بايرن ميونخ ورواندا: لماذا كل هذا الجدل حول صفقة الرعاية؟
٤ فبراير ٢٠٢٥أعلنت منظمة الصحة العالمية مطلع الشهر الجاري أن القتال بين قوات الحكومة الكونغولية ومتمردي حركة "إم 23" المدعومين من رواندا في مدينة غوما ذات الأهمية الكبيرة في شرق البلاد أودى بحياة 900 شخص على الأقل، لترتفع بذلك الحصيلة السابقة التي كانت تبلغ 773 قتيلاً.
ومع تفاقم القتال، تعالت دعوات جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى إلغاء اتفاقيات الرعاية بين أندية أوروبية ورواندا ومن بين هذه الاتفاقيات الاتفاقية المبرمة مع نادي بايرن ميونيخ عام 2023.
ما هي الاتفاقية؟
تنفي رواندا دعمها متمردي حركة "إم 23" وتقول إنها اتخذت ما تصفها بالتدابير الدفاعية، لكن الأمم المتحدة دعت هذه الدولة الأفريقية التي عانت من الحرب الأهلية في عدة مناسبات إلى سحب قواتها من الكونغو الديمقراطية وإنهاء دعمها للمتمردين.
وعلى غرار نادي أرسنالالإنجليزي و باريس سان جيرمان الفرنسي، وقع بايرن ميونيخ اتفاقية رعاية مع رواندا قبل عامين.
ويرى النادي البافاري في اتفاقية الشراكة التي تستمر لمدة خمس سنوات بقيمة أكثر من 5 ملايين يورو سنويا صفقة مثالية، وبموجبها يروج بايرن للسياحة في هذا البلد الواقع في وسط أفريقيا تحت شعار "زوروا رواندا".
لكن مع تجدد القتال، دعت وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية، تيريز كايكوامبا فاغنر، الأندية الأوروبية الثلاثة إلى إلغاء الاتفاقيات.
وفي بيان نُشر في الثاني من فبراير/شباط الجاري، قالت الوزيرة إن "الآلاف محاصرون حاليا في مدينة غوما، ولا يمكنهم الحصول على الغذاء والماء والأمن." وأضاف البيان "فُقد عدد لا يحصى من الأرواح واستشرى الاغتصاب والقتل والسرقة... رعايتكم مسؤولة مباشرة عن هذه المأساة."
كيف رد العملاق البافاري؟
وفيما يتعلق برد النادي البافاري، لم يصدر متصدر الدوري الألماني بيانا ولم يرد على استفسارات DW.
لكن لاحقا، خرج الرئيس التنفيذي للنادي البافاري، يان كريستيان دريسن، في تصريح لـDW، قائلا: "نعم، نحن نأخذ المال من رواندا، لكي نقوم بعمل شيء من خلال إرسال مدربين إليها وبناء أكاديمية للشباب معا. وعن طريق ذلك، نرغب في أن نساهم في تطوير رواندا لتشجيع الفرص في أفريقيا باعتبارها أرض الفرص".
يُشار إلى أن اتفاقية الشراكة جرى التوقيع عليها بعد أقل من شهرين من نهاية صفقة مماثلة مع قطر أثارت في حينه جدلا كبيرا داخل الأوساط الألمانية وصلت إلى التسبب فيما يشبه بحالة تصدع بين النادي وعشاقه.
وفي ضوء مواقف قطر خلال استضافتها مونديال كأس العالم 2022من حقوق المثليين وقضايا حقوقية، رأى مسؤولو النادي البافاري أن سياسات الدولة الخليجية لا تتماشى مع القيم المعلنة للنادي.
وبلغ الجدل ذروته خلال انعقاد الجمعية العمومية السنوية لمتصدرالدوري الألماني حيث عمت الفوضى الاجتماع للاحتجاج على صفقة الرعاية القطرية.
ماذا يحصل بايرن في المقابل؟
وإزاء الجدل بشأن اتفاقية الرعاية مع رواندا وقبلها اتفاقية الرعاية القطرية، يتساءل كثيرون من عشاق النادي البافاري عن الفوائد التي تعود عليه من وراء مثل هذه الصفقات.
في البداية، تكون الفائدة هي جني المال رغم أن الأضرار التي تلحق بسمعة النادي قد لا تساوي العائد المالي، بيد أنّ هناك أيضًا هدفا آخر يتمثل في تحسين صورة النادي على الساحة العالمية.
وفي ذلك، قال دريسن عند توقيع الصفقة إن "أفريقيا تعد أرضا واعدة بالفرص. بالنسبة لنادي بايرن، هذه خطوة مهمة في تعزيز حضور النادي عالميا. وفي نهاية المطاف، هذه طريقة لزيادة الدخل التجاري."
أما بالنسبة لرواندا، فإن الهدف المعلن من وراء اتفاقية الرعاية يكمن في "دعم تطوير كرة القدم للشباب والفتيات في رواندا" من خلال أكاديمية بايرن ميونيخ التي تم إنشاؤها في البلاد.
وفي ذلك، قالت وزيرة الرياضة أورور ميموزا مونيانغاجو "ثمة إإمكانيات وفرص أمام الروانديين في مجال كرة القدم وهذه الشراكة توفر منصة رائعة لرواندا للسعي لتحقيق التميز في الرياضة".
بيد أن مراقبين دوليين ينتقدون هذه الاتفاقيات، متهمين رواندا ورئيسها بول كاغامي بالانخراط فيما يُعرف إعلاميا بـ"التبييض أو الغسيل الرياضي"، وهو مصطلح يرمز إلى استخدام الأحداث الرياضية لتغيير وتقديم نظرة عامة لهذا البلد لا تعكس الواقع.
وفي مقابلة مع DW، قالت الكاتبة والصحافية ميكيلا رونغ إن هذه الاتفاقيات "تهدف إلى تحسين صورة رواندا في أعين العالم. رواندا بلد فقير جدا، لكن حكومته قررت إنفاق الأموال لدعم هذه الأندية. لقد وقعت صفقات لاستضافة بطولات العالم للدراجات، وتأمل في استضافة الفورمولا1."
وأضافت أن ذلك "يرمي إلى خلق صورة لهذا البلد الأفريقي وكأنه بلد حديث تقدمي ونظيف وآمن، لكن في الوقت نفسه، يتدخل هذا البلد بقوة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في الجوار، ما ينجم عن ذلك فوضى وما يعني أن رواندا مسؤولة عن حدوث أعمال قتل تزهق أرواح الآلاف".
ماذا بعد؟
يقول مراقبون إن الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتطور بسرعة. فقد دعت فرنسا رواندا إلى "سحب قواتها فورا" من الكونغو، بينما قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إن حركة "إم 23" لم يكن بمقدورها السيطرة على بلدة غوما دون دعم مادي من القوات الرواندية.
وعلى غرار بعض القوى الكبرى، تدرس ألمانيا قضية استمرار تقديم مساعدات إلى رواندا.
بيد أنه من وجهة نظر النادي البافاري، فإن الأمر ما زال يتسم بالغموض. ففي ضوء انخراط عشاق النادي وجماهيره في السياسة الألمانية، فإنه من المحتمل أن يتعرض مسؤولو النادي لضغوط بوتيرة أكبر عن الضغوط التي يتعرض لها باريس سان جيرمان أو أرسنال.
وانطلاقا من التجربة القطرية، فإنه يتعين على مسؤولي بايرن الوقوف على حقيقة مفادها هل تساوي الأضرار التي لحقت بسمعة النادي بسبب هذه الاتفاقية، العائد المادي.
وفي تعليقها، قالت الصحافية رونغ "هذه الأندية غنية وشهيرة وذات مكانة عالية جدًا، لذا لا أعتقد أنها بحاجة إلى جني المال من رواندا، يمكن لهذه الأندية إيجاد رعاة آخرين. أشجعهم على القيام بذلك".
أعده للعربية: محمد فرحان