"المقلد" و"المهرّب" .. حلول لعلاج نقص الأدوية في ليبيا
٢١ يناير ٢٠١٢تعاني ليبيا ما بعد الثورة مؤخراً من نقص في الأدوية، الذي يحاول القطاع العام والخاص والجمعيات الأهلية توفيره، خاصة في المناطق الأكثر تضرراً. وبسبب قلة السيولة المالية لدى وزارة الصحة في البداية، شهدت أسعار الأدوية ارتفاعاً ملحوظاً. وفي ظل حدود غير آمنة وغير دائمة العمل، ومخزون يتناقص بشكل متسارع نتيجة ظروف الحرب، بدأت الأدوية المهرّبة والمزيفة بالانتشار، حيث وجدت لها سوقاً رائجة بين أصحاب الصيدليات والمحتاجين للأدوية ممن يعانون من أمراض مزمنة.
والأمر الذي ساهم أيضاً في انتشار هذه الأدوية تلف بعض المخزون بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، تستمر لأيام في بعض الأحيان، إضافة إلى وجود مصانع للأدوية في الدول المجاورة، ودخول بعض من ليس له خبرة باستيراد الأدوية السوق بغرض إحراز أرباح سريعة. هذا كله جعل من ليبيا سوقاً للدواء من كل أنحاء العالم، بغض النظر عن الجودة والفعالية العلاجية.
الحكومة تستطيع وقف التهريب
وفي حديثه مع دويتشه فيله، يقول الصيدلاني عماد الرطيب، الذي يعمل في البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء بالعاصمة طرابلس، وعضو لجنة تسيير نقابة الصيادلة بطرابلس، إن على القطاع الحكومي توفير الدواء عن طريق جهاز الإمداد الطبي، المنشغل منذ انتهاء الثورة بإجراء جرد سنوي يستغرق شهرين. ويشير الرطيب إلى أن طلبات الأدوية السابقة لم تتوفر نتيجة لقلة كمية الأدوية الموجودة في المخازن، باستثناء الأدوية التخصصية، فمخزونها في المستشفى المركزي ممتاز.
ويتابع الصيدلي الليبي بالقول إن "أدوية السكر والقلب والضغط والأورام توجد بها نواقص، مما يؤدي إلى لجوء المواطن للصيدليات الخاصة، التي تحصل على هذه الأدوية عن طريق التهريب. في الفترة الماضية لم يتم فتح أي اعتمادات المصرفية لاستيراد الأدوية. هذا عزز من تهريب الأدوية ورفع أسعارها كنتيجة لذلك".
وعلاوة على رفع أسعار الأدوية بشكل عام، فإن الأدوية المهربة لا تخضع لأي رقابة على طريقة الإنتاج أو التخزين، مما يعرض حياة من يتناولها إلى الخطر، بدلاً من أن تعود عليه بالمنفعة، بحسب عماد الرطيب، الذي يطالب بتفعيل وإنشاء قناة موحدة للرقابة على الأدوية، وبتدخل نقابة الصيادلة للتحكم في توحيد أسعار الأدوية على مستوى ليبيا. كما يشدد على ضرورة أن يقوم جهاز الإمداد الطبي الحكومي بمهمة استيراد أدوية الأمراض المزمنة.
حلقة الوصل بين الشركات الموردة والصيدليات مفقودة
وفي ذات السياق رضوان النعماني، صاحب صيدلية في العاصمة طرابلس ومفتش طبي، على أن "المشكلة تكمن في قنوات استيراد الأدوية، فجهاز الإمداد الطبي الحكومي يستورد الأدوية التخصصية لعلاج الأمراض المستعصية مثل السرطان، إضافة إلى اللقاحات بأنواعها، للمستشفيات الحكومية. أما الشركات الخاصة فهي تورد للقطاع العام متى طلب منها ذلك، من خلال عطاءات أو تكليفات مباشرة".
وبخصوص تهريب الأدوية في ليبيا، يرى النعماني أن عدم قدرة الشركات ذات التوكيلات الدوائية على تغطية السوق الليبي على مدار السنة يدفعها إلى الاعتماد على التهريب عن طريق البر من الدول المجاورة. ويورد رضوان النعماني حبوب منع الحمل كأبرز مثال على الأدوية التي يتم تهريبها، فثمنها الرخيص في دول الجوار بسبب دعمها حكومياً أو بفعل عوامل اقتصادية يدفع الشركات الليبية لجلبها عن طريق التهريب. ومن بين الأسباب التي تدفع الشركات لتهريب بعض أنواع الأدوية، بحسب المفتش الصحي الليبي، الظروف السياسية أو عدم رغبة الشركة المصنعة بالتسجيل في ليبيا، على سبيل المثال.
ويقترح الصيدلي رضوان النعماني "دعم الأدوية من قبل الحكومة لخفض أسعارها، بالإضافة إلى تفعيل نظام تأمين صحي شامل يغطي تكاليف الأدوية، وبهذا يتم النظر إلى جودة الدواء بدلاً من سعره"، مشيراً إلى ضرورة "تحسين دور الرقابة على الأدوية، وإنشاء قاعدة بيانات حكومية للأدوية المسجلة ومواصفاتها، دون الاعتماد بشكل كليّ على تسجيل شركات تصنيع الدواء".
القطاع الخاص وعلاج المشكلة
أما الصيدلي علي التاجوري، الذي يعمل في الضواحي الشرقية من العاصمة الليبية، فيرى أن مشكلة الدواء تكمن في تهريبه من خارج ليبيا، بالإضافة إلى الفوضى التي تعم شركات استيراد الدواء، إذ يتم توزيع الدواء من قبل بعض الشركات في سيارات غير مجهزة لتوزيع الأدوية، مما يعرضها للتلف. كما يحمل التاجوري ارتفاع سعر العملة الأجنبية جانباً من المسؤولية في ارتفاع أسعار الأدوية، مضيفاً أنه خلال "عهد (العقيد معمر) القذافي كانت الرقابة تقوم بمتابعة الصيدليات للقضاء على الدواء المهرب، فكانت الصيدليات هي من تعاقب، وليس الجمارك أو المهربين"، مضيفاً أن "مصروفات لجان التفتيش على مصانع الأدوية في الخارج تكون على حساب الوكيل، مما يفقدها المصداقية في عملها".
وبالإضافة إلى كل هذه الأسباب، فإن ليبيا كانت تستورد أدوية من دول ليست معروفة بإنتاج الأدوية، أو الدول التي تفتقر إلى الخبرة اللازمة، مثل سوريا وصربيا والهند. كما تثير بعض مصانع الأدوية في مصر القلق أيضاً، خاصة أن ليبيا تفتقر حالياً إلى أي لجان ضابطة أو رقابية تتابع الصيدليات وعملية استيراد الأدوية.
عصام الزبير – طرابلس
مراجعة: ياسر أبو معيلق