1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العلم يستمد الأمل من داخل الخلية

١٩ مارس ٢٠١٢

لدى الخلايا الجذعية الجنينية قدرات خارقة: قدرة الانقسام بشكل غير متناهي، والتطور إلى أنواع خلايا الجسم المختلفة. وعبر هذه الخصائص، يأمل العلماء في اكتشاف أدوية لعلاج الأمراض المستعصية، وبناء الأعضاء التي لحق بها التلف.

https://p.dw.com/p/14Mno
صورة من: picture-alliance/dpa

يعمل الباحثون على إجراء التجارب على الخلايا الجذعية منذ عام 1998، بعد أن تمكن العالم الأمريكي جيمس طومسون من عزل أول خلايا جذعية جنينية بشرية. وأثارت هذه الأبحاث منذ البداية نقاشات وجدلا واسعين، حول ما إذا كانت هذه الأبحاث مقبولة أخلاقيا، وحول النقطة الزمنية لبداية حياة الجنين، فالمعروف أن الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية البشرية يتم عبر تدمير الأجنة البشرية للجنين.

مثل هذا الجنين ليس لديه بعد رأس ولا شعر ولا عينان ولا أرجل، ومن المعروف أن وصف "جنين" يطلق على الناتج المباشر الذي يتكون بعد اندماج البويضة والحيوان المنوي.

إن البويضة المخصبة تتطور في غضون خمسة إلى ستة أيام إلى كيس حويصلي، وفي داخله تتشكل كتلة من الخلايا الجذعية الجنينية. وبعد مرور فترة تصل إلى 14 يوما من اندماج البويضة والحيوان المنوي، تبدأ تلك الخلايا الجنينية بالتشكل والتطور إلى خلايا الجسم المختلفة.

لكن لدى تدمير الكيس الحويصلي قبل الدخول في تلك المرحلة، أي قبل مرور فترة الأسبوعين، يصبح من الممكن عزل الخلايا الجذعية ونقلها إلى وسط مختبري يتوفر فيه الغذاء لإبقاء تلك الخلايا على قيد الحياة، وبالتالي يصبح من المتاح تكاثر تلك الخلايا بشكل لا نهائي، والاستفادة من خاصيتها وقدراتها في التحول حسب الحاجة إلى خلايا جزء معين من جسم الإنسان، حسب الحاجة.

جدل أمام القضاء

تختلف الآراء حول النقطة الزمنية التي تبدأ فيها حياة الإنسان، وحول الحماية التي يستحقها الجنين. والحجة الرئيسية لأنصار أبحاث الخلايا الجذعية، هي أن الخلايا الجذعية الجنينية البشرية تستمد عادة من الأجنة المتبقية بعد عمليات الإخصاب الصناعي في المختبر، وكان سيتم التخلص منها في كل الأحوال إذا لم يحصل عليها الباحثون.

عالم الأعصاب أوليفر بروستلر من مدينة بون الألمانية
عالم الأعصاب أوليفر بروستلر من مدينة بون الألمانيةصورة من: picture-alliance/dpa

كما ينطلق المؤيدون أيضا من أن الجنين غير قابل للحياة خارج الرحم. أما المعارضون فيعتبرون أن حياة الإنسان تبدأ بالفعل مع اندماج الحيوان المنوي والبويضة، كما أنهم يظهرون مخاوف من استخدام الأجنة المتبقية من عمليات التخصيب الصناعي في المختبر، وبالتحديد تتعلق المخاوف بأن يتم إنتاج وتدمير الأجنة فقط لأغراض البحث العلمي، وهو أمر مسموح به في الولايات المتحدة على سبيل المثال.

وقد شغلت قضية تشخيص حياة الإنسان ومراحل تطور الجنين كذلك القضاة في محكمة العدل الأوروبية، وكان على المحكمة أن تصدر حكما بشأن مشروعية منح براءات الاختراع فيما يتعلق بابتكار أساليب بحث أو علاج طُورت اعتمادا على خلايا المنشأ الجنينية البشرية.

ففي عام 1999 قدم عالم الأعصاب أوليفر بروستلر من مدينة بون طلبا للحصول على براءة اختراع لإحدى الأساليب التي نجح في تطويرها بالاستفادة من الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، في تطوير خلايا عصبية، وقد حصل بالفعل على براءة الاختراع. إلا أن منظمة السلام الأخضرGreenpeace، رفعت دعوى في عام 2004 ضد منح براءة الاختراع تلك، وانطلقت المنظمة في اعتراضها من أن كل ما يرتبط بتدمير الأجنة البشرية، يعد "خرقا للنظام العام والأخلاق".

وفي تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي 2011 صدر حكم المحكمة الأوروبية لصالح المنظمة، فقد تم سحب براءة الاختراع الممنوحة لأوليفر بوستلر، ولم يعد بالإمكان في ألمانيا تسجيل براءات الاختراع لأساليب البحث أو العلاج المطورة اعتمادا على خلايا المنشأ الجنينية البشرية.

جينات لإكساب الخلايا مقدرات لا متناهية


وبالرغم من هذا، هناك خلايا جذعية أقل إثارة للجدل من الخلايا الجنينية البشرية، والمقصود هنا الخلايا الجذعية البالغة التي توجد في جسم الإنسان البالغ وهي تبقى مدى الحياة، ونجدها في أنسجة الجلد والعضلات والنسيج العصبي والعظام. ولهذه الخلايا القدرة على تطوير وتجديد نفسها بصفة دائمة.

خلايا جذعية جنينية بشرية
خلايا جذعية جنينية بشريةصورة من: Public Library of Science / Wikipedia

لكن لا يمكن للخلايا الجذعية البالغة أن تتكاثر بنفس الحجم الكبير كما هو الحال مع الخلايا الجذعية الجنينية، كما أن قدرة الخلايا البالغة على التمايز محدودة. ويمكن للخلايا الجذعية العصبية في الواقع أن تتطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا العصبية، ولكن لا يمكن لها أن تتطور إلى خلايا عضلة القلب أو الكبد. ومع ذلك هناك عدد من الإجراءات العلاجية التي تستخدم فيها الخلايا الجذعية البالغة، ومنها العلاجات التي تهدف إلى تجديد الجلد بعد الإصابة بالحروق على سبيل المثال.

إن استخدام الخلايا الجذعية المحفزة أو (خلايا آي بي إس) لا يخضع لأي تحفظات أخلاقية، لأن ذلك لا يرتبط بتدمير أي أجنة بشرية، فإنتاجها يتم من خلايا الجسم العادية للإنسان البالغ، والتي يتم إرجاعها إلى حالة جنينية، وقد نجح اليابانيان كازوتوشي تاكاهاشي وشينيا ياماناكا في القيام بذلك للمرة الأولى في عام 2006.

ويمكن لخلايا آي بي إس، شأنها شأن الخلايا الجذعية الجنينية، التكاثر في المختبر. وبعد استزراعها يمكن لها أن تتمايز إلى خلايا مختلفة قابلة للاستخدام في أساليب العلاج المختلفة، أو يمكن اختبار الأدوية والعقاقير الجديدة عليها، لكن بالرغم من كل هذه المزايا، فإن هناك بعض الأخطار وعلى رأسها صعوبة السيطرة على نمو تلك الخلايا، وبالتالي يزداد خطر تكون الأورام الكبيرة.

أمل في مجالي العلاج وتطوير الأدوية


وبالرغم من ذلك، تعتبر الخلايا الجذعية المعروفة باسم آي بي إس مثيرة لاهتمام الباحثين، فإذا تم أخذ خلايا جلدية من مرضى مصابين بمرض باركنسون، فيمكن إعادة برمجة تلك الخلايا، ومن ثم استزراعها في المختبر لتتمايز بعد ذلك إلى خلايا متباينة، وفي هذه الحالة إلى خلايا الدماغ وخلايا المخ.

يمكن للخلايا الجذعية أن تساهم في زراعة الجلد
يمكن للخلايا الجذعية أن تساهم في زراعة الجلدصورة من: DW / Almakhlafi

وإذا كانت هذه لا تزال تحمل المرض ، فيمكن إجراء تجارب عليها في المختبر بهدف معرفة سير مرض باركنسون وتطوره، أو اختبار العقاقير والأدوية مباشرة على هذه الخلايا المريضة. ربما سيكون من الممكن يوما ما بمساعدة خلايا آي بي إس تطوير الأدوية الخاصة بالأمراض التنكسية "وهي أمراض مزمنة تتراجع فيها حالة الأنسجة والأعضاء مع الزمن"، أو إيقاف تطورها في مرحلة مبكرة من الإصابة بالمرض، وبحيث لا تكون هناك حاجة إلى التفكير في استبدال الخلايا.

ويتفق العلماء والباحثون في مجال الخلايا الجذعية، على أن الاستغناء عن الخلايا الجذعية الجنينية غير ممكن مستقبلا، إذ يتسنى حصرا على تلك الخلايا، دراسة الآليات التي تميز الخلايا البشرية وتكاثرها، والتي تمثل بدورها الأساس والأداة للسيطرة على أساليب العلاج بالخلايا الجذعية.

مارليس شاوم/ نهلة طاهر

مراجعة: عبد الرحمن عثمان