بعد سقوط حليفها الأسد في سوريا.. ليبيا بديلا مناسبا لروسيا؟
٧ يناير ٢٠٢٥كان لموسكو الحليفة للأسد ودمشق منذ أعوام طويلة، ميناء عسكري وقاعدة جوية على الساحل السوري، ما كان يسهّل عملياتها في المتوسط والشرق الأوسط ووسط إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، غير أن إطاحة نظام الأسد بعد ربع قرن في الحكم، عرّضت هذا الحضور للخطر .
وسعى القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع إلى طمأنة روسيا، واصفا إياها بأنّها دولة "مهمّة". وقال "لا نريد أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يهواه البعض".
لكن في ظل عدم وضوح التشكيل السياسي في سوريا الجديدة، باتت موسكو مضطرة لبدء تراجع استراتيجي نحو ليبيا ، حيث ساند المرتزقة الروس المشير خليفة حفتر في شرق البلاد، في مواجهة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا.
ويقول جلال حرشاوي، الباحث في المعهد البريطاني "رويال يونايتد سرفيسز"، لوكالة فرانس برس، إنّ ذلك يهدف "على وجه الخصوص للحفاظ على المهمات الروسية القائمة في إفريقيا "، مضيفا أنّه "رد فعل لحفظ الذات" من جانب موسكو الحريصة على "التخفيف من تآكل موقعها في سوريا".
التواجد العسكري الروسي في ليبيا
في أيار/مايو 2024، كشف اتحاد التحقيقات السويسري All Eyes On Wagner ("كل العيون على فاغنر") الوجود أو الأنشطة الروسية في حوالي عشرة مواقع ليبية، من بينها ميناء طبرق حيث وصلت معدّات عسكرية في شباط/فبراير ونيسان/أبريل.
وكان عديد القوات الروسية في شباط/فبراير 2024 يناهز 800 عنصر، وارتفع الى 1800 في أيار/مايو من العام ذاته.
في 18 كانون الأول/ديسمبر، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية بأنّه تمّ نقل رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية من بينها "اس-300" و"اس-400" من سوريا إلى ليبيا، مستندة في ذلك الى مسؤولين ليبيين وأمريكيين.
وفي هذا الإطار، يؤكد جلال حرشاوي أنّه منذ سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، "تم نقل كمية كبيرة من الموارد العسكرية الروسية إلى ليبيا من بيلاروس وروسيا"، مشيرا في الوقت ذاته إلى إرسال مقاتلين.
خليفة حفتر ـ البديل المناسب للأسد؟
من جانبها، أفادت الاستخبارات الأوكرانية في الثالث من كانون الثاني/يناير بأنّ موسكو تخطّط لـ"استخدام سفينتي الشحن سبارتا وسبارتا 2 لنقل معدات عسكرية وأسلحة".
ويقول الخبير في المجلس الأطلسي في واشنطن عماد الدين بادي إنّ هذا التحوّل لا ينبع من تغيير قسري بسيط للحليف الإقليمي، بل من البحث عن "الاستمرارية"، معتبرا أنّها خطوة "تؤكد أهمية ليبيا باعتبارها... عنصرا في استراتيجية طويلة الأمد".
وإذ يعتبر أنّ "الأسد قدّم لموسكو مرسى على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي ومنصّة لاختبار قدراتها"، يشير إلى أنّ "حفتر يشكّل فرصة مماثلة، لتعطيل المصالح الغربية واستغلال الانقسامات السياسية الليبية".
وأثارت التحرّكات الروسية انزعاج حكومة طرابلس والقوة الاستعمارية السابقة إيطاليا، بينما يراقبها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بقلق.
وأكد وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو أنّ موسكو تنقل "موارد من قاعدتها السورية في طرطوس باتجاه ليبيا".
وتتحدث مصادر عدة عن مساعٍ أمريكية لإقناع خليفة حفتر برفض تمركز الروس بشكل دائم في ميناء طبرق، وهو أمر يسعون إليه منذ العام 2023.
ليبيا ليست كسوريا ـ قوى متعددة على أرض واحدة
لكن الكرملين لن يتمتّع بالأريحية ذاتها التي كانت متوافرة في عهد الأسد. ويقول أولاف لايستنير، المسؤول عن برنامج الساحل في مؤسسة "كونراد أديناور"، إنّ سوريا "كانت ملائمة على الصعيد العملي... كانت صندوقا أسود بدون دبلوماسيين أو صحافيين أجانب. (الروس) فعلوا إجمالا ما أرادوه".
ويضيف "في ليبيا، سيكون الوضع أكثر تعقيدا بكثير. من الصعب الحفاظ على الأسرار هناك كما أنّ الوجود الروسي سيكون أكثر وضوحا".
إضافة إلى ذلك، سيتعيّن على موسكو التعامل مع قوى أخرى، من بينها تركيا حليفة حكومة الوفاق الوطني، ومصر والإمارات راعيتي حفتر. كما ستكون حريصة على عدم تعريض مستقبلها للخطر إذا ساءت الأمور بالنسبة إليها.
وفي هذا السياق، يقول فلاد كليبتشينكو المراسل العسكري لموقع "تسارغراد" المؤيد للكرملين، "يجب عدم تكرار الأخطاء السورية والرهان، بلا خيار بديل، على ديكتاتور محلي".
في ليبيا المنقسمة وتشهد نزاعا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في العام 2011، يحاول كل طرف أن يبقي خياراته مفتوحة مع الآخرين، حسبما يؤكد لايسينغ.
فمنذ عام، تتقرب أنقرة من حفتر عبر مشاريع اقتصادية واجتماعات ذات غايات دبلوماسية. ولكن هذا الأخير الذي اعتاد التقلّبات في المواقف، لن يستطيع أن يدير ظهره للغربيين الذين دعموه سرا انطلاقا من قناعتهم بقدرته على وقف تمدد الإسلام السياسي.
ويقول لايستنير "لذلك، هناك بلا شك حدود لما يمكن لروسيا أن تفعله في ليبيا".
ع.ج.م/ف.ي (أ ف ب)