الهروب من جحيم داعش في الموصل بمساعدة البيشمركة!
٣ أغسطس ٢٠١٦خطوط المواجهة الأمامية بين القوات الكردية ـ البيشمركة ـ مع داعش بمحافظة نينوى تمر بمنطقة بعشيقة وتجعل منها نقطة عبور للكثير من الفارين من جحيم تنظيم "الدولة الإسلامية". بعشيقة تشهد مرور قرابة 400 شخص أسبوعيا من الذين تمكنوا من الفرار والنجاة بأنفسهم وعائلاتهم بمساعدة البيشمركة الكردية، كما يؤكد ذلك مسؤول القوات الكردية في المنطقة بهرام عريف حسين في حديث معDW. ومعظم الفارين ينحدرون من مناطق مختلفة قريبة من مدينة الموصل، عاصمة المحافظة، أو من المدينة نفسها، إذ تشكل بعشيقة اقرب نقطة للوصول إلى طريق الأمان، كما يشير إلى ذلك المسؤول الكردي.
لكن المسؤول يشير في نفس الوقت إلى الصعوبات التي تواجه القوات الكردية في التعامل مع الفارين وذلك بسبب مخاطر تسلل مقاتلي التنظيم المتشدد إلى صفوفهم، حسب حديث المسؤول العسكري والذي يضيف "هنا نعيش معركة حقيقية ومواجهة مباشرة، فتنظيم الدولة الإسلامية أرسل العديد من الانتحاريين والسيارات المليئة بالمتفجرات بغرض استهداف البيشمركة الكردية، ما يفرض على الأكراد عملية تفتيش دقيقة للقادمين والتأكد من هوياتهم". في نفس الوقت يشير المتحدث إلى أن معنويات تنظيم داعش هبطت إلى مستوى متدن، " فهم ليسوا اقويا كما كانوا من قبل"، حسب قول بهرام عريف حسين.
من جانبه يقول المواطن قصي صباح الذي تمكن من الهرب بصحبة زوجته وأطفاله الأربعة من قرية تيليارا ليستقر في مخيم اللاجئين في بردراش "أصبح عدد المقاتلين المدربين لدى تنظيم الدولة الإسلامية اقل من أي وقت مضى، بعد أن كلفته المعارك الأخيرة خسائر كبيرة، ولذلك عمد التنظيم إلى سحب مقاتليه من القرى صوب جبهات القتال. و كنتيجة لهذا لم يعد لداعش وجود كبير في الموصل". قصي تمكن من الفرار بمساعدة أخيه الذي استقر هو الأخر في المخيم منذ 15 شهرا. الأخير قام بإبلاغ قوات البيشمركة بنية أخيه قصي للهروب من القرية الواقعة تحت سيطرة داعش وذلك ليلة قبل موعد الهروب، حيث كانت القوات الكردية على علم بالعملية وقدمت المساعدات اللازمة.
هروب خطر
عن قصة هروبه يستطرد قصي في حديثه لـDW"غادرنا منزلنا إلى مبنى غير مكتمل بصحبة خمس عائلات، ومكثنا في بلدة قريبة من جبال بعشيقة لساعات عديدة منتظرين اتصالا من قوات البيشمركة، وعندما حل الظلام اتصلوا بنا لكي يطمئنوننا قائلين: نحن نراقب المكان بالمنظار وهو آمن الآن بإمكانكم المجيء... وبعدها مشينا سيرا على الأقدام لأربع ساعات في الظلام".
و يتابع قصي الحديث "علمنا بان الطرق في البلدة كانت خالية من الألغام، لكن ورغم ذلك راودتنا مخاوف بشان المنطقة الواقعة بين بلدة فتحيلة والجبال. لكن مقاتلي البيشمركة ساعدونا عبر إنارة الطريق لنا بمصابيح يدوية، ورغم الهلع والخوف وضعنا ثقتنا في البيشمركة واتبعنا خطاهم لكونهم يعرفون الطرق الآمنة، ولكن لو حدث ووقعنا في قبضة داعش، فحتما كانوا سيقتلوننا"، كما يقول قصي صباح.
مع اقتراب معركة الموصل، أصبح إخلاء البلدات جزءا من الإستراتيجية العسكرية، ففي المجموع، بات إقليم كردستان العراق يحتضن مليوني لاجئ ونازح. ومن المتوقع أن تسفر معركة الموصل على نزوح ما يقارب 500.00 ألف إلى مليون نازح ولاجئ. وعندما سألنا بهرام عن الدافع الذي يقف وراء مساعدة البيشمركة للعائلات للفرار من تنظيم الدولة أجاب ببساطة ''كانت الطريق خطرة، إنها أشبه بطريق الموت، وساعدناهم لأنهم يستحقون المساعدة".
الفقر والمجاعة
يقول القائد العسكري بهرام بإن اغلب البلدات عاشت بدون مداخيل وعائدات لشهور عديدة، ويضيف "صرح لنا البعض بأنهم اقتاتوا على الطماطم طيلة 3 أشهر. و بسبب الفقر، باتت داعش تخسر مواقعها، لكن هذا لا ينفي أن هذا التنظيم ما يزال يمتلك القوة لخوض المعارك وقتل الأبرياء". فصباح الذي ينتمي إلى أقلية الشبك، يقول بأنه آثر الجلوس في بلدته على الهرب بسبب كبر سن أبيه. ويستطرد في الحديث بالقول، ''كان أبي يعاني من أزمة قلبية، ولم يستطع صعود التلال ولكنه طلب مني الهروب، لأن بقائي يعني أن أموت على يد داعش". قصي صباح ترك الآن والديه اللذين يبلغان من العمر 70 عاما في القرية دون وجود من يهتم بهما.
أما عبد العزيز يونس، الذي هرب من قرية خورزيباد بصحبة زوجتيه وأبنائه الأربعة، مع عائلة أخرى تتكون من الأب والأم وأربعة أطفال، يقول أيضا بان والديه كان هما سبب بقائه ويضيف يونس قائلا " كنا خائفين للغاية ، فعندما يكتشف داعش هروب احدهم، فقد يشددون إجراءاتهم التعسفية لستة أشهر".
أموات أحياء
يصف عبد العزيز يونس العيش تحت سيطرة تنظيم الدولة بأنه حياة في مقبرة، ويضيف لـDW قائلا "بدون طعام أو ماء وكهرباء... أحسسنا بأننا أموات أحياء، كنا نشاهد أطفالنا يموتون جوعا، وفضلنا أن نموت فورا على يد داعش ونحن نحاول الهرب، على أن نقضي ببطء تحت وطأة الجوع...لأننا ميتون في كل الأحوال".
اما مسؤول قوات البيشمركة بهرام عريف حسين فيصرح بأن "طريق الهرب خطرة للغالية بسبب كثرة الألغام، وكذلك لكون داعش تفتح النار على اللاجئين في الخطوط الأمامية، وفي حالة حدوث ذلك فإن قوات البيشمركة ترد بإطلاق قذائف الهاون على مواقع التنظيم، وذلك من أجل ضمان الحماية للاجئين".
وحدثت مثل هذه المواجهات في إحدى المرات، حين أقدمت لورا هانسن وهي شابة هولندية، على المرور في اتجاه الخطوط الأمامية رفقة أبنائها، وزوجها الذي أصيب بالرصاص، وحينها صرخت تطالب قوات البيشمركة أن يتركوه، حيث عاد الرجل الجريح إلى خطوط داعش. ويقول القائد العسكري الكردي إن الزوجة الفارة أبلغته بأن زوجها رجل سيء وداعشي أسوء. ولم تسمع عنه عائلته بهولندا منذ ذلك الحين أي أخبار، أما الزوجة فهي الآن محتجزة لدى السلطات الكردية، حيث تخضع لاستجواب بشأن دورها في ما يسمى "بدولة الخلافة".
وبشأن المتسللين إلى صفوف الفارين من مقاتلي داعش يقول المسؤول العسكري الكردي إن بسبب ذلك يتم تفتيش الرجال والأطفال فقط. ويضيف قائلا: "عندما نرى عائلة قادمة نحو قواتنا، فنحن نمد لهم يد المساعدة، وعندما تكون عائلة ما بعيدة عن جبهات القتال، فنقوم بتفتيشهم بحثا عن المتفجرات".
ويضيف بهرام:" الرجال والأطفال يتم تفتيشهم دائما، وهذا لا يخلق مشاكل، غير أننا لا نقوم بتفتيش النساء، فنحن نكن لهن احتراما كبيرا". ومن المعروف أن داعش استغل هذا الأمر بدس مقاتليه متنكرين بزي للنساء. ويقر المسؤول العسكري بأن الأمر يشكل مشكلة كبيرة، غير أن البيشمركة توصلوا لحل وسط، فكل امرأة تعرف عليها المقاتلون الأكراد، لا يشكل استقبالها مشكلة.