القمة السورية في إسطنبول.. ألمانيا بين مصالحها ومساهمتها!
٢٦ أكتوبر ٢٠١٨كان أحمد طاهر مصطفى ذو حظ كبير، فبعد يوم واحد من خطفه من قبل عصابة إجرامية أواسط تشرين أول/ أكتوبر الجاري بالقرب من عفرين بشمال سوريا، تمكنت قوة مدنية من تحريره. عاد أحمد البالغ من العمر 9 أعوام إلى أهله سالما جسديا. لكن حادث خطف الطفل أحمد يسلط الضوء على الوضع الأمني الهش بشمال سوريا. وما يثير القلق بشكل كبير هو أن العصابة الخاطفة كانت تتألف من جنود سابقين أعضاء في منظمة "الجيش السوري الحر"، كما ذكر الموقع الإلكتروني المعني بالسياسة في الشرق الأوسط "المونيتور"، والذي لم يذكر مصدر معلوماته.
وحقيقة أن بعض الجنود السابقين في الجيش السوري الحر، الذين كانوا في مقدمة المنتفضين ضد نظام الأسد في السنوات الأولى للثورة السورية وباسم الدفاع عن الحرية، قد تحولوا إلى جماعة إجرامية، تعكس حجم المؤثرات السلبية للحرب على مدى ثمانية أعوام على القيم الأخلاقية وأهداف الانتفاضة. فقد غيرت الحرب الكثير في شخصيات بعض المنتمين للجيش السوري الحر، فيما لا يجوز تجاهل حقيقة أن من قام بتحرير الطفل أحمد كانوا أعضاء بالجيش السوري الحر.
قلق بشأن الأمن والاستقرار
بيد أن الوضع الأمني الهش لا ينحصر بشمال سوريا فحسب، ففي أجزاء أخرى من سوريا لا يبدو الوضع أفضل. وما يثير القلق بشكل خاص هو الوضع في منطقة إدلب، التي تسيطر عليها الجماعات الجهادية. فالحكومة السورية وبدعم من حلفائها الروس والإيرانيين يفكرون في عملية لاقتحام المنطقة. لكنهم يخشون عواقب حدوث مجزرة دموية، خصوصا بين صفوف المدنيين، في حال وقع هجوم عسكري على إدلب.
وهذا الوضع، أي الوضع في إدلب، سيكون على رأس جدول أعمال القمة الدولية الرباعية، التي تعقد السبت (27 أكتوبر/ تشرين الأول 2018) في إسطنبول وتشارك فيها إلى جانب تركيا كل من روسيا وفرنسا وألمانيا. وإلى جانب مناقشة الوضع الأمني في إدلب يمكن أيضا مناقشة ملف إعداد دستور جديد لسوريا ما بعد الحرب أو مناقشة تشكيل المجلس، الذي سيعد الدستور لاحقا.
مساعي ألمانية جادة من أجل وقف إطلاق النار
فيما يخص الموقف الألماني، يبدو أن قضية اللاجئين والنازحين تدخل في جوهر الاهتمام الألماني، كما يشير إلى ذلك كرستيان براكل، رئيس مكتب مؤسسة "هاينريش بول" في إسطنبول. ويضيف براكل " تريد ألمانيا وبالتعاون مع تركيا منع حدوث موجة هجرة جديدة للسوريين إلى خارج البلاد. ولهذا السبب كان هناك قلق كبير في تركيا وإلى حد ما في ألمانيا أيضا، في حال تم هجوم عسكري على إدلب".
ويواجه البلدان، تركيا وألمانيا، ضغوطا كبيرة بشأن قضية اللاجئين. وفي هذا السياق يقول الخبير الألماني براكل في حديث مع DW إن أعمال شغب وقعت في شرق تركيا بسبب اللاجئين. وفي ألمانيا لعبت قضية اللاجئين دورا بارزا وكبيرا ليس فقط في الانتخابات التشريعية الاتحادية في أيلول/ سبتمبر 2017 فحسب، بل باتت القضية ملفا حساسا وساخنا حتى في الانتخابات المحلية في بافاريا قبل أسبوعين وفي هيسن هذا الأحد، رغم أن السياسيين من معظم الأحزاب حاولوا منع جعل قضية اللاجئين من أجندات الحملة الانتخابية. ويتابع براكل أن ألمانيا وكذلك تركيا مهتمة جدا بالحفاظ على وضع مستقر نوعما من أجل منع حدوث موجة لجوء جديدة.
دور الدستور في استقرار سوريا
ونظرا للوضع القائم حاليا، يرتبط النقاش حول مصير محافظة إدلب بالنقاش حول الدستور الجديد لسوريا. فالدستور يشكل إشارة مهمة في داخل سوريا وخارجها. فإعداد الدستور والمصادقة عليه يعتبر أمرا مهما للاجئين السوريين عند إجابتهم عن سؤال بشأن العودة إلى وطنهم في يوم ما أو البقاء في المهجر. كما يلعب الدستور، في حال تم الاتفاق بشأنه، دورا مهما بخصوص تلبية احتياجات البلد بعد مرحلة الحرب ودعم الاستقرار فيه.
جدير بالذكر أن سبع دول غربية وعربية، بينها ألمانيا، طالبت الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي بضرورة الإسراع بالعمل من أجل إعداد دستور لسوريا لمرحلة ما بعد الحرب. ولهذا الغرض تمت المطالبة بتشكيل لجنة دستورية يتمثل فيها كل أطراف الصراع، كما جاء في بيان المجموعة الدولية. والهدف من ذلك هو خلق الأرضية القانونية لانتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة يشارك فيها كل السوريين، الذين يحق لهم التصويت، بما فيهم كل اللاجئين في الداخل والخارج. لكن الحكومة السورية رفضت لحد الآن إعداد دستور جديد من قبل لجنة دولية، مشيرة إلى أن قضية الدستور شأن سوري داخلي، حسب ما صرح به وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
روسيا وتكاليف الحرب
وفيما تشارك روسيا رأي الحكومة في دمشق فيما يخص الموقف من الدستور، كونه شأن سوري داخلي، إلا أن الموقف الروسي، وحسب رأي الخبير الروسي لشؤون الشرق الأوسط، تيمور دويدا، قد يكون مرنا ومتجاوبا مع المطلب الدولي. ويقول تيمور دويدا في حديث مع DW "الكرملين مهتم بإنهاء العمليات العسكرية الروسية في سوريا. فهي ترهق الاقتصاد الروسي بشكل كبير، عدا ذلك يقف الدعم الروسي لدمشق عائقا أمام تطوير العلاقات الروسية مع واشنطن ومع إسرائيل". كما أن هناك أمرا آخر، حسب رأي الخبير الألماني في إسطنبول براكل، والذي يتمثل في أن الموقف الروسي من قضية إعداد الدستور لسوريا لا يجوز له أن يذهب بعيدا جذريا عن موقف الدول الغربية، ويوضح براكل ذلك بالقول "الروس ينظرون إلى قضية إعادة بناء سوريا. وطبعا يرغبون في أن تشارك بقية دول العالم في إعادة بناء سوريا. وكما هو معروف فإن إعادة البناء تكلف الكثير من مليارات الدولارات وعلى مدى 15 وحتى 20 عاما. وهذه الأموال لا تملكها لا روسيا وحدها ولا إيران ولا الاثنين معا. كما أن دول الخليج لا يتوقع منها المشاركة بمبالغ كبيرة أو حاسمة في بناء سوريا".
ضعف نظام الأسد
وعلى ضوء ما تقدم، فإن روسيا تحتاج ألمانيا على نطاق واسع، من جانب لدعم مالي مباشر في عملية إعادة البناء سوريا، ومن جانب آخر، تعتمد روسيا على الجهد الألماني للترويج لعملية إعادة البناء بين صفوف حلفائها الغربيين. وفي هذا السياق يقول الخبير الألماني في إسطنبول براكل "روسيا لها مصلحة كبيرة في أن تكون شريكا في عملية إعادة البناء".
يشار إلى أن النظام السوري تمكن فقط من الصمود في سنوات الحرب بفضل دعم حلفائه. ولهذا يبدو أن النظام السوري ليس صاحب الكلمة الأخيرة فيما يخص التوصل لوقف لإطلاق النار. والرئيس بشار الأسد يقف على رأس حكومة فقدت إرادتها، في البداية عسكريا، والآن سياسيا.
كيرستن كنيب/ ح.ع.ح