثير من الدول في مرحلة ركود لا أحد يعرف مدتها ولا حجم الخسائر الناتجة عنها. وفي ظل حالة كهذه لا بد للدول العربية، لاسيما غير النفطية منها من إعادة النظر في نموذج تنميتها الحالي برمته على أساس إعطاء الأولوية لمشاريع الإنتاج المحلي الخاصة بالسلع الأساسية وعلى رأسها القمح والبقوليات وبقية الأغذية والأدوية. ولا تكمن ميزة هذه المشاريع في توفير الأمن الغذائي وحسب، بل أيضا في أن تكاليف إقامتها أقل بكثير من مشاريع كثيرة في البنى التحتية وغير التحتية يمكن تأجيلها إلى حين. وما خطط تونس الحالية لتطوير زراعة ذكية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح في المواسم القادمة سوى خطوة أولية في الاتجاه الصحيح .أما في دول كمصر فقد حان الوقت لإدخال مزيد من التصحيح على السياسة الزراعية. ففي بلاد النيل يتم سنويا ضخ أموال كبيرة في مشاريع زراعية موجهة للتصدير أكثر منها لتوفير احتياجات السوق المحلية، حسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة/ فاو. والغريب أن ذلك يحصل في وقت يكافح فيه صغار المزارعين من أجل البقاء دون تلقي دعم من الدولة. والجدير ذكره أن هؤلاء ينتجون نحو 50 بالمائة من المحاصيل الحقلية الموجهة إلى السوق المحلية حسب المنظمة الدولية.

إبراهيم محمد

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد