الحركة النسوية الإيرانية بين التهميش وغياب البديل السياسي
يعود تاريخ الحركة النسوية في إيران إلي أوائل القرن العشرين حيث بدأت في ذلك الوقت بالخروج من شرنقتها ودخول المعترك الاجتماعي والسياسي، وإصدار صحفها الخاصة بها. وقد حاول الشاه رضا البهلوي (25 -1941)، الذي انبهر بالتطورات التي شهدها العالم الغربي، تقليد ما قام به نظيره التركي كمال أتاتورك في جميع المجالات، وخاصة فيما يتعلق بتفعيل دور المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية.
|
ولكن أسلوب العنف الذي طبقه نظام الشاه، والذي لم يحترم تقاليد اجتماعية إيرانية تبلورت عبر أجيال طويلة، وإجباره النساء الإيرانيات على كشف حجابهن في الشوارع والدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، من دون فتح المجال لعملية إصلاح جذرية قائمة على حوار عقلاني بين كل أطراف الطيف السياسي الإيراني، أدي إلى فقدان الحركة النسوية الإيرانية لثقتها في جهاز حكمه الفاسد.
مشاركة فاعلة للمرأة الإيراني
شاركت المرأة الإيرانية مشاركة فاعلة في الثورة الإسلامية عام 1979، وهو ما تجلى في الملايين من النساء اللواتي شاركن في التظاهرات الجماهيرية ضد نظام الشاه الظالم. وعلى الرغم من ذلك قيد النظام السياسي الجديد، الذي هيمنت عليه نظرة "ولاية الفقيه" للخميني، الحرية الأساسية للمرأة، وفرض عليها الحجاب باعتباره فرضاً دينياً لا لبس في صحته، كما منعها من ترك البيت. والجدير بذكره في هذا السياق هو أن الإمام الخميني أصر على ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية رجلا ومن الشيعة الإثنى عشرية. ولهذا تقرر في المادة 118 من الدستور الإيراني أن يكون منصب رئيس الجمهورية مقصوراً على الرجال فقط.
تحسن ملحوظ بفضل خاتمي
تبني الرئيس الإيراني الإصلاحي محمد خاتمي برامجاً إصلاحياً، وموقفه السياسي الواضح الذي دفع به، مراراً وتكرارأً، إلى التشديد على ضرورة احترام حريات الإنسان الأساسية، ساهما في تحسن وضع المرأة الإيرانية في فترته الرئاسية الأولى. ولكن نجاح التيار المحافظ المهيمن على مراكز صناعة القرار الرئيسية بتقييد الحريات الجديدة وممارسة إجراءات قمعية ضد الصحف والمجلات الليبرالية في فترة رئاسته الثانية أدى إلى تراجع ملحوظ في وتيرة عجلة الإصلاح. ووصل هذا التراجع إلى ذروته في محيط الانتخابات البرلمانية في عام 2004 حيث منع مجلس المراقبة، الذي يحق له وفقاً للدستور المصادقة على الترشيحات المقدمة أو رفضها، عدد كبير من النواب الإصلاحيين من المشاركة في هذه الانتخابات، وهو ما أدى إلى "انتصار" كبير للتيار المحافظ في هذه الإنتخابات.
استحالة وقف عجلة الإصلاح كاملاً
والي جانب ذلك شهد المجتمع الإيراني خلال العقد الأخير تطورا في الحركة النسوية الإيرانية، حيث تم إنشاء عديد كبير من المنظمات غير الحكومية وصل إلى 2500 منظمة، علاوة على الجمعيات والمؤسسات المدنية الخاصة بها. كما ساعد فوز شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام على تحفيز الناشطات الإيرانيات لمواصلة كفاحهن السياسي. وعلاوة على ذلك فإن هناك معطيات على أرض الواقع تجعل التهميش الكامل لدور المرأة الإيرانية أمراً مستحيلاً. فعلى سبيل المثال تجاوز عدد الطالبات في الجامعات الإيرانية عدد الطلبة في الأعوام الأخيرة حيث بلغ أكثر من 50% من كل الطلبة الجامعيين.
وفي الحقيقة، فإن المطلب الراهن للمرأة الإيرانية الذي يصر على تفعيل مشاركتها في العملية السياسية، يتناقض كلية مع ما يتوقعه المجتمع التقليدي منها. وعلى الرغم من أن الحركة النسوية الإيرانية ولدت من رحم هذا التناقض، إلا أنها لا تعقد آمالاً كبيرة على الرئيس القادم، ولا تجري وراء شعارات ووعود انتخابية غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع في ظل هيمنة مجلس الرقابة على القرار السياسي الإيراني، وغياب بديل سياسي مقتع، واستبعاد إعادة صياغة الدستور.
لؤي المدهون