الصحافي المغربي الذي أُهدر دمه: مجتمعنا يعتبر الحرية الجنسية ملكا للرجل وحده
٣ أغسطس ٢٠١٢"أحترم حرية أمي وأختي في فعل ما يبدو لهن ملائما" جملة كانت كافية لتقيم الدنيا ولا تقعدها في المغرب، الجملة لصحافي مغربي قالها خلال حوار تلفزيوني في سياق حديثه عن الحريات الفردية في المغرب، لكن الأمر خرج عن نطاقه كجدل سياسي وديني وإعلامي إلى اتهامات بالتحريض على القتل والتكفير، بين الصحافي المختار الغزيوي رئيس تحرير يومية الأحداث المغربية والشيخ المغربي عبد الله نهاري. وقد دخلت السلطات القضائية على الخط بمتابعة الشيخ حول ما اعتبر تحريضا على القتل.
الموضوع تحول إلى قضية رأي عام في المغرب، ومازالت تداعياته متواصلة حتى الآن خلال الأمسيات الرمضانية.DW حاورت المختارالغزيوي على هامش مشاركته وحديثه عن تجربته، في إحدى الندوات التي تناولت موضوع حرية الرأي والتعبير. في هذا الحوار يكشف الغزيوي عن جوانب عديدة من خلفيات الموضوع، وهو يعتبر نفسه كاتبا "ليبراليا" و"مشاغبا" ايضا، كما يعتبر الحريات كلاً لا يتجزأ، بدءا من مسألة الحريات الجنسية وصولا إلى حرية إفطار شهر رمضان.
وفيما يلي نص الحوار:
DW: لنبدأ من تصريحاتك التي أثارت كل هذا الجدل، دار حولها كلام كثير و تأويلات...ماذا كنت تقصد بالضبط؟
المختار الغزيوي: كلامي وقصدي كانا واضحين تماما، كنت أدافع عن الحرية بمفهومها العام و ضمنها الحريات العامة وأيضا الفردية وتصريحي الأول على قناة الميادين اللبنانية كان واضحا وعدت لتأكيده مرارا و تكرارا وأقول الحرية السياسية والاقتصادية والحرية القيمية (الفكرية). ما حدث هو أن الصحافية التي كانت تدير النقاش خلال الحلقة ..طرحت سؤالا شخصيا وانتقل الحديث من العام إلى الشخصي. السؤال كان هل أرضى لأمي و أختي وابنتي الحريات التي كنا نناقشها، طبعا لم يكن بإمكاني سوى أن أقول أني أحترم حرية أمي وأختي وابنتي في أن يفعلن ما يبدو لهن ملائما. هذا هو التعبير الذي استخدمته.
ولكن لِم هذا التصريح - الذي اعتبر قويا ومثيرا- في هذا الوقت بالضبط، حيث يشهد المغرب نقاشا واسعا حول الحريات الفردية؟
أنا أصلا لبيت دعوة قناة الميادين بمناسبة معينة وهي الدعوة التي أطلقتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يجرِم العلاقات الجنسية الرضائية (التي تتم برضى الطرفين) خارج مؤسسة الزواج، و أنا ذهبت للتعليق على الأمر كصحافي وكاتب رأي و رئيس تحرير يومية مغربية وبالتالي فليست هناك أية أجندة معينة أو أسباب وراء تلك الخرجة الإعلامية. بكل بساطة لكل حادث حديث قناة الميادين أرادت التعليق على أهم نقطة جاءت في دعوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
هل توقعت أن تحدث تصريحاتك كل هذا الجدل و ردود الأفعال؟
طبعا لا ولم أتوقع نهائيا كل هذا الجدل، لأن الأمور اتخذت طابعا خطيرا جدا بدأ أساسا مع تحوير كلامي والجملة التي نطقت بها، أنا قلتها وأعيدها، أقبل أن أحاكم و أشنق في الساحات العامة على جملة قلتها وأتحمل فيها كامل مسؤوليتي، لكن أن يتم تحوير جملتي فهذا أمر آخر. الجملة صارت "أنا أقبل أن تمارس أمي وأختي و ابنتي الجنس خارج إطار الزواج" بينما أنا لم أنطق ذلك إطلاقا.
لكنهم ذهبوا لجزء من حريتهن التي تحترمها، وهي الحرية الجنسية خاصة أن سياق الحديث كان كذلك؟
لقد انتقلنا من الحديث عن ما تقوله وأنت مسؤول عنه إلى الحديث عن ما يفهمه الآخرون ويجعلونك مسؤولا عنه، أنا لم أقل تلك الجملة التي أثارت كل هذا الجدل.
من نقاش فكري إلى تهديدات بالقتل!
طيب وإذا سألتك الآن مجددا هل أنت مع حرية أمك وأختك وابنتك في ممارسة علاقات خارج الزواج، ماذا سيكون جوابك؟
(مبتسما و يحاول التهرب من السؤال)... الآن أصبح النقاش أكبر و أخطر من هذا السؤال، لم نعد في "هل نحن ضد أو مع"، بل صارت القضية الحقيقية هي أن الحديث عن الحرية أصبح يتسبب في فتوى بالقتل.
نعم، ولكن ما أثار كل هذا هو تصريحاتك التي اتهمك البعض بالتنصل منها بمجرد صدور الفتوى المثيرة للجدل؟
أنا لم أتنصل من شيء، و سأعيد اليوم نفس التصريح الذي قلته في أول مرة "إني أحترم حرية أمي و أختي و ابنتي في أن يفعلن ما يبدو لهن ملائما". لم أتراجع يوما عن تصريحاتي بشأن احترامي لحريتهن كما أحترم حريتك في طرح أسئلتك و حرية أي شخص في فعل ما يريده. ولست أنا من يسمح لشخص بالقيام بأمر أو لا، أنا أصلا لا أملك هذه السلطة.
هل ساورتك مخاوف بعد إهدار دمك وما أسميته أنت تحريضا على قتلك؟ وهل تلقيت تهديدات بالقتل خاصة أن كثيرين أيدوا الشيخ عبد الله النهاري في موقفه؟
تلقيت قدرا من التهديدات، لا يمكن وصفه، سيل كبير من التهديدات بقتلي بعبارات مباشرة مثل "إن وجدتك أمامي سأقتلك" و"أنا أبحث عنك"، سواء عبر اتصالات هاتفية أو عبر بريدي الإلكتروني الموجود بجانب العمود الذي أكتبه في الصحيفة، كما اضطررت لإلغاء صفحتي على موقع فيسبوك لمدة أسبوع تقريبا لفرط التهديدات التي كانت تصلني عبرها والكلام النابي الذي تلقيته. لكن بمجرد إبلاغي لزملائي في موقع إلكتروني بأني أعطيت المحققين في مدينة وجدة (التي ينتمي إليها الشيخ النهاري) إيميلي الخاص ورقمه السري بهدف الوصول إلى من يبعث هذه الرسائل، بعدما فعلت ذلك خفت هذه التهديدات بشكل كبير. إذن فهكذا تعاملت مع هذه التهديدات لأن المسألة قد تصل ربما إلى حد تهديد الحياة الشخصية بشكل خطير.
و ما هو موقف أمك وأختك من كل ما حدث؟
أمي تابعت معي الحلقة الأولى من البرنامج التي قلت فيها تلك التصريحات لأن الحلقة كانت مسجلة، ولحسن الحظ فأمي سيدة متعلمة، قضت 37 سنة في مهنة التعليم، وهي متعلمة عكس الكثير من الناس هنا في المغرب الذين لم يسمح لهم، للأسف الشديد، مستواهم التعليمي ووعيهم المحدودان بمجرد احترام الحقيقة، أنا لم أطلب منهم أن يفهموني أو يوافقوني بل فقط أن يحترموا ما قلته بالفعل وليس ما يروج. أما أختي فهي سيدة متزوجة و لها ثلاثة أبناء.. (مبتسما)... هي الأخرى وجدت نفسها داخل هذا النقاش الكبير بشكل غريب، ولقد تابعت هي و زوجها وعائلته الحلقة أيضا، ويعلمون أن الأمر كله حملة كذب و تظليل.
ألم يراجعوك في موفقك؟
لا، بالعكس هم ساندوني بقوة، لأنهم يعرفون جيدا ابنهم الذي ربوه بأنفسهم.
فوضى الفتاوى
ما هي نظرتك لسلطة الفتوى ومرجعيتها في المجتمع المغربي، وبالتحديد في مجال الحريات؟
الواضح اليوم أننا يجب أن نكون حازمين حيال هذا الأمر. القانون المغربي لا يعطي حق الإفتاء سوى للمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين ملك البلاد، هذا في القانون، لكن اليوم و مع ثورة وسائط الاتصال الحديثة صرنا نرى النزوع نحو تقليد الشرق في أسو أما لديه، أي أن كل من نبتت له شعيرات أسفل ذقنه، ينصب نفسه فقيها ويعطي أحكام شرعية بشكل خطير. لم نر هذا مع النهاري فقط بل مع شيوخ السلفية الجهادية الذين خرجوا ليدعموه و فعلوا ذلك بالنصوص الشرعية.
ما حدث معي يحدث لأول مرة في المغرب، ويجب أن تكون آخر مرة لذلك لا بد من دق ناقوس الخطر، لأن باب جهنم هذا إذا فتح فلن يغلق نهائيا و نرى أمامنا اليوم نماذج مثل مصر والسودان و الجزائر...
حتى في دول تُنتقد في هذا الإطار وضمنها السعودية، تم حسم الأمر تقريبا، حيث تم حصر هذا الاختصاص في الهيئة المكلفة بذلك و كل من يصدر فتوى خارج هذا الإطار يُعاقب. ألا تعتقد أن في المغرب تسامحا وسكوتا على ما يصفه البعض "فوضى الفتاوى"؟ ما رأيك في هذا كصحافي تضرر من هذا الأمر؟
أعتقد أن أفضل رد في قضيتي هو ما قامت به النيابة العامة ووزارة العدل والحريات، وهو تحريك المتابعة القضائية في حق هذا الرجل ليكون عبرة لأي شخص قد يستسهل عملية المرور للفتاوى الجاهلة هذه. في بلد كالمغرب فيه مستويات التعليم والوعي ضعيفة، يجب أن تكون الفتوى في واحدة هي اليد الضامنة الموحدة للمغاربة كلهم والتي توَافقوا عليها وهي إمارة المؤمنين، وهي المجلس العلمي الأعلى، هذا الأمر لا نقاش فيه. وينبغي الضرب بيد من حديد على كل من يتجرأ على هذا المجال لأنه مجال خطير وفيه التلاعب بالدين والتلاعب بحياة الناس وبكل الأمن الذي بناه المجتمع المغربي على امتداد قرون وقرون...
بقية الحوار في الصفحة الثانية ...>
هناك الكثير من التساؤلات حول مدى واقعية أفكارك، يعني أنت تعيش في مجتمع مسلم ومحافظ وتطالب بإباحة حريات من قبيل علاقات منفتحة بين الرجل والمرأة.
(يبتسم)...المثير في الأمر و المفارقة هو أن المجتمع متقدم في هذا المجال بشكل أكبر بكثير مما قلته أنا والمجتمع لم ينتظرني لكي أسمح له بممارسة حريته الجنسية، المجتمع يعيش ذلك وبشكل متقدم جدا.
اليوم لدينا دراسات تؤكد أن سن الزواج في صفوف الشباب والشابات ارتفع إلى 40 و 45 عاما، وما بين سن 16 سنة و45 سنة ما يقارب 30 عاما لا يمكن أن يقضيها الإنسان في الصيام و غض البصر. هذه الحرية إذن يعيشها الشباب بكل ما في الحياة من معاني، ولست أنا من سيعطي هذا الحق أو يمنعه. الواضح أن المجتمع من الناحية العملية متقدم في هذا المجال، لكنه من الناحية النظرية يحاول أن يترك ذلك الحاجز ويتظاهر بالتقوى الظاهرية بما يفيد أن المغاربة لا يرتكبون ما يخالف دينهم، علما أن العكس هو الصحيح.
اتهمت النهاري بأنه حرض على قتلك وخالف بذلك القانون المغربي، ألا ترى أنك تدعو لأمور يخالفها القانون أيضا؟
أنا لم أدع إلى شيء، فقط قلت إني أحترم حريات الناس، لم أدع الشعب إلى إقامة علاقات خارج الزواج، لم أقل له "يا أيها الشعب المغربي أدعوك إلى إقامة العلاقات الجنسية دون زواج". أنا عبرت عن رأي يخصني أنا وهنا حدث الإشكال. ليست لدي القدرة ولا الشجاعة ولا حتى الوقاحة لإطلاق دعوة كهذه.
قمت بالتنديد بأن حريتك في التعبير عن موقفك قمعت، لكن هناك من يعتبر أن الشيخ النهاري عبَر أيضا عن موقف يرفض ما قلته أنت ..
هو لم يعبرعن موقف، بل دعا إلى القتل...
لكن مؤيدي الشيخ النهاري يقولون إنه لم يهدد بقتلك مباشرة بل ردد حديثا نبويا يقول "اقتلوا من لا غيرة له".
(يرد بانفعال)... لقد قال اقتلوا من لاغيرة له وهذا ليس حديثا نبويا، هو سأل من كانوا حوله في مجلسه "ما حكم الديوث في الشرع؟" فقالوا "القتل " فقال "اقتلوا من لا غيرة له". لهذا فالسؤال المطروح على النهاري حتى اليوم والذي طرحه عليه المحققون، هو ما محل تلك الجملة من الإعراب في كل الكلام الذي قاله، ولم قالها أصلا.
لكن ما تعتبره أنت تحريضا على القتل...
(يقاطعني بانفعال)... لست أنا فقط من أعتبره كذلك، بل أيضا وزارة العدل والحريات التي تابعت النهاري.
نعم ولكن العديد من منتقديك يقولون إنه تماشيا مع مبدأ "الفتنة أشد من القتل" فإن تصريحاتك أيضا تثير الفتنة، ما ردك عليهم؟
(باسما)... هذا يعني إذن أن كلامي أخطر من كلام النهاري؟. أنا عبرت عن رأي، لم أدع الناس إلى حبس النهاري في غرفة مع امرأة و إجباره على ممارسة الجنس معها، أنا فقط عبرت عن احترامي الكامل لحرية نساء عائلتي، بينما هو دعا لقتلي. هذا ليس موقفا بل دعوة للقتل وتحريضا عليه، والنيابة العامة أدركت هذا الأمر وتابعته والجلسة الأولى ستكون يوم 4 سبتمبر أيلول المقبل.
"مجتمعنا يعتبر الحرية الجنسية ملك للرجل وحده"
لو وضعت والدك وأخاك بدلا من أمك وأختك في تصريحاتك، هل تعتقد أن ذلك كان سيثير نفس الجدل؟
أكيد لم يكن ليقم كل هذا الجدل، وهذه هي المشكلة اليوم، هي أني تحدثت عن الحرية الجنسية بالنسبة للمرأة في مجتمع يعتبر أن الحرية الجنسية ملك للرجل وحده ويصف النساء اللواتي يعشن حياتهن بحرية بكافة الأوصاف القدحية التي نعرفها، بينما يصف الرجل بكافة الأوصاف الإيجابية التي نعرفها.
بعد كل هذا الجدل والتهديدات، هل ساورك الندم يوما ما على ما قلته؟
(يقول بنبرة ثقة)... لست نادما على احترامي حرية نساء عائلتي، لا يمكنني الندم على مسألة كهذه.
قدمت اعتذارا للمغاربة فيه لهجة ساخرة و تلاعبا بالألفاظ، اعتبره البعض استخفافا بالمغاربة. هل أنت مصرُ على المضي قدما في طريق يعتبره البعض استفزازيا ومثيرا للجدل؟
أنا مصرُ على المضي قدما في طريق الدفاع عن أفكاري و آرائي مثلما أراها، مصر على أن أبقى على نفس المبادئ التي علمتني إياها تلك الأم وأولها أن أكون شبيه نفسي فقط وأن لا أحاول التشبه بأحد كيفما كان نوعه، حتى وإن كان مجتمعا بأكمله.
بعد كل هذه الضجة، هل ترى نفسك كاتبا ليبيراليا في مواجهة آراء محافظة، أم أنك بالأحرى كاتب مثير ومشاغب؟
أنا أتبنى الصفتين وأقول إني كاتب ليبرالي مشاغب ولا مانع في أن أكون أيضا مثيرا.
في سياق قريب، ما رأيك في دعوات الإفطار في رمضان؟
والله هي دعوات تدخل في إطار حريات الأفراد التي يجب احترامها على كل حال.
يعني أنت معها؟
لست لا معها ولا ضدها، هي حريات. يجب احترام من يصوم ومن لا يصوم. الله سبحانه وتعالى يقول بنفسه في القرآن "لا إكراه في الدين" وهو من أنزل الدين، فكيف لنا نحن كبشر أن نُكره الناس على أشياء لا يريدون القيام بها، لأنه ولو منعنا الناس من الإفطار العلني فهناك من سيأكل في بيته وبالتالي يجب احترام حرية كل فرد. هذا كل ما في الأمر.
أخيرا، هل لك كلمة أخيرة توجهها للشيخ النهاري؟
أنا اقول له باللغة الإنجليزية "enjoy " وأن يطلب من الأمريكيين الذين استضافوه أن يشرحوا له الكلمة لأني لا أعتقد أنه يجيد الإنجليزية. أدعوه إلى أن يستمتع بكل ما يقوم به الناس هناك في أمريكا. (يضحك)..
أجرت الحوار في الرباط: سهام أشطو
مراجعة: منصف السليمي