"انقلاب في الانقلاب".. ما الذي يحدث في مالي؟
٢٥ مايو ٢٠٢١أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر قمة أوروبية الثلاثاء (25 أيار/مايو 2021) أن القادة الأوروبيين "نددوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه"، الأمر الذي يشكل "انقلابا داخل الانقلاب، وهو أمر مرفوض". وأضاف ماكرون خلال مؤتمر صحافي "نحن مستعدون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محددة الهدف" بحق الأطراف المعنيين.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اليوم الثلاثاء أمام الجمعية الوطنية، مجلس النواب، إنه يتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتخاذ إجراء.
واليوم الثلاثاء شجبت بريطانيا الاعتقالات ودعت للإفراج عن المعتقلين فورا. وقال جيمس دادريدج وزير الشؤون الأفريقية في بيان "بريطانيا تدعم عملية التحول إلى الديمقراطية وحكم الدستور في مالي وتشعر بقلق بالغ من أن الأحداث الأخيرة تهدد بتقويض جهود إرساء هذا الحكم في إطار الجدول الزمني المتفق عليه".
وفي وقت سابق اليوم، أعلن قائد الانقلاب الكولونيل أسيمي غويتا تجريد الرئيس ورئيس الوزراء الانتقاليين من صلاحياتهما واتهامهما بمحاولة "تخريب"، في ما يشبه انقلابا ثانيا في تسعة أشهر.
الخلفيات؟
استيقظت مالي الثلاثاء مجددا في أجواء مضطربة في اليوم التالي للاعتقالات. وتسود تكهنات بأن قائدي المرحلة الانتقالية سيُرغمان على الاستقالة، كما حدث في 2012 أو 2020.
ويتوقع أن تسيطر على الأجواء في مالي الغارقة في أزمة معقدة ومتعددة الجوانب منذ سنوات حالة من عدم اليقين والشائعات والأنشطة الدبلوماسية والسياسية، مع ترقب وصول وسيط دول غرب إفريقيا غودلاك جوناثان.
وفيما انتشر أكثر من وسم أعيدت مشاركته لانقلاب جديد في مالي على وسائل التواصل الاجتماعي، نفت بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوسما) تغريدات تنتحل علامتها زعمت تعيين رئيس وزراء جديد.
واعتقل الرئيس ورئيس الوزراء الاثنين بعد ساعات فقط من تشكيل حكومة جديدة إثر استقالة الحكومة السابقة أمام تزايد الاحتجاجات ضدها.
وليس لدى الماليين أدنى شك في أن الضباط الذين نفذوا انقلاب 18 آب/أغسطس 2020 يقفون وراء هذه العملية الجديدة وهم أنفسهم الذين أخذوا تحت الإكراه الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا لإجباره على الاستقالة بعد شهور من التعبئة الشعبية، والذين نصبوا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
تحت قيادة العقيد أسيمي غويتا المعين نائباً للرئيس الانتقالي، احتفظ العسكريون بالسيطرة على السلطة التي تعهدوا، تحت ضغط من المجتمع الدولي، بإعادتها إلى مدنيين منتخبين بعد 18 شهرا، وليس ثلاث سنوات كما كانوا ينوون من قبل.
يبدو أن تركيبة الحكومة التي أعلنت الإثنين لم تكن موضع ترحيب من الضباط رغم أن العسكريين احتفظوا فيها بمناصب رئيسية، مع استثناء شخصيتين من المجلس العسكري السابق من حقيبتي الدفاع والأمن.
شجب واسع
ودانت بعثة الأمم المتحدة في مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والاتحاد الأفريقي وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي "بشدة محاولة استخدام القوة" وطالبت في بيان مشترك "بالإفراج الفوري وغير المشروط" عن القادة الانتقاليين الذين أعربوا عن "دعمهم الثابت" لهم. كما أكدت رفضها مقدما فرض أمر واقع، بما في ذلك الاستقالة القسرية المحتملة للرئيس ورئيس الوزراء.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تغريدة الإثنين إلى "الهدوء" و"الإفراج غير المشروط" عن باه نداو ومختار وان.
كما عبرت الجزائر عن رفضها تغيير الحكومة "بالقوة" في مالي، مجددة دعمها للرئيس الانتقالي باه نداو.
وقال دبلوماسيون إن مجلس الأمن الدولي يمكن أن يعقد اجتماعا طارئا في الأيام المقبلة حول مالي.
وتوجه إلى معسكر كاتي الليلة الماضية وفد من "حركة 5 حزيران/يونيو"، وهي ائتلاف قاد حركة الاحتجاج ضد الرئيس المخلوع إبراهيم بوبكر كيتا في عام 2020 وتم تهميشه من قبل العسكريين.
في منتصف نيسان/أبريل، أعلنت السلطات الانتقالية عن تنظيم استفتاء في 31 تشرين الأول/أكتوبر على تعديل دستوري طال انتظاره، وحددت موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شباط/فبراير - آذار/مارس 2022 على أن تسلم إثرها السلطة إلى قادة مدنيين.
ولكن ما زالت الشكوك قائمة بشأن قدرتها على تنفيذ وعودها، ولا سيما في سياق تجدد الأزمة السياسية ومع استمرار العنف الذي تنفذه حركات إسلامية متطرفة ومجموعات أخرى وفيما تتراكم الأدلة على السخط الاجتماعي. فقد أعلنت المنظمة النقابية الرئيسية للتو عن إضراب جديد هذا الأسبوع.
تشهد مالي التي يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة، وجارتيها النيجر وبوركينا فاسو إلى جانب أعمال العنف التي تنفذها حركات إسلامية متطرفة، نزاعات قبلية وغيرها من المواجهات التي خلفت الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المشردين.
خ.س/ص.ش (أ ف ب، د ب أ، رويترز)