1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الفنان فريد أرملي: "متى غدوت فناناً ألمانيا"؟

٨ نوفمبر ٢٠٠٥

تعامل فني مجرد مع القضية الفلسطينية. فريد أرملي، فنان أمريكي من أصول فلسطينية- لبنانية، ومقيم حاليا في مدينة شتوتغارت، يتحدث في الحوار التالي عن عمله الفني "من/إلى" الذي قدمه في دورة دوكومنتا 11 وعن قضايا الهوية والمنفى.

https://p.dw.com/p/7QST
رسم فنب لفريد أرملي يوضح المسارات التي سلكها الفلسطينيين للهرب بعد عام 1945صورة من: presse

ولد فريد أرملي في عام 1957 ونشأ في عائلة لبنانية- فلسطينية في ولاية أيووا الأمريكية. يعمل منذ 1987 كفنان في أوروبا ـ لاسيما في ألمانيا-، كما قام بتدريس الفن في أكاديميات فنون مختلفة. كان من 1999 حتى 2002 مدير بيت الفن في شتوتغارت. اشترك 2002 في معرض الدوكومنتا 11. في الحوار التالي يتحدث أرملي عن قضايا فنية وسياسية مختلفة.



في نواة عملك "من/إلى" في دوكومنتا 11 كان هناك شبكة متسامتة [شبكة الإحداثيات الجغرافية] مأخوذة عن حجر رقمي

فريد أرملي: نعم، التقطنا صورة رقمية لحجر، ثم أخذنا جزءًا من الشبكة الإفتراضية التي نتجت عنها، وكبّرناه ومددناه خريطة على أرضية الصالة. ومددنا خطوط هذه الشبكة طرقاً يمكن التجوال عليها إلى الطابق الأعلى ...

لماذا إخترت نموذج الحجر – ولم تختر مثلاً كرة مطاطية مرنة؟

أرملي: اخترت الحجر، لأن المرء يحصل من خلال صورته الرقمية على شيء غير متوقع. ولأنه رمز الإنتفاضة كذلك. في البداية لفت الحجر إهتمام الإعلام العالمي نحو الإنتفاضة – والحجر وحده استطاع ذلك، لا الأسلحة، ولا التسلح العام الذي جرى لاحقاً.

أردت استخدام الحجر بطريقة مناسبة بصفتي مثقف، وأمريكي من الطبقة المتوسطة للجيل الأول. فاستخدمته لرسم خريطة. قيامي برميه كان سيكون ضرباً من الهراء.

هذا العمل كان محاطاً بنشاطات أخرى!

أرملي: نعم! تضمن "من/إلى" ندوات مع أخصائيين، مع مؤرخين، علماء اجتماع، علماء انسانيات، صانعي أفلام ومع عاملين في التلفزة. زوِّدتنا إضافة إلى ذلك أرشيفات الصور وقواعد البيانات، وافلام الفيديو وأشرطة التسجيل الصوتية بمواد ايضاحية أخرى. في كل هذه الحلقات الدراسية والأعمال الفنية نُعاين فلسطين على خلفية تاريخ الحداثة، حيث يبدو الوضع الفلسطيني حالةً شاذة.

Kasseler Kunsthalle Fridericianum, dem Hauptausstellungsort der Weltkunstausstellung documenta
زوار "دوكيومنتا" في مدينة كاسلصورة من: dpa


كتب عصام نصار على سبيل المثال نصاً رائعاً عن المفاهيم التي كانت سائدة في التصوير الفوتوغرافي في مطلع القرن الماضي. بشكل أدق كتب عن التمثيل والغياب. حيث يبحث في أعماله كل أولئك الناس الذين أتوا إلى الأردن وإلى سورية للقيام "برحلة في الشرق"، فالتقطوا الصور الفوتوغرافية في كل مكان، ولكن لم يظهر البشر فيها على الإطلاق! ثم بحث نصار في الأرشيفات فلم يعثر في السنوات العشرين الأولى لتصوير الأشخاص (بورتريه) على صورة شخص واحد!

إلى جانب ذلك هناك تلك المرحلة الزمنية "المجمّدة". كل البطاقات البريدية التي أرسلت من فلسطين، أثارت إنطباعاً يقارب صورة فلسطين في الكتاب المقدس. في حين يتبع الإسرائيلون تطورات الحداثة بالطبع: حيث تظهر البطاقات البريدية في الثلاثينيات، كما يتوقعها المرء: بعد العسكرة توجد بطاقات بريدية عسكرية وهكذا دواليك. يستطيع المرء تعقب كلا المسارين وملاحظة مدى تشابه كليشيهات البطاقات البريدية أو إختلافها.

هذا كله جزء من المشروع، ليس الهدف توثيق الأحداث وحسب، بل الإطلال على أهمية الإعلام أيضاً. كذلك يتعين علينا، نحن الجيل الناشئ، دراسة هذه الأرشيفات، أو البحث عن إثباتات لإظهار خطوط إرتباط وخطوط تواصل جديدة. بهذا نحقق ما يزيد عن مجرد التنقيب عن الآثار، إذ نسعى لإقامة دراسات في مجال تفاعل الإختصاصات ولربط حقول جديدة مع بعضها البعض ولتطوير مناهج وأشكال تعبيرية جديدة.

لقد تعاونت في هذا المشروع مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي. كيف كان هذا العمل المشترك بين سينمائي ملتزم وفنان يرنو منهجه نحو التجريد؟

أرملي: كلانا من الجيل الأول المولود بعد 1948، ولسنا متباعدين كثيراً فيما يخص سِيَر آبائنا. أبي فلسطيني عاش بعد 1948 مثل معظم الفلسطينيين الآخرين، حتى دفعته الأيام إلى أمريكا حيث وَلِدْتُ. ورشيد ولد في مخيم للاجئين في غزة.

كلانا مُطالب بأن يجترح جواباً معيناً على الوضع الذي نحن فيه، وكلانا متفق تماماً على أنّ ذلك لا يجب أن يتم بأسلوب تقليدي. أثناء التحضير لعمل الدوكومنتا تبادلنا وجهات النظر بشكل مكثف، ومن أحد المشاريع، أقصد "إنتظار"، انبثق فيلم رشيد الجديد لاحقاً.

غالباً ما يتم تجاهل ذلك، وكثيراً ما يظن الناس، بأننا غير قادرين على خوض حوار مشترك. لكن أجيالنا المشتتة عن بعضها البعض تجد، نوعاً ما بسرعة، مساحةً مشتركةً للإنتاج الثقافي، للفن، ولمواضيع الساعة التي تستطيع تبادل الآراء فيها. لم يحدث "شرخ" هنا، بل ما يشبه طريق إلتفافية فتحت لنا إمكانيات إضافية.

إلى أيّ مدى يختلف منظورك الذاتي عن منظور "منفي" يعيش في عالمه الخاص ولا يدور سوى حول نفسه؟

أرملي: يقوم "المنفى" تحت شروط معينة، وكذلك ما يسميه ستوارت هال بـ"هوية الشتات": أي شكل حياة الشتات الخالية من الرضات النفسية. على هذا النحو يتطور الأمر في خضم العولمة، ألتقي مثلاً بإطراد بعدد أقل من الناس الذين يقطنون في البلد الذي يتحدرون منه.

بالطبع ينطبق هذا بشكل خاص على أمريكا التي بنيت على أسطورة الهجرة وعلى قناعة مفادها أننا جميعاً أتينا من مكان ما، لنصبح هنا كائناً ما. لا نستطيع "مغادرة" أمريكا للذهاب إلى "المنفى" – فنحن على كل حال غير مستقرين في أي مكان.

تتخذ معضلات الإنصهار والتمثيل هذه، في فني وفي مشاريعي كما في "من/إلى" موضعاً مركزياً. نحن الأمريكيون لسنا متساويين جميعاً في هذا الجانب، كوننا لا نتمتع جميعاً بنفس الدرجة من الإنصهار.

أمّا في أيامنا هذه فوضع "العرب الأمريكيين"، بغض النظر يتحدرون من أصول فلسطينية أو لبنانية أو سورية، هو التالي: في الستينيات كان هناك ما يشبه الإنصهار، مارسه جيلي أنا بالذات، ولكن في السبعينيات وبالتأكيد في الثمانينيات انقلب الوضع، إذ أنّ تسييس الأجواء لم يعد يسمح بذلك أبداً.

يتكوّن الفرد من عدد لا متناهي من الهويات. فقط عند مراقبة الآخرين له يُختزل المرء إلى هذه الهوية أو تلك. هل واجهت في الأعوام الأخيرة، أكثر من قبل، أمراً كهذا؟

أرملي: نعم، أُعتبر في الأعوام الأخيرة "فنان ألماني". ولدت في الوسط الغربي من أمريكا، وترعرعت في كورن- بيلت، وذهبت بعدها إلى واشنطن، أي أني أكثر أمريكية من معظم الذين التقيتهم هناك، ولكني عندما عدت الآن ثانية لعمل مشروع في أمريكا، اعتبروني المانياً. مع ذلك: الأعوام العشرة التي قضيتها في أوروبا، ورحلاتي وإقاماتي الكثيرة في الخارج، تركت آثار الثقافات والهويات الوطنية الأخرى عليّ. هذا لا يضيرني، ولكن السؤال الذي يهمني: متى بالضبط غدوت "فناناً المانياً"؟

كيف ترى في هذا السياق النقاش حول بلد الهجرة، الشيء الذي كانته الولايات المتحدة دائماً، ولا زالت المانيا تنفيه عن نفسها حتى اليوم؟

أرملي: من الصعب فهم العديد من هذه النقاشات الأوروبية، لأنه ينقصني إدراك المعنى الجوهري "للتحدر" من بلد معين. "أن تكون المانياً" هو أمر غريب تماماً بالنسبة لي كما هو أمر "أن تكون لبنانياً".

يوجد لبنانيون في عائلتي، ولكني لست كذلك. المفهوم القائل بأن الرجوع إلى العائلة، إلى النسب أو أي شكل خاص، هو الذي يمنحك هذه الجنسية أو تلك، أمر غريب بالنسبة لي.


المصدر: قنطرة

www.qantara.de

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد