1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الصحافة في تونس.. خطر الاضمحلال وغياب الآفاق!

طارق القيزاني
١٧ فبراير ٢٠٢٤

أطلقت منظمات حقوقية في تونس صيحة فزع من خطر اضمحلال دور الصحافة لأسباب لا تقتصر على الأزمة المالية، ويزيد الطين بلة القيود التي تفرضها السلطة السياسية في وقت يفتقد فيه القطاع لآفاق يمكن بفضلها مساعدة الصحافيين العاطلين.

https://p.dw.com/p/4cR4t
جانب من استوديو تابع لإذاعة شمس الخاص التي تم توقيف عملها، تونس 16 فبراير/ شباط 2023
جانب من استوديو تابع لإذاعة شمس الخاصة التي تم توقيف عملها، هل هذا بداية لإنهاء عمل وسائل إعلام أخرى؟صورة من: Tarek Guizani/DW

أطلقت منظمات حقوقية في تونس صيحة فزع من خطر اضمحلال دور الصحافة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية وقيود السلطة السياسية في وقت يفتقد فيه القطاع الى آفاق واضحة للمئات من الصحافيين العاطلين.

تخلت نسرين قطاطة مؤقتا عن حلمها بأن تمضي بطموحاتها المهنية في الصحافة التي أحبتها ودرستها بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، وهي المؤسسة الجامعية والعمومية الوحيدة التي تُدّرس هذا الاختصاص  في تونس. وتعاني نسرين التي عملت لسنوات كصحفية مستقلة (فريلانسر)، من بطالة قسرية بسبب انحسار فرص العمل في تخصصها وضعف العائد المالي من أعمالها المتقطعة. وبدل الاستسلام للبطالة توجهت الى شغفها القديم بأدوات الزينة التقليدية والأكسسوارات المصنعة من الحجارة الطبيعية. وتأمل نسرين من خلال تسويق منتجاتها على السوشيال ميديا، في ضمان دخل لعائلتها يعوضها عن الكساد الذي يضرب قطاع الصحافة في تونس.

وتروي نسرين تجربتها لـ DW عربية قائلة: "كانت مجرد هواية ولم تكن لي اي خبرات في تصنيع الموديلات أو التسويق. لكن تلقيت التشجيع والدعم من المقربين لأدخل التجربة من بابها الواسع. الآن أمل أن تسير الأمور بشكل جيد. عليَ التفكير في مستقبلي  ومستقبل ابني وضمان مورد رزق".

وتعد نسرين من القلائل الذين سعوا الى ابتكار حلول من بين مئات الصحفيين العاطلين. ولكنها مع ذلك تأمل في أن يستعيد القطاع عافيته سريعا والعودة الى مهنتها بمجرد توفر العرض المناسب. وتعترف الصحفية في حديثها مع DW عربية بان الأمر ليس بالسهولة المتوقعة بسبب العوائق العديدة التي تكبل الصحافة في تونس اليوم. وتتابع في شهادتها: "عملت سنوات كمراسلة مقابل الحد الأدنى من العائد المالي، لكن لم اشعر بتطور ولا بالراحة ولم تكن هناك اي ضمانات للمستقبل. يعاني القطاع من المحسوبية ونفوذ اللوبيات".

وقفة احتجاجية ضد القيود المفروضة على حرية الصحافة، تونس، 16 فبراير/ شباط 2023
وقفة احتجاجية ضد القيود المفروضة على حرية الصحافة في تونس، هل تفقد البلاد حرياتها الصحفية؟صورة من: Tarek Guizani/DW

أزمة هيكلية عميقة ومزدوجة!

وفي حين يُنظر إلى تونس كنقطة ضوء لحرية الصحافة وهامش الديمقراطية الأوسع في المنطقة العربية منذ ثورة الربيع التي قادتها في 2011، فإن نقابة الصحافيين التونسيين تقول إن الصحافة في عام 2024، تمر في تونس بأخطر مرحلة في تاريخها بسبب  "أزمة هيكلية عميقة"  تهدد وجودها. وذهبت المنظمة الى حد التحذير من اندثار المهنة بسبب الأزمة المزدوجة، من ناحية قتصادية ومالية، وأيضا من ناحية سياسية تشمل موقف السلطة ونواياها الحقيقية إزاء قطاع الصحافة.

وتأتي المفارقة في اليوم العالمي للإذاعة لتكشف عن حجم الازمة في تونس، حيث حذر رئيس النقابة التونسية للإذاعات الخاصة، كمال ربانة من عدم قدرة اغلب الاذاعات الخاصة على توفير أجور موظفيها بسبب شح الموارد مع تركز سوق الاعلانات أكثر فأكثر على السوشيال ميديا.

ويأمل ربانة بأن تتخذ الحكومة اجراءات لاحتواء هذه الظاهرة. لكن لا توجد اي ضمانات حقيقية على التقاط السلطة لهذا النداء. ومن جهته دق نقيب الصحفيين زياد دبار ناقوس الخطر مع اضطرار قرابة 80 بالمئة من مؤسسات الاعلام الخاص الى الاغلاق بسبب الضائقة المالية والاقتصادية، في وقت يتخبط فيه الإعلام العمومي بدوره في ازمة إدارية وهيكلية أثرت بشكل كبير على انتاجه للمضامين الإعلامية.

وفي حديثه مع DW عربية لم يستبعد دبار وجود سياسة منظمة من السلطة لدفع  قطاع الاعلام  الى الحافة، والتغاضي عن اتخاذ اي خطوات عملية لإنقاذ القطاع. ويوضح نقيب الصحافيين في تعليقه بالقول: "تعاني كل مؤسسات الاعلام في العالم من تبعات الازمة الاقتصادية واتجه كثير منها الى خدمة الديجيتال. لكن في تونس هناك فراغ مؤسساتي ولا توجد سياسة عمومية واضحة تجاه الاعلام والثقافة".

وتشكو ما تبقى من وسائل الاعلام التي تكافح من أجل الاستمرار، من توزيع غير عادل للإشهار العمومي، وهو دخل كان يمكن ان يضمن لها الحد الادنى للحصول على جزء من التزاماتها المالية. ولكن الصحافيين يلقون باللائمة على رؤوس الأموال التي استحوذت على مشاريع اعلامية ولكنها أدارت ظهرها لحقوق الصحافيين المالية والاجتماعية. وقال زياد الدبار "غالبا ما تقترن هذه الاستثمارات في القطاع الخاص ضمنيا بمشاريع سياسية. وعمليا تسببت هذه الاستثمارات في عمليات تخريب للإعلام وفي تفشي موجة من الرداءة في المضامين".

التفاوض مع من؟

وتواجه النقابة معضلة في التفاوض مع الحكومة بشأن أوضاع القطاع، والسبب أن الجهاز الحكومي ومنذ استحواذ الرئيس  قيس سعيد  على السلطة بعد اطاحته بالنظام السياسي في 2021 لم يعين مسؤولين او متحدثين باسم الحكومة للتفاوض مع النقابة او حتى للتحدث الى الرأي العام. وتخير مؤسستي الرئاسة والحكومة والوزارات نشر البيانات ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي. وتسبب هذا في انحسار تداول المعلومات والأخبار على نطاق واسع.

ولم يتسن لمؤسسة DW عربية الحصول على ايضاحات من مسؤولين من رئاسة الحكومة بشأن خطط الدولة   لإصلاح قطاع الإعلام. كما لم تتلق المؤسسة أيضا ردا على رسالتها عبر البريد الالكتروني.

ولكن الحكومة بعثت بإشارات غير مطمئنة بعد قرارها الحاق الصحافيين في اذاعة "شمس اف ام" الخاصة والمصادرة من قبل الدولة، بالاذاعة الوطنية. واذاعة "شمس اف ام" هي من بين مؤسسات اعلامية اخرى صادرتها الدولة من أصحاب رؤوس اموال مرتبطة بالنظام السائد قبل ثورة 2011 او بمقربين منه. وبدل تسوية وضعيتها وتسوية أجور موظفيها تم في نهاية المطاف التخلي عن المؤسسة التي اختفى وجودها من الساحة الاعلامية. وليس واضحا مصير باقي المؤسسات التي تعاني من نفس المشكل.

على العموم وبالعودة الى تصريحات الرئيس قيس سعيد، فإن مواقفه لم تخل من انتقادات متواترة للإعلام ومنظمات المجتمع المدني بشكل أوسع، لاتهامها أساسا بتلقي "تمويلات أجنبية". كما وجه انتقادات صريحة للخط التحريري لمؤسسات اذاعية وتلفزيونية على أساس أنها تتحامل على السلطة وتخدم "أجندات سياسية" مناوئة لحكمه.

وينظر المراقبون بارتياب الى نوايا السلطة المعلنة بتعديل المرسوم 88 لعام 2011 الذي ينظم نشاط الجمعيات، حيث يشترط التعديل مثلا حصول المنظمات على موافقة الحكومة قبل تلقي التمويل الأجنبي والحصول على التأشير من الحكومة وتقديم نسخة من نظامها الأساسي قبل النشر بالجريدة الرسمية. كما يتضمن التعديل منعا لمسيري الجمعيات من الترشح إلى الانتخابات السياسية.

صحفيون في تونس يتضاهرون ضد تقييد حرياتهم، تونس في 16 فبراير/ شباط 2023
الصحفيون في تونس يواجهون إجراءات التضييق، هل تفقد البلاد صحافتها الليبرالية؟صورة من: Tarek Guizani/DW

ورفضت 46 منظمة حقوقية في بيان مشترك أي خطوة لتعديل أو لإلغاء المرسوم، بدعوى أنه يهدد فعليا  دور المجتمع المدني  كقوة ضغط ورقابة، كما يوجه ضربة لما تبقى من مكاسب الديمقراطية التي جاءت بها ثورة 2011. وحذرت المنظمات من أن الخطوة تنطوي على رغبة السلطة في "التحكم والسيطرة على الفضاء العام والقضاء التدريجي على الأجسام الوسيطة".

انتكاسة وقيود

لكن الازمة في قطاع الاعلام تحديدا تجد جذورها في أسباب أبعد من ذلك. ويقول زياد الهاني الصحفي البارز والمعارض لسياسات الرئيس قيس سعيد، في حديثه لـ DW عربية إن "الانقلاب الذي حدث في 25 تموز/يوليو 2021 لم يستهدف مؤسسات الحكم فقط، فالانتكاسة الاكبر تمثلت أيضا في الانقلاب على حرية الراي والصحافة والمرسومين المنظمين للقطاع ( 115 و116) الذين صدرا بعد ثورة 2011".

والهاني صحافي مخضرم ومنتقد لسياسات النظام الحاكم منذ عهد بن علي قبل ثورة 2011. وكانت له مدونة خاصة على شبكة الانترنت في ظل القيود على  حرية الصحافة  آنذاك. وواصل لاحقا بعد أحداث الثورة انتقاداته للسلطة واتحاد الشغل القوي وتعرض للإيقاف في 2013.

كما يعد الهاني أبرز ضحايا تخلي السلطة عن القوانين المنظمة لقطاع الصحافة، عبر تحريكها دعاوي قضائية استنادا الى قوانين أخرى كقانون مكافحة الارهاب وغسيل الاموال، او المرسوم 54 المنظم للجرائم المرتبطة بأنظمة الاتصال والمعلومات الذي اصدره الرئيس سعيد نفسه.

وتقول النقابة إن نحو 20 صحافيا ملاحقون من القضاء. وتعرض الهاني الى الايقاف في السجن لمدة تفوق الشهر بعد انتقادات علنية وجهها لوزيرة التجارة. وتحدث الصحفي الذي يخضع للعلاج ضد مرض السرطان، مع DW عربية بعد قرار القضاء اخلاء سبيله بعقوبة سجنية لمدة ستة أشهر مع ايقاف التنفيذ.

ومع ان الهاني تعرض للايقاف في اكثر من مناسبة إلا انه يعترف لـDW عربية بأن الملاحقة القضائية والعقوبات التي تعرض لها منذ عام 2021 تعد الأكثر "قمعا". وبعد التخلي عنه من قبل اذاعة "ابتسامة اف ام" الخاصة ابان مغادرته للسجن، لجأ الى تقديم فقرات نقدية وساخرة للسلطة على منصة "كشف ميديا" المستقلة التي تبث برامجها على تلفزيون واب  عبر السوشيال ميديا.

ويقول زياد "كلما أغلقوا منبرا فتحت منبرا جديدا. وكلما حاولوا اسكات صوتي أبحث عن مجالات وأطر أخرى للمحافظة على خطي ورسالتي في الدفاع عن   حرية الصحافة  وفي أن اكون سلطة مضادة".

يشار إلى ان تونس تراجعت وفق آخر ترتيب سنوي لحرية الصحافة من قبل منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى المركز 121 من ضمن 180 دولة، بعد أن كانت في المركز 94 عام 2022 وفي المركز 73 عام 2021 لتخسر بذلك الصدارة العربية إلى المركز الخامس خلف جزر القمر، وموريتانيا، وقطر ولبنان.