1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

انسجام ألماني فرنسي رغم المسائل الخلافية البسيطة

سمير مطر

بعد لقائة بالمستشارة الالمانية طمأن الرئيس الفرنسي شيراك الرأي العام الاوروبي بعدم حدوث أي تغيير في سياسة بلاده المتعلقة بالأسلحة النووية. ميركل فاجأت بابداء تفهمها لتصريحات الرئيس السابقة رافضة طلب المعارضة في بلادها.

https://p.dw.com/p/7pMJ
جانب من المؤتمر الصحفي بين شيراك وميركلصورة من: AP

سخر الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس الاثنين من مخاوف من تخفيف فرنسا شروط اللجوء لاستخدام السلاح النووي قائلا انه لا يوجد تغيير في السياسة النووية لفرنسا. وكان شيراك قال الاسبوع الماضي ان فرنسا ستكون مستعدة لاستخدام الاسلحة النووية ضد اي دولة تقوم بهجوم ارهابي او تستخدم اسلحة دمار شامل ضدها. وضحك شيراك وابتسم عندما سأله صحفي الماني عن هذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي في اعقاب محادثات مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في فيرساي غربي باريس. وقال شيراك "لم يحدث اي تخفيف في شروط اللجوء لاستخدام السلاح النووي." واضاف "لا يجب ان ينتاب احدا في المانيا على الاقل شعور بالقلق... لن يتم تحت اي ظروف استخدام اسلحة نووية في المعارك."

وقالت ميركل التي كانت تقف الى جانبه "يتعين ان اقول انني تابعت النقاش الذي دار في المانيا بقدر من الدهشة لان ما قاله الرئيس الفرنسي يتفق بالطبع مع المبدأ النووي المعمول به." وقالت "من المهم ان نوضح مرة اخرى ان هذا يتعلق بالردع ولا يوجد ما يدعو للانتقاد في هذا الشأن على الاطلاق." مضيفة انهما ناقشا تصريحات شيراك في اعقاب الضجة التي اثارتها بعض وسائل الاعلام الالمانية. وتصريحات شيراك التي ادلى بها خلال زيارة لقاعدة غواصات نووية الاسبوع

الماضي كانت اوضح تهديد له حتى الان باستخدام السلاح النووي ردا على اي هجوم ارهابي. ويعتقد الخبراء ان الترسانة الفرنسية تتألف من حوالي 300 رأس نووي.

لا لـِ "عسكرة التفكير"

Frank-Walter Steinmeier zu Freilassung von Jürgen Chrobog
وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير مازال يفضل الدبلوماسية الهادئةصورة من: AP

لم يحدد شيراك في تصريحاته الدول التي قد تهدد بلاده وشركاءها أو قد تعتدي عليها، لكنه وصف التهديدات بالجديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة التي استمرت أكثر من أربعين عاماً وانتهت بسقوط جدار برلين في عام 1989، ولذا أعادت تصريحاته الحرب الباردة إلى الذاكرة. من جهته حذر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير من تأجيج النزاع الغربي الإيراني وإمكانية فقدان السيطرة على تطور تداعياته. وقال لقناة التلفزيون الألمانية الأولى إنه يخشى "من عسكرة التفكير"، وذلك في اشارة على ما يبدو الى التهديدات الفرنسية باستخدام الأسلحة النووية. وتابع شتاينماير قائلاً: "يجب علينا التركيز قدر المستطاع على الحلول الدبلوماسية التي لا تزال قائمة." وصرح في نقاش حول احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى إيران: "إننا نحاول جهدنا لمنع حدوث ذلك." ولكن استخدام شيراك للغة التهديد هذه قد تشجع الكثير من الدول على ضرورة امتلاك السلاح النووي كوسيلة ردع مجدية في الدفاع عن أراضيها، وهذا يعني إفساح المجال لسباق نووي جديد بل تطوير وسائل التسلح النووي في العالم وهذا ما لن يصب في مصلحة المجتمع الدولي ولن يساعد على إحلال الأمن والسلام الذي ينادي به الرئيس الفرنسي جاك شيراك ذاته. لا شك أن المتابع للأحداث في السنتين الأخيرتين يجد تناقضا في موقف شيراك المهدد باستخدام القوة ضد دول أخرى الآن بعد رفضه إلى جانب المستشار السابق لألمانيا غيرهارد شرودر الحرب على العراق التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في عام 2003.

ميركل ومستقبل العلاقات الألمانية الفرنسية؟

Angela Merkel bei Jacques Chirac Frankreich
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارتها الاولى الى بارس فيآخر نوفمبر العام الماضيصورة من: AP

بعد أن أصبحت أنجيلا ميركل مستشارة لألمانيا توقع الكثيرون تغيراً في السياسة الخارجية لألمانيا وخاصة تجاه الولايات المتحدة وفرنسا. وقامت ميركل بزيارة سريعة لباريس أشادت فيها بعلاقات الود والصداقة بين فرنسا وألمانيا، ولكنها أكدت في الوقت ذاته على قناعتها بأهمية تطوير علاقات بلادها مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة بعد تعكر هذه العلاقات بسبب موقف شرودر الرافض للحرب على العراق. ولم ترغب ميركل في حينها استخدام وصف "المحور الألماني الفرنسي" الذي استخدمه شيراك، مفضلة استخدام وصف "التعاون الفرنسي الألماني الوثيق"، الأمر الذي اعتبره المراقبون تحولا طفيفا في السياسة الخارجية لبرلين تجاه باريس.

وتواجه ميركل الآن تحديا جديدا من نوعه في إطار توثيق العلاقات مع فرنسا يتمثل في طبيعة احداث نوع من التوازن في العلاقة بين 25 دولة في الاتحاد الاوروبي. وكانت المعارضة قد ألحت على ميركل ضرورة أن تبلغ الرئيس الفرنسي رسالة واضحة حول رفض الحكومة والشعب الألمانيين بشكل لا غبار علية لاستخدام الأسلحة النووية أو حتى لغة التهديد بها. وتحاول المستشارة الألمانية أن تنقل للرئيس الفرنسي موقف الرأي العام الألماني الرافض لاستخدام الحلول العسكرية في حل النزاع مع إيران، ولكنها لم تبد أي معارضة لموقف شيراك. وعلى الرغم من دعم سياسيين من حزب المستشارة، الحزب المسيحي الديمقراطي، لإبقاء لغة التهديد قائمة ضد إيران، الأمر الذي ترفضه بعض الأحزاب المعارضة ومعها قطاع واسع من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، ترفض النخبة السياسية الألمانية بمجملها التهديد باستخدام الأسلحة النووية جملة وتفصيلا. وزير الدفاع الألماني السابق ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي المشارك في الائتلاف الحكومي بيتر شتروك انتقد التهديد باستخدام الأسلحة النووية لأنها "لا تشكل الوسيلة المناسبة في مكافحة الإرهاب، حتى ولو انطلق هذا الإرهاب من دول محددة ومعروفة وليس من جماعات سرية". من جانبه أكد وزير الدفاع الألماني الحالي فرانس يوسف يونغ تأييده طريقة التهديد باستخدام القوة كرادع لبعض الدول، لكنه عبر عن اقتناعه بإمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي في النزاع مع ايران. وأثار موقف وزير الدفاع هذا غضب وزير البيئة السابق وعضو هام في حزب الخضر يورغن تريتين ووصف وزير الدفاع يونغ بانه "يلعب بالنار". أما الحزب الليبرالي المعارض فقد طلب من المستشارة الألمانية الابتعاد عن سياسة شيراك في مكافحة الإرهاب وقال خبير الحزب في الشؤون الخارجية في مقابلة له مع صحيفة برلينر تسايتونغ الألمانية "ننصح المستشارة بإقناع شيراك بعدم قيام فرنسا بسياسة خاصة بها تجاه إيران."

Anti-Kriegs-Demo
احدى المظاهرات المناوئة للحرب على العراق في برلين، مارس 2003صورة من: AP

إذاً لم تكن مع كل ذلك زيارة ميركل لباريس بالسهلة لان المستشارة لا تستطيع من ناحية تعكير علاقة بلادها بفرنسا لما لذلك من تداعيات على الإجماع الأوروبي كاملا وعلى علاقة البلدين بشكل خاص. إلا أن المستشارة ليست زعيمة معارضة أو حزب فقط، وإنما هي مستشارة كل الشعب الألماني وعليها أن تراعي الرأي العام في بلدها، والا فإنها ستعرض الوئام السائد الآن والدعم الشعبي الكبير لسياستها الى الخطر. حالة من الترقب تلقي اذا بظلالها على التطورات السياسية في أوروبا والعالم في الفترات القادمة.