1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اللغات الأجنبية تتفوق على العربية في لبنان

٥ فبراير ٢٠١٢

يتجه العديد من الأهل في لبنان إلى تعليم أطفالهم لغات أجنبية منذ شهورهم الأولى، ظنا منهم أن ذلك يساعد في اكتساب الطفل تلقائيا وبالفطرة لهذه اللغات.

https://p.dw.com/p/13uC8
هل توقفت اللغة العربية عن النمو؟صورة من: DW/Dareen Al Omari

اللغة العربية لم تعد خيارا مطروحا، في ظل مجتمع لبناني متعدد اللغات والثقافات. ويجد البعض أنهم كلما أبكروا في تعليم أطفالهم لغات أجنبية كلما ساهموا في تطور نموه الفكري وقدرة التركيز لديه. في المقابل، يجد البعض أن اللغة الأم هي مكون حضاري وقيم للهوية الإنسانية فيلتزمون بها في السنوات الأولى من عمر الطفل متجاهلين اللغات الأجنبية الأخرى خوفا من أن تسبب أي تاثيرات سلبية على الطفل وصعوبات تعلميه.

أمهات لبنان يفضلن الأجنبية على العربية

Fremdsprachen in Libanon
هل اللغة العربية صديقة للأطفال؟صورة من: DW/Dareen Al Omari

يفاخر اللبناني باتقانه لثلاث لغات على الأقل، العربية لغته الأم إلى جانب اللغتين الإنكليزية والفرنسية. وعادة ما تثير كلمة لبناني جملة تتكون من ثلاث لغات تطرأ على البال على سبيل الدعابة "هاي كيفك سافا"."مامي..دادي" (ماما..بابا) كلمات ترددها رنين، الطفلة التي لم تبلغ عامها الأول، تحمر وجنتاها انتصارا لكلمتيها الأولتين. فقد باتت قادرة على النطق بشكل صحيح. لكن كيف تعلمت رنين ترداد هاتين الكلمتين بالإنكليزية؟

لا تجد أمها الأمر مستهجنا، "هذا شيء طبيعي" فهي تحدثها بالإنكليزية منذ أن كانت جنينا في رحمها، كانت تخبرها كم تحبها وتغني لها أغان بالإنكليزية. "ولدت الإنكليزية معها بالفطرة" تقول الأم فخورة بطفلتها. يساعد رنين في ذلك تمكن أهلها من اللغة بعدما أنهيا دراستهما في بريطانيا، إلى جانب تواصلهما بها في المنزل. "برافو غود غيرل" (أحسنت فتاة جيدة) تهنئ الأم طفلتها بكلماتها الأولى. لكن، ماذا عن العربية؟ تجيب الوالدة أن العربية ستتعلمها طفلتها لاحقا، لكن الأهم هو تعليمها لغة عالمية تشكل "بطاقة ذهبية لدخول أفضل المدارس الأجنبية ومن ثم إكمال دراستها في الخارج". تريد لطفلتها أن تتقن اللغة الأجنبية، ولا ضير في أن تكون ضعيفة في لغتها الأم، أي العربية، لأنها لن تفيدها في المستقبل. هذه قناعتها الراسخة. وبما أنها ترى أن مستقبل طفلتها سيكون في أي بلد أجنبي خارج لبنان كما غيرها من أبناء جيلها، تتساءل والدة رنين "ما حاجتها إلى اللغة العربية إذا؟".

بعد أشهر قليلة، يكمل جاد سنواته الثلاث، وهو يتقن الفرنسية بشكل جيد إذ أن والدته تحمل الجنسية الفرنسية وجدته لأمه هي فرنسية الأصل. تقول أمه إن التواصل معه يتم عبر اللغة الفرنسية لأنها تتقنها أفضل من العربية، فيما يتحدث الصبي مع والده بالعربية. وجاد كغيره من الأطفال اللذين يتعلمون لغتين منذ طفولتهما، يعرف أين ومتى يستخدم كل لغة على حدة. فتعطي أمه مثالا على ذلك "عندما يتحدث مع جدته في فرنسا يكلمها بالفرنسية، بينما يكلم جديه لوالده في لبنان بالعربية". وهو اجتاز بمهارة امتحان الدخول بالفرنسية والعربية لإحدى أفضل المدارس في لبنان. لكن ليس جميع الأهل يتقنون لغات أجنبية، وهم يفضلون التواصل مع أطفالهم باللغة العربية على أن يستعينوا بمصدر تربوي خارجي لمساعدة أطفالهم على اتقان لغة أجنبية منذ صغرهم. هذا ما حدث مع فاتن وهي والدة لثلاثة أطفال، تقول إنها على الرغم من عدم اتقانها وزوجها لأي من الإنكليزية أو الفرنسية بشكل جيد، إلا أنها ما أن بلغ أطفالها عامهم الأول حتى وضعتهم في إحدى دور الحضانة في لبنان المتميزة بتعليم الأطفال اللغتين الإنكليزية والفرنسية تحضيرا لدخولهم إلى المدرسة. وتقول فاتن "وقفت اللغة منذ صغري حاجزا أمامي للتطور، ولا أريد هذا المستقبل لأولادي".

العربية ليست لغة "صديقة" للأطفال

Fremdsprachen in Libanon
الاهتمام بتعلم اللغات الاجنبية ما بين المزايا والعيوبصورة من: DW/Dareen Al Omari

تقول الاختصاصية التربوية ميسون شهاب إن "اللغة العربية لم تعد خيارا وحيدا أمام الأهل في مجتمع تعددي وغني بالثقافات مثل لبنان". وترى شهاب أن تعلم الطفل لغات جديدة هو جزء لا يتجزأ من الحراك الإجتماعي، وتشير إلى أن التقيد بلغة واحدة في المنزل مثل العربية ستحرم الطفل من ميزات عديدة سيفرضها عليه المجتمع فيما بعد.

وتعتبر شهاب أن تعلم الطفل أكثر من لغة ليس من شأنه التسبب في أي تاثيرات سلبية أو إزدواجية في التعبير وصعوبات تعلمية، مستندة إلى دراسات عالمية عديدة أثبتت دحض هذه التأثيرات. وتشير هذه الدراسات بحسب شهاب إلى أن الطفل كلما أبكر في تعلم لغات جديدة ساهم ذلك باتقانه لهذه اللغات بشكل أسرع بسبب مرونة الخلايا الدماغية وقابليتها لإكتساب وتخزين كمية كبيرة من المعلومات. كما يؤدي ذلك إلى تطور النمو الفكري وقدرة التركيز لدى الطفل. وإذ تعتبر شهاب أن تعلم الطفل للغات جديدة ليس أمرا سهلا، حيث أن لكل لغة قواعدها وقوانينها المختلفة عن الأخرى، وتؤكد أن مهارات الطفل الذي يتعلم أكثر من لغة عادة ما تكون أقوى وأفضل من مهارات طفل يتعلم لغة واحدة.

وتكمن المشكلة الوحيدة بحسب شهاب ليس في تعلم الأطفال في لبنان للغات جديدة، بل في كيفية تعاطي الأهل والتربويين مع الأمر. ففي كثير من الأحيان، يتم التواصل مع الطفل باستخدام أكثر من لغة في جملة واحدة مما قد يسبب ضياعا ومشكلة في التعبير لدى الطفل، فيما في أحيان أخرى يتم معاقبة الأطفال لإستخدامهم العربية مثلا وليس الأجنبية مما قد يشكل مشكلة عاطفية لدى الطفل وردة فعل عكسية تجاه اللغة الأم.

وإذ يرى بعض اللبنانيين أن اللغة الأم هي الأساس في التربية والتواصل مع الطفل منذ تكوينه، تعتبر شهاب أن اللغة العربية لا تعتبر "صديقة" للأطفال بسبب عدم محاكاتها لإحتياجات الطفل العصرية. فالأطفال عادة ما يتأثرون ويتفاعلون مع حاضرهم من خلال الألعاب الإفتراضية والإنترنت وشبكة المعلومات المتوفرة بلغات أجنبية، مما يجعل العربية تبدو كأنها خارج سياق الزمن.

وتطالب شهاب بضرورة أن تكون اللغة العربية المستخدمة في قصص الأطفال سلسة ومرنة إضافة إلى محاكاة المضمون لمخيلة الأطفال في عصرنا الحالي وضرورة الإبداع في الرسومات لتشجيع الطفل على القراءة واتقان اللغة الأم.

في المقابل، هناك من يجد أن اللغة الأم هي الوسيلة الأفضل للتواصل مع الأطفال. وتقول رانيا وهي والدة لطفل لم يتعدى بعد عامه الأول، أنها على الرغم من اتقانها للغتين الإنكليزية والفرنسية فهي ترتاح بالتواصل مع طفلها بلغتها الأصلية. وترفض رانيا التواصل مع أطفالها بلغة أجنبية وتقول "أنا فخورة بلغتي العربية وجل ما أريده أن يشعر طفلي بالعفوية والتلقائية في تعبيره عن نفسه بلغته الأم".

"لا نهضة لأي مجتمع إلا بلغته الأم"

في هذا الصدد، يقول الباحث الأكاديمي ومؤلف كتاب "الشباب ولغة العصر.. دراسة لسانية اجتماعية" نادر سراج أن لا نهضة لأي مجتمع إلا بلغته الأم. ويرى أن "ثمة اشكالية حقيقية ذات مظهر سلوكي لغوي علينا ان نعترف بوجودها حيث يتجه المجتمع اللبناني إلى التقلد بالغرب في اللغة والسلوك والمظاهر والممارسات".

ويعتبر سراج أن تركيز الأهل على إعطاء أفضلية لغوية وقيمية للغات الأجنبية على حساب اللغة الأم، يتسبب بمشكلة تعبيرية لغوية لدى الجيل الشاب.

وإذ يرى سراج أن اللغة الأم هي مكون حضاري وقيم للهوية الإنسانية، يشير إلى أن اتجاه الأهل لتعليم أطفالهم اللغات الأجنبية، بحجة دخولهم إلى سوق العمل الدولي والمواطنة العالمية، يعتبر مفهوما خاطئا ومشكلة ثقافية ذات وجه لغوي وعمق تربوي وانتمائي.

ويختم سراج "ما أخشى منه أن تتحول اللغة العربية الى مجرد مادة تعليمية، يسعى الطلاب الى معرفة ما تيسر منها لاجتياز الامتحان. فتنتهي علاقة الطالب باللغة العربية بانتهاء ارتباطه بالمدرسة أو الجامعة".

دارين العمري-بيروت

مراجعة: هبة الله إسماعيل

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد