المثليون جنسيا في لبنان، شبكة اجتماعية واسعة تبحث عن القبول
٢٨ مايو ٢٠١٢عندما يريد أن ينعت رجل لبناني آخر بالضعف أو بقلة الرجولة يصفه بالشاذ إشارةً إلى المثليين الجنسيين. إنها إحدى ثوابت المجتمع اللبناني أن يكون الرجل "رجلاً" ولا يتعاطف أبداً مع شخص آخر من الجنس نفسه ففي ذلك تدمير لصورة الذكر اللبناني. لكن المثليين جنسيا في لبنان ورغم رفض المجتمع لهم، باتوا يشكلون شبكة اجتماعية لا يمكن تجاهلها وأصبحوا يشكّلون الجماعات التي تهدف إلى حماية حقوقهم القانونية كما تعدّى وجودهم الفضاء الافتراضي على الانترنت وقد أصبح لهم مقاصد خاصة من نوادٍ ومقارٍ ومقاهٍ وغيرها. فهل أصبحت ظاهرة المثليين في لبنان أكثر قبولاً وعلانيةً في الأوساط الاجتماعية؟
تناقض في رد الفعل
"رمزي" شاب مثليّ جنسيا تحدثنا معه عن توجهه هذا فيشرح أنه مرتاح وليس لديه شيء ليخبئه؛ فهو إن كان في الجامعة أو العمل يرى أن التعامل مع الناس سهل لأنه أعلن عن ميوله الجنسية للجميع. ويتابع: "في البيت أيضاً أهلي يعلمون. ربما مظهري الخارجي يساعدني في تقبّل الناس لي، فلا أبدو "مخنّثاً" أو ناعم الشكل لأجتذب رد الفعل الاستفزازري الذي ينم عن أحكام مسبقة وإن أسرّيت لأحدهم عن ميولي الجنسية فقد يتفاجأ بعض الشيء."
لكنه في المقابل يشير أنه في الحيّ الذي يقطن فيه بوسط بيروت تعرض للاستفزاز والكلام المزعج بعد معرفة السكان بمثليته، ويعود ذلك برأيه إلى أن عقلية جيرانه "رجعية" لأن الخلفية الاجتماعية الموجودة "غير لبنانية". ويعلّق: "أنا لا أبالي بكلامهم ولا يهمني رأيهم. أصدقائي تفاجأوا بمثليتي وقد قاطعني بعضهم لأسباب عدة منها دينية أو اجتماعية لكن في المقابل جاءني دعم من أشخاص آخرين."
ومن جهته يلفت جمال: "الأمر هذا لا يعني الآخرين أبداً، ولا يعنيهم من يكون معي في الفراش أو من أتخذ كشريك أو حبيب. فالتعامل يكون على أساس الاحترام المتبادل والأخلاقيات. لقد هدّدني بعض المقربين بالضرب عندما واجهتهم بميولي الجنسي لكنه عاد واعتذر بعض أشهر قليلة وأصبح أكثر تقبلاً للأمر."
شبكة اجتماعية واسعة
ويشرح يحيى أن الأمور لم تعد مخفية كما ذي قبل، بل أصبح للمثليين أماكن خاصة بهم وبعتبرون حياة الليل المساحة الأكبر لشبكتهم الاجتماعية. "يلتقي المثليون من كافة أطيافهم في الحانات التي يكون أصحابها مثليون أيضاً أو تعتبر مقاصد "صديقة للمثليين". وهذه الأماكن على ازدياد وعدد القاصدين من جماعات المثليين قد يبلغ بين 2000 و3000 شخص على أقل تقدير. ربما ننظم أنشطتنا على الانترنت لكنها لا تنحصر بالتواصل على الشبكة بل أصبح لدينا ملتقيات وجمعيات تساعد على حماية حقوق المثليين."
وفي هذا المجال، تعنى جمعية "حلم" بحماية حقوق المثليين الانسانية في لبنان منذ العام 2003، ويقول جورج قزّي المتحدث باسم الجمعية: "نعمل على استعادة الحقوق القانونية ومساعدة المثليين الذين يتعرضون للعنف الجسدي أو الكلامي على خلفية ميولهم الجنسية إذ ما زال القانون اللبناني لا يعترف بحقوق هذه الجماعة." ويتابع قزّي أن عمل الجمعية ساهم - خاصة في المدن الكبرى- على الحد من رفض للمثليين وتسجيل حوادث عنف ضدهم أقل. ويرى أن المجتمع الذكوري في لبنان يعنّف الرجل المثلي وليس المرأة المثلية التي يُنظر إليها كـ"وسيلة جنسية" يستخفون بها. وقال قزّي أن جمعية "حلم" تقوم بعمل توعوي في الجامعات وتسعى مع الشرطة من خلال الندوات أو المنشورات لفهم أفضل للمثليين وحقوقهم.
ظاهرة المثليين أصبحت أكثر علانية
من جانبه يشير المستشار الاجتماعي كرم بوكرم أن الثقافة السائدة أصلاً ضد المثلية لكن الظاهرة أصبحت أكثر علانية. ويوضح الخبير الاجتماعي: "الوجود المثلي ليس مرتبطاً بثقافة معينة. علمياً، هناك عوامل ضاغطة في المجتمع تسهم في تكوين الشخصية المثلية كالتعنيف في العائلة من قبل الأب وبعض التعقيدات التربوية مما يظهّر هذا الميول الأنثوي لدى الرجل الذي يتبيّن بعد الدراسة أن صورة الأنثى مشوّهة في ذهنه وقد تميل أكثر إلى الذكورية". وبرأي الخبير الاجتماعي فإنه "يمكن أن نعمل على ترميم هذه الصورة للتخفيف من حديّة الفكر المثلي لكن وجود المثليين لا يمكن إلغاؤه ووجودهم طبيعي في المجتمعات".
ولاحظ بوكرم أن الرجال المثليون "اصبحوا أكثر علانية في إفصاحهم عن ميولهم لكن النساء المثليات كان لهن أصلاً هامش حرية أكبر في التعبير عن عواطفهن لمثيلاتهن خاصة في الجامعات والمدارس وأعدادهن توازي عدد الذكور المثليين."
المثليُون مرفوضون من قبل رجال الدين
يبيّن الأب ياغي أن موقف الكنيسة من المثليين هو في التقرّب من هؤلاء الشباب الذين يتصرفون بطريقة "منافية للأخلاق والمسيحية والبحث في الأسباب التي قد تكون حادثا تعرض له الشاب أو الفتاة من التوجه المثلي أو من خلال معاشرة الشواذ أو وضعهم العائلي والتفكك الأسري". وحسب رأي الأب ياغي: "يساهم الإعلام سلبياً في نشر هذه الثقافة التي يسمونها الحرية الإعلامية ومن هنا يأتي دور الدين في الإصغاء للذين شذوا عن الطريق وجذبهم إلى الصلاة ولا بأس إذا توخوا المعالجة النفسية."
أما الشيخ الحاج حسن فيقول أن الدين الإسلامي "لا يقبل أبداً أعمالاً لا تتفق مع الفطرة والطبيعة ويعتبر أن هناك استحالة بناء عالم يشكل نواته شخصين من الجنس نفسه". ويرى رجل الدين الاسلامي أن "الشذوذ يعتبر من الكبائر ويستلزم الارتداد والتوبة عنه وإلا فهو خروج واضح عن تعاليم الدين والاسلام من أساسه".
شربل طانويس - بيروت
مراجعة: منصف السليمي