1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الشرطة الألمانية أمام معضلة قانونية بسبب برمجيات المراقبة

٢٥ ديسمبر ٢٠٢٢

تنظر المحكمة الدستورية الألمانية في مدى قانونية استخدام الشرطة لبرنامج مراقبة، تموله وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA). وقد أثار برنامج "هيسن داتا" انقساما بين الخبراء ومخاوف في عدد من البلدان الأوروبية.

https://p.dw.com/p/4LNAM
أثار استخدام شرطة ولاية هيسن لبرنامج "هيسن داتا" الكثير من الجدل
أثار استخدام شرطة ولاية هيسن لبرنامج "هيسن داتا" الكثير من الجدلصورة من: Arne Dedert/dpa/picture alliance

بدأت المحكمة الدستورية الألمانية جلسات استماع هذا الأسبوع حول استخدام "برمجيات مراقبة" جديدة من قبل الشرطة في ولايتي هيسن وهامبورغ والتي أدت إلى تغيير قوانين الشرطة فيهما بشكل مثير للجدل من أجل مواءمة الاستخدام.

يٌطلق على البرنامج اسم "هيسن داتا" (Hessendata) وهو مستوحي من برنامج "جوثام" (Gotham) الذي طورته شركة "بالانتير" (Palantir) الأمريكية فيما لم يتم استخدامه بعد في هامبورغ، لكن يجري استخدامه على نطاق واسع من قبل الشرطة في ولاية هيسن منذ عام 2017.

ورفعت "جمعية حقوق الحرية" (GFF) في ألمانيا دعوى بعدم دستورية استخدام البرنامج أمام المحكمة الدستورية، قائلة إن البرنامج يمكن استخدامه للبحث في كم كبير من البيانات المتاحة على منصات التواصل الاجتماعي بهدف إنشاء ملفات تعريف لمجرمين مفترضين قبل ارتكابهم أي جريمة.

وينوب عن جمعية حقوق الحرية في الدعوى قرابة 11 مدعيا، بينهم المحامية البارزة في فرانكفورت سيدا باساي-يلدز.

في المقابل، قالت حكومة ولاية هيس إن البرنامج يعمل فقط على تنسيق البيانات التي جرى جمعها بالفعل من مصادر أخرى مثل  كاميرات المراقبة  والسجلات العامة عبر  الإنترنت ، وهو الأمر الذي يعد حيويا لمنع الجرائم الخطيرة.

"هيسن داتا".. بحث متشعب داخل مصادر عديدة

وشهدت جلسة الاستماع من قبل المحكمة والتي عُقدت الثلاثاء الماضي (20 ديسمبر/ كانون الأول) نقاشا حيال قضايا مثل الأشياء التي يقوم بها البرنامج والأشياء التي لا يمكنه القيام بها، وهل يمكن استخدامه بما لا ينتهك القانون، فيما لا يزال الأمر يكتنفه الغموض بسبب توافر معلومات عامة قليلة عن البرنامج.

بدوره، يرى سيمون اغبرت، عالم الاجتماع والباحث في مجال "الشرطة التنبؤية" في جامعة بيليفيلد الألمانية، أن المشكلة الرئيسية تكمن في هذا الأمر خاصة أن "الشرطة استخدمت برنامج هيسن داتا للبحث 14 ألف مرة في العام".

وفي مقابلة مع DW، قال اغبرت: "يواجه الجمهور الذي ينتقد البرنامج إشكالية حتى في محاولة الخروج برأي حيال ما يحدث بالفعل".

تتولى الشرطة في ولاية هيسن التحقيق في مجموعة كبيرة من هجمات قام بها عناصر من اليمين المتطرف
تتولى الشرطة في ولاية هيسن التحقيق في مجموعة كبيرة من هجمات قام بها عناصر من اليمين المتطرفصورة من: Daniel Kubirski/picture alliance

أحد المسؤولين في حكومة هيسن شرح للمحكمة كيف أن هذا البرنامج جعل عمل الشرطة الاعتيادي أكثر فعالية، مستشهدا في ذلك بإحدى العمليات الأمنية. وقال إنه عقب القبض على مشتبه به في جريمة سرقة ماكينة صراف آلي، جرى استخدام برنامج "هيسن داتا" لتحليل جهاز الملاحة الموجود في سيارته حيث جرى إثبات أنه كان بالقرب من عمليات سطو أخرى استهدفت ماكينات صراف آلي.

وقد ذكرت منصة "Legal Tribune Online" المتخصصة في القانون بألمانيا أن استخدام البرنامج كان "قريبا جدا من عمل الشرطة التقليدي".

لكن يبدو أن البرنامج كان أكثر تغلغلا في المعلومات، إذ ذكرت "AlgorithmWatch"، وهي منظمة أبحاث وحماية مصالح، أن برنامج "هيسن داتا" عمل على تنسيق المعلومات من قواعد بيانات الشرطة مع سجلات الهاتف والحسابات على منصات التواصل الاجتماعي للتحقيق مع مجرمين وإرهابيين محتملين.

وترغب شرطة ولاية هيسن في توسيع نطاق استخدام البرنامج لإنشاء ملفات تعريف خاصة للمتورطين في  جرائم استغلال أطفال أو الاتجار بالبشر.

وقد أثار البرنامج الذي تستخدمه الشرطة الكثير من المخاوف في عدد من البلدان الأوروبية.

الجدير بالذكر أن برنامج جوثام، وهو اسم المدينة الخالية التي كان يكافح فيها باتمان الجريمة في أفلام الخيال العلمي، يعد مشروعا مشتركا بين شركة "بالانتير" الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).

وقالت جمعية حقوق الحرية في ألمانيا إن قدرات البرنامج ترتقي إلى خوارزميات ما يعرف باسم "الشرطة التنبؤية" الخاصة باستخدام البيانات المتوافرة على الإنترنت للتنبؤ بالجرائم والكشف عن هوية المجرمين.

كذلك أثار البرنامج المخاوف من احتمالية أن يدخل في استخدامه تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل إنشاء ملفات تعريف خاصة بالمجرمين المحتملين على أساس عرقي.

يشار إلى أن الشرطة الألمانية، خاصة في ولاية هيسن، قد واجهت دعاوى قضائية حيال مزاعم القيام بإعداد ملفات للأشخاص على أساس عرقي.

يتم جمع العديد من البيانات عن حياتنا الخاصة عن طريق الهاتف.

أيهما أولا: الاشتباه أم التحقيق؟

وشدد وزير الداخلية المحافظ بحكومة ولاية هيس، بيتر بويت، الثلاثاء الماضي على أن برنامج "هيسن داتا" لا يقوم بإعداد ملفات للأشخاص بشكل تلقائي باستخدام معلومات على منصات التواصل الاجتماعي أو على شبكة الإنترنت، كما أن البرنامج لا يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وأكد للقضاة على أن البرنامج ليس سوى منصة لدمج البيانات المتاحة بالفعل، مضيفا "نستخدمه فقط لجمع كل المعلومات الخاصة بالتهديد حتى يمكننا تحديد مصدر التهديد".

من جانبه، قال ممثل حكومة ولاية هامبورغ في جلسة المحكمة الثلاثاء الماضي، ماركوس تيل، وهو أستاذ القانون في جامعة الشرطة الألمانية، إن القانون يعد واضحا للغاية حيال ما يمكن للشرطة القيام به وما لا يمكن القيام به.

وفي مقابلة مع DW، أضاف "بالنسبة لي، من المهم جدا أن تضع المعايير التي تفرضها القوانين في هيس وهامبورغ، شروطا مسبقة واضحة. إنهم يؤكدون أن البرنامج يُستخدم فقط لمنع الجرائم الخطيرة وصد التهديدات الخطيرة فقط".

وشدد أستاذ القانون على أن "القواعد لا تسمح للشرطة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة المواطنين باستمرار من أجل إعداد ملفات للأشخاص في أي وقت في المستقبل. لا يحمل الأمر تقليدا لفيلم ماينوريتي ريبورت ( تقرير الأقلية) بهدف التنبؤ بالجرائم. يتطلب القانون أن يكون لدى الشرطة بالفعل معلومات عن وجود تهديد".

يعمل برنامج "هيسن داتا" على تنسيق المعلومات المتوافرة في بيانات الشرطة مع سجلات الهاتف وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي
يعمل برنامج "هيسن داتا" على تنسيق المعلومات المتوافرة في بيانات الشرطة مع سجلات الهاتف وحسابات وسائل التواصل الاجتماعيصورة من: DW

يشار إلى أن فيلم "ماينوريتي ريبورت" (Minority Report) والذي هو من بطولة النجم الأمريكي توم كروز، يدور حول استخدام العلماء لأشخاص لديهم قدرات ذهنية خارقة وقاموا بعمل ارتباط بين أدمغتهم وبين عشرات الأجهزة التي أمدتهم بصور ومعلومات حول مشتبه بهم ومواقف وأحداث مختلفة ليتمكنوا من خلالها من توقع جرائم القتل قبل وقوعها.

تنسيق المعلومات المتاحة

وشدد تيل على أن برنامج "هيسن داتا" يعد في الأساس "منصة توفر لمحة ونظرة عامة على البيانات المتوافرة إذ يمكن على سبيل المثال تحديد مجموعات من المخالفين، فيما يمكن استخدام البرنامج للتحقيق مع متورطين في جرائم تتعلق بالمواد الإباحية عن الأطفال".

بدوره، شدد سيمون اغبرت، عالم الاجتماع والباحث في مجال "الشرطة التنبؤية" في جامعة بيليفيلد الألمانية، على أن المشكلة المتعلقة بالبرنامج تكمن في أنه في الوقت الذي يتعين فيه على الشرطة تقديم سبب لاقتحام الحياة الخصوصية، يعمل البرنامج تلقائيا على  "عكس ما هو منتظر ومفترض".

وقال إنه جرى جمع الكثير من البيانات بعضها من  منصات التواصل الاجتماعي  وباتت في حوزة الشرطة في إطار تحقيقات مختلفة تماما، مضيفا "فقط، بعدما تتم عملية البحث، يمكن معرفة ما إذا كانت مبررة أم لا".

ويشدد النشطاء في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية على أن القانون ينص على ضرورة ارتباط التحقيق بغرض معين، ما يعني ضرورة ألا يمتلك برنامج "هيسن داتا" خاصية الوصول إلى كم كبير من البيانات التي لا تتعلق بالمشتبه بهم محل التحقيق.

وفي ذلك، قال اغبرت: "أرى أنه يجب مناقشة الأمر بشكل مناسب سواء كان ذلك مسموحا به أم لا "، مضيفا أن مبعث قلقه يرجع إلى قيام حكومة هيسن بتغيير القانون المنظم لعمل الشرطة ليناسب برنامج "هيسن داتا".

وأضاف "عندما تقرر الحكومة أنها تريد استخدام برامج معينة ثم تقوم بعد ذلك بتغيير القوانين المتعلقة، فإن هذا موضع شك بحسب اعتقادي. والآن بعد أربع سنوات (من استخدامه)، سوف تقرر المحكمة الدستورية في كارلسروهى ما إذا كان ذلك قانونيا أم لا".

يشار إلى أن قضية "هيسن داتا" باتت أكثر تعقيدا عندما كلف برلمان ولاية هيسن لجنة تحقيق للوقوف على ما إذا كانت التدابير التي قامت بها حكومة الولاية قانونية أم لا.

وفي سياق متصل، قال إغبرت إن هذا الأمر يشمل قضية "ثانوية"، مضيفا "أعتقد أن هذا يمثل إشكالية في حد ذاته إذ يبدو أن المعارضة ليس لديها طريقة أخرى للتأثير على الإجراء".

ويرى خبراء القانون أن حسم قضية قانونية برنامج "هيسن داتا" سوف يستغرق شهورا حتى تصدر المحكمة الدستورية قرارها، فيما ستمضي الشرطة في هيس وربما في هامبورغ قدما في استخدام البرنامج.

بن نايت / م ع