يميل عدد كبير من المحللين بمنطقة الشرق الأوسط وخارجها إلى التركيز على تطورات الوضع في الشرق الأوسط ومآلات الصراع بين إسرائيل وإيران ووكلائها بالمنطقة، باعتبارها عاملا رئيسيا في تحديد التوجهات أو الأولويات التي سيركز عليها الرئيس الجديد للولايات المتحدة في سياسته بالمنطقة، سواء كان الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية كمالا هاريس.
وحتى إن كانت هذه الفرضية تبدو منطقية بالانطلاق من الخلفية التاريخية للسياسة الأمريكية في المنطقة وحجم انخراطها الاستراتيجي حاليا في الصراع القائم، فإن صياغة سياسة أمريكا المستقبلية باعتبارها قوة عظمى أولى في العالم، يبدو أكثر تعقيدا بالنظر للمتغيرات العميقة والمتسارعة على أصعدة عديدة عالميا، بتزامن مع ما يجري في الشرق الأوسط الكبير.
ويمكن رصد أبرز المعطيات والمتغيرات العالمية المؤثرة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسياسات القوى الكبرى المتدخلة فيها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
أولا: الأزمات والحروب الكبرى الجارية حاليا وفي مقدمتها حرب أوكرانياوروسيا والأزمة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: التغيرات الملحوظة في أدوار ومصالح القوى العظمى المتدخلة أو المتنافسة على النفوذ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل الصين وروسيا وأوروبا بالإضافة للولايات المتحدة، وتأثير ذلك على موارد دول المنطقة الاستراتيجية مثل الطاقة والتجارة والتسلح.
ثالثا: تنامي أدوار قوى متوسطة كلاعب رئيسي في المنطقة مثل تركيا وإيران وإسرائيل والسعودية.
رابعا: ظهور علامات على اختلالات في العلاقات الاقتصادية والمالية على الصعيد العالمي ومبادرات لمراجعة قواعد "برايتون" التي قامت عليها منظومة المؤسسات المالية والنقدية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. واتجاهات للبحث عن إعادة توزيع الأدوار وتغيير موازين القوى الاقتصادية في العالم.
خامسا: تغييرات في أشكال ومحتوى النفوذ والقوة الناعمة، وظهور قدرات جديدة متعددة الأبعاد (سياسية، مجتمعية، تكنولوجية) تخترق وتتجاوز الخطوط الحمراء لمنظومات القيم والمواثيق الحقوقية التي شكلت على مدار عقود من الزمن ركيزة أساسية للنظام الليبرالي وخصوصا العولمة التي ترسخت بعد حقبة الحرب الباردة، وشكلت لعقود مقوما أساسيا في قوة الغرب الناعمة.
سادسا: تنامي حجم المخاطر ذات الطابع الكوني على دول المنطقة وتزايد مؤشرات عجز هذه الأخيرة في مواجهتها منفردة. وتشكل تغيرات المناخ أبرز تلك المخاطر وتنجم عنها ظواهر لا تقل خطورة مثل موجات نزوح ولجوء هائلة نحو المنطقة ومنها إلى مناطق محيطة في مقدمتها أوروبا.
ماذا يُنتظر من الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط؟
عندما وقعت احتجاجات الطلاب في الجامعات الأمريكية في شهر مايو أيار الماضي ضد الحرب في غزة، أظهرت مؤشرات لآراء الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة، أنهم يعولون أكثر على التضامن داخل الولايات المتحدة من الدعم الذي يمكن أن يأتيهم من الدول العربية أو أي طرف إقليمي أو دولي آخر. وكانت تلك إشارة للدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة في التأثير على مجريات الصراع في الشرق الأوسط، وخصوصا على إسرائيل.
وبعد أكثر من عام على اندلاع الحرب في غزة، تُظهر مؤشرات عديدة على أن الصراع في الشرق الأوسط له تأثير واضح على حظوظ المرشحين الديمقراطية كمالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، الذي يبدو مستفيدا أكثر من غضب قطاعات من الناخبين العرب والمسلين على أداء إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وفي هذا السياق يُطرح السؤال من جديد عشية الانتخابات الأمريكية حول إنتظارت الفلسطينيين وفي العالم العربي من الدور الأمريكي بعد انتخاب رئيس(ة) جديد(ة) في البيت الأبيض.
من الوهلة الأولى يبدو مجال التوقعات معقدا للغاية بسبب كثافة الانخراط الأمريكي حاليا في الصراع على الصعيد الديبلوماسي وإلى حدما العسكري بجبهاته المتعددة: غزة ولبنان وإيران والجماعات أو الدول المتحالفة معها في اليمن والعراق
إذ أن التأثير مكثف ومتبادل بين أحداث الشرق الأوسط الجارية حاليا والانتخابات الأمريكية. سواء تم التوصل إلى اتفاقات هدنة في اللحظات الأخيرة في غزة ولبنان قبل الانتخابات الأمريكية أو نفذت إيران هجومها المتوقع على إسرائيل.
ومهما كانت مآلات الصراع في الشرق الأوسط، فسيكون هذا الملف في أولويات أجندة الساكن الجديد للبيت الأبيض. لكن ما مدى واقعية الانتظارات في الجانب الفلسطيني والعربي إزاء الاتجاه الذي ستسلكه في الواقع الإدارة الأمريكية الجديدة بداية من العام الجديد بعد إنتقال السلطة الرئاسية؟
ورغم التباين الشديد في الانتظارات على الصعيدين الفلسطيني والعربي، والنظرة السلبية المتزايدة على الأقل في الشارع العربي إزاء الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، بسبب ما يُنظر إليه على أنه "دعم غير مشروط وغير متوازن" لإسرائيل على حساب حقوق الجانب الفلسطيني واللبناني. يُدرك الناس في العالم العربي، في الشارع كما الحكّام، بأن تأثير واشنطن كبير على قرار الحرب أو السلم في بلدانهم. ومن هنا يمكن القول بأن سقف الانتظارات في العالم العربي من الإدارة الأمريكية المقبلة: هي في أدناها وقف الحرب وفي أقصاها التوصل إلى تسوية سلمية عادلة لصراع عمّر لحوالي ثمانية عقود، عبر حل الدولتين.
وعلى الجانب المقابل، بقدر ما تبدو رؤية كمالا هاريس وترامب متباينة جدا حول إدارة الأزمة في الشرق الأوسط ومخرجاتها، فثمة عناصر مشتركة عديدة بينهما. ومن أبرزها، برأي محللين للسياسة الأمريكية، أن اللاعب الأمريكي سيسير وفق مسار الاستمرارية على النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس بايدن، مثلا فيما يتعلق بمواصلة الدعم العسكري والمالي لإسرائيل بإعتبار الحفاظ على أمن إسرائيل والدفاع عنها، عنصرا ثابتا في مقومات الأمن القومي الأمريكي وفي برامج الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كما يشكل العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية عنصرا مشتركا في خطط هاريس وترامب.
أما مجال التباين في الرؤية بين ترامب وكمالا هاريس، فيُتوقع أن يبرز أكثر في مجال التغيير ومداه في السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، أي فيما يمكن أن تطرحه الإدارة الأمريكية الجديدة كمخرجات للأزمة الحالية.
خطط كمالا هاريس
إذا فازت هاريس، يُرجح أن تنطلق من رصيد الضغط الذي مارسته لحد الآن إدارة الرئيس بايدن على إسرائيل للحد من الأضرار الإنسانية الفادحة الناجمة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية، عبر التوصل لوقف إطلاق النار مع حماس في غزة ومع حزب الله في لبنان. ولا يستبعد متابعون لحملة هاريس بأن تمضي إدارتها - في حال فوزها- في إجراءات عقابية ضد المستوطنين الإسرائيليين العنيفين في الضفة الغربية.
وعلى مدى أبعد، إذا مضت هاريس في التزامها بالعمل من أجل تحقيق حل الدولتين، فستجد أمامها حصيلة متباينة لأسلافها الديمقراطيين: اتفاق أوسلو الذي انطلق مساره في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب، وتم توقيعه في عهد إدارة الرئيس بيل كلينتون. وحالة صدام بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو. وحصيلة ضعيفة لإدارة بايدن.
وفي مواجهة الضغوط التي يمكنها أن تواجهها الإدارة الديمقراطية المقبلة على الصعيدين المحلي الأمريكي بسبب المقاومة التقليدية لمكونات البيروقراطية في مؤسسات صنع القرار الأمريكي والضغوط المنتظرة من جماعات اللوبي المؤيدة لإسرائيل داخل الكونغرس، يتوقع الباحثان بمعهد كارينغي للسلام الدولي، كريستوفر شيفيس وستيفن ويرثهايم في مقال بعنوان "كيف يمكن للرئيس القادم أن يحدث تغييراً في نظام مصمم لمقاومته" نشرته مجلة "فورين أفيرس" الأمريكية في عددها لشهر أكتوبر تشرين أول 2024، أن "تتكثف الدعوات لإعادة التفكير في الدعم الأمريكي لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي وبالتالي التعامل مع الضرر الدائم للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية".
لكن الإدارة الديمقراطية يمكن أن تواجه ضروبا أخرى من الضغوط على الصعيد الإقليمي، مثلا بسبب عامل التغيّر المتوقع في التعاطي مع الملف الإيراني الذي كان الديمقراطيون يميلون تقليديا لإيجاد تسويات مع طهران، بينما ستصبح المهمة أصعب في ظل المعطيات الجديدة، بسبب تنامي الدور الإيراني المباشر في التصعيد بالمنطقة واستخدامها لأسلحة باليستية وبسبب مخاطر إمتلاكها لسلاح نووي.
وعود ترامب
وبالمقابل ستكون طريق ترامب سالكة أكثر في اتجاه تفاهم مع إسرائيل بشأن إيران ودورها في المنطقة من لبنان إلى العراق وصولا إلى اليمن. أما في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فمن الواضح أن حكومة نتنياهو ومعظم الإسرائيليين حسب أحدث استطلاعات رأي تفضل فوز ترامب، وقد أظهر استطلاع أجرته القناة 12 الإسرائيلية، أنه من بين الإسرائيليين الذين يصوتون لصالح الائتلاف اليميني الحاكم بزعامة نتنياهو، يؤيد 93 في المائة ترامب.
ويفضل معسكر اليمين الإسرائيلي عودة ترامب للبيت الأبيض لأنه "قد يمنح اليمين المتطرف الإسرائيلي ترخيصًا لتسريع الجهود لطرد الفلسطينيين من أراضيهم" كما يشير خبيرا معهد كارينغي للسلام.
وإبان ولايته السابقة أعطى ترامب الأولوية لإسرائيل، فنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة.
وفي نهاية سنة 2019 طرحت إدارة الرئيس ترامب ما يُعرف بـ" صفقة القرن " لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، وقوبلت الخطة برفض الفلسطينيين ودول عربية، لكنه تمكن من تحقيق تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية بموجب ما يُعرف باتفاقيات أبراهام.
وخلال اجتماع انتخابي صرح ترامب، بحسب ما نقلت عنه القناة 12 الإسرائيلية، بأن "مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها". وبأنه سيسعى إلى "توسيع مساحة إسرائيل". وأثارت هذه التصريحات ردود فعل غاضبة في العالم العربي.
لكن الخيارات ستكون صعبة أمام ترامب في حال فوزه، فدعم نهج التصعيد في الشرق الأوسط سيساهم في توسيع الجبهات على واشنطن في العالم، وقد يؤدي ذلك إلى تشتيت قواها وإضعاف قدراتها على حسم مخرجات الأزمات وفق رؤيتها ومصالحها.
تغيير في خارطة النفوذ والتحالفات
ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الدور الحاسم فيما يتعلق بأزمات الشرق الأوسط، وقد باءت محاولات منافسيها الصينيين والروس للدخول على خط الأزمة الحالية، بالفشل، وكذلك الحال بالنسبة للحلفاء الأوروبيين.
ولكن أداء السياسة الأمريكية في ملف الشرق الأوسط يساهم بشكل مؤثر في تزايد النظرة السلبية عند العرب على المستويات الشعبية والرسمية، ما سيضع أي إدارة أمريكية مقبلة أمام ضغوط كبيرة تضاف إلى التحديات التي باتت واشنطن تواجهها في علاقاتها حتى مع شركائها التقليديين في المنطقة.
وثمة مؤشرات عديدة في هذا الاتجاه بدأت تظهر في السنوات القليلة الأخيرة.
مؤشر أول: تنامي علاقات الشراكة الاقتصادية والعسكرية بين المنافس الصيني ودول عربية حليفة للولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات ومصر. وتجني الصين مكاسب عبر زيادة هيمنتها على سلاسل التوريد في التجارة وفي مجالات الطاقة والتكنولوجيا وتجارة السلاح.
مؤشر ثان: أن روسيا تتمكن من تحقيق اختراقات للعقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وبناء علاقات أمنية واستراتيجية على حساب نفوذ الغرب في دول عربية حليفة (للغرب) أو أخرى مناوئة للسياسة الأمريكية أو حلفاء لخصومها، مثل العراق والجزائر. كما تواصل روسيا محاولاتها لعب أدوار أمنية وعسكرية في مناطق أزمات مثل السودان وليبيا واليمن ولبنان وسوريا، من شأنها تعقيد الأوضاع على الغرب هناك.
مؤشر ثالث: بعد سلسلة إخفاقات للسياسة الأمريكية في حربي العراق وأفغانستان، وبخلاف خطط تقليص التواجد العسكري للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط التي سعت إدارة الديمقراطيين (أوباما وبايدن) والجمهوريين (ترامب) إلى تنفيذها، يبدو أن الرياح سارت بما لا تشتهيه سفن واشنطن التي كانت تضع في أولوياتها تطويق صعود الدور الصيني.
فقد اندلعت حرب أوكرانيا وألقت على الولايات المتحدة بأعباء جيوسياسية كبيرة بأوروبا التي أظهرت الأحداث أنها غير مهيئة لضمان أمنها بنفسها، كما اضطر البنتاغون ليرمي بثقله من جديد في الشرق الأوسط لدعم إسرائيل في صراعها مع إيران وحلفائها بالمنطقة.
ويذهب محللون للاعتقاد بأن هذه المؤشرات تدل على تراجع النفوذ الأمريكي ويتوقع أن تكون له تداعياته في المرحلة المقبلة على صعيد الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، وقد تواجه الإدارة المقبلة سواء فاز ترامب أو كمالا هاريس، معضلة ملاءمة موارد القوة العسكرية والمالية والتكنولوجية مع متطلبات القيادة الأمريكية للعالم.
صعوبات في إدارة أزمات إقليمية
في ظل حالة تشتيت ملحوظة للقوى الأمريكية على جبهات وأزمات عديدة في العالم، يرصد محللون ثلاثة أمثلة لأزمات جيوسياسية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن أن تضع الإدارة الأمريكية المقبلة أمام خيارات صعبة.
مستقبل الشراكة مع العراق: مستقبل الشراكة الأمنية مع العراق في ظل سعي الديمقراطيين والجمهوريين لتقليص التزامات الجيش الأمريكي وتحقيق انسحابه المؤجل بسبب الاستحقاقات الجديدة في الشرق الأوسط خشية استغلاله من طرف إيران لزيادة نفوذها في العراق، حيث اضطرت إدارة بايدن لتأجيل الانسحاب، وستجده هاريس إذا فازت ملفا ساخنا في أجندتها. كما هو الحال بالنسبة لترامب، الذي سيصطدم بدوره بهذا الملف الذي ساهم الجمهوريون في تأجيله عبر ضغوطهم في الكونغرس على إدارة بايدن.
علاقة صعبة مع تركيا: رغم أنها حليف رئيسي للولايات المتحدة في الناتو، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تواجه صعوبات كبيرة في إدارة العلاقة مع أنقرة التي تمارس لعبة شد الحبل مع واشنطن، بينما تعمّق علاقاتها مع الصين وروسيا.
ومن المتوقع أن تتواصل الصعوبات في التعامل مع الملف الكردي وخصوصا على الجبهة السورية، حيث تصطدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية في شمال سوريا بأولويات تركيا المتمثلة بالخصوص في الحرب على حزب العمال الكردستاني.
ملف الصحراء الغربية: منذ اعتراف إدارة الرئيس السابق ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في سياق اتفاق ثلاثي بين إسرائيل والمغرب والولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020، أصبحت سياسة واشنطن في ظل الجمهوريين والديمقراطيين رهينة لرؤية ترامب، التي يتوقع أن يتم تعزيزها في حال فوزه، ومن الوارد أن تتظافر مع مواقف دول أوروبية متطابقة وأحدثها موقف الرئيس إيمانويل ماكرون، باتجاه البحث عن تسوية أممية نهائية للنزاع المستمر منذ أكثر من نصف قرن وتسبب في توترات كبيرة في المنطقة المغاربية وعرقلة اندماجها.
بينما يتوقع محللون بأن يكون أداء الإدارة الأمريكية في حال فوز هاريس مختلفا نسبيا. إذ يرجح أن تعمل على تحقيق الاستمرارية في سياسة بايدن، عبر تعزيز التحالف مع المغرب وعدم التراجع عن الموقف المؤيد له في نزاع الصحراء، ولكنها ستسعى في نفس الوقت لمواصلة نهج احتواء الخلافات مع الجزائر وكبح اتجاهها للتحالف مع روسيا والصين.
وفي تعليقه على غضب الجزائر من الموقف الأمريكي في ملف الصحراء، يرى خبير السياسة الخارجية الأمريكية غريغوري أفتاندينيال في مقال له على موقع "المركز العربي بواشنطن دي سي" أن "العلاقات الجزائرية الأمريكية رغم أنها تمر باضطرابات وتظل صعبة لكن الطرفين يحرصان على الحفاظ عليها".
وفي كل الأحوال فإن الرؤية الأمريكية لدى الديمقراطيين والجمهوريين تلتقي على الأقل حول نقطتين: أهمية دور الجزائر كمزود رئيسي بالطاقة لحلفاء واشنطن الأوروبيين، وللدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر بحكم موقعها الجيوسياسي في مواجهة المخاطر الأمنية في منطقة الساحل والصحراء.
تراجع الآمال في دور أمريكي داعم للتحول الديمقراطي
يسود شعور الخيبة من السياسة الأمريكية لدى قطاع واسع من النخب والنشطاء من أجل الديمقراطية في العالم العربي، بسبب التراجع الملحوظ منذ سنوات في التزام واشنطن بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في الدول العربية.
وفي حال عودة ترامب للبيت الأبيض يرجح أن يتعمق تشاؤم أنصار الديمقراطية في العالم العربي إزاء الدور الأمريكي، إذ يرجح أن يواصل نهجه المعتاد في التقارب مع الحكام المستبدين.
أما في حال فوز كمالا هاريس، فمن المتوقع أن تستند سياستها على الاستمرارية مع نهج إدارة بايدن، التي تعتمد ازدواجية ملحوظة، فهي تؤكد من ناحية على "محورية" الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في برنامج الديمقراطيين، وبين مسايرتها البراغماتية لمتطلبات الحفاظ على المصالح الأمريكية في دول يحكمها مستبدون.
وثمة عنصر إضافي يساهم في تعميق الفجوة الملحوظة في التزام الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية على مستوى عالمي، وتتمثل في تنامي نفوذ كل من الصين وروسيا على حساب الغرب في مناطق عديدة من العالم، حيث تشكل المساعدات الاقتصادية وتجارة السلاح غير المشروطة التي تعتمدها بيكين وموسكو، أداة فعالة لاجتذاب دول عديدة يحكمها مستبدون وتواجهها صعوبات في علاقاتها مع القوى الغربية على خلفية استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمطالب بالإصلاحات الاقتصادية.
وفي محاولة لعدم خسارة مناطق نفوذ في مواجهة المنافسة مع الصين وروسا، يرى محللون، بأن تراجع التزام واشنطن وحلفائها الغربيين بالدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، بات واقعا مؤلما في العلاقات الدولية.