1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

البراغماتي "الصامت" شولتس.. وتحدي البقاء في منصب المستشار

٢٠ فبراير ٢٠٢٥

تشهد ألمانيا انتخابات برلمانية مبكرة. وفي حين أنَّ فرص الاشتراكي الديمقراطي تراجعت كثيرًا مقابل منافسيه، يرفض مرشحه لمنصب المستشار أولاف شولتس الاستسلام. فهل تتكرر "مفاجأة" الفوز للسياسي الأقل شعبية، كما حدث قبل ذلك؟

https://p.dw.com/p/4qBSh
المستشار الألماني أولاف شولتس خلال جلسة البرلمان للتصويت على الثقة بالحكومة (16/12/2024)
شولتس شخص لا يقول إلا ما يجب قوله، ولذلك لم يستحسن مواطنيه صمت رئيس حكومتهم حتى في الأزمات الكبرى ونادرًا ما يجد الكلمات المناسبة.صورة من: Sean Gallup/Getty Images

 

في شهر أيلول/سبتمبر 2024 سُئل أولاف شولتس في حوار مع صحيفة "تاغس شبيغل" البرلينية ماذا يأمل أن يكتب التاريخ ذات يوم عنه كمستشار؟. وكان الجواب القصير والجاف من هذا الرجل الذي يبلغ عمره اليوم 66 عاما: "أعتقد أنَّه يجب توخي الحذر من السياسيين الذين يفكرون في ذلك قبل أو خلال توليهم مناصبهم".

ولكن في هذه الأثناء ربما يكون بدأ التفكير في ذلك، بعدما انهارت حكومته الائتلافية المكونة من حزبه  الحزب الاشتراكي الديمقراطي  وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي، وتقرر لذلك إجراء انتخابات مبكرة في 23 شباط/فبراير 2025. وفي استطلاعات الرأي جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي متخلفًا كثيرًا عن حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري المحافظين، وحزب البديل من أجل ألمانيا، المصنف متطرفا في بعض الولايات وكذا بعض أجنحته. وإذا لم ينجح شولتس في عكس هذا الاتجاه فستكون فترة ولايته هي الأقصر بين جميع المستشارين الألمان خلال العقود الخمسة الماضية.

أنهارات في النهاية جميع القواسم المشتركة: المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس، ونائبه وزير الاقتصاد من حزب الخضر روبرت هابيك، ووزير المالية الاتحادي زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي كريستيان ليندنر. (8/11/2023)
أنهارت في النهاية جميع القواسم المشتركة: المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس، ونائبه وزير الاقتصاد من حزب الخضر روبرت هابيك، ووزير المالية الاتحادي زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي كريستيان ليندنر.صورة من: Markus Schreiber/AP/picture alliance

المتفائل الصامد

ولكن أولاف شولتس يراهن على الفوز وبإصرار تمامًا كما فعل في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2021 - والتي فاز فيها عكس التوقعات. ففي تلك الحملة الانتخابية أيضًا، كانت نسبة تأييد حزبه الاشتراكي الديمقراطي تبلغ نحو 15 بالمائة في استطلاعات الرأي وكان شولتس موضع سخرية بسبب تفاؤله الصامد. وبعد أن ارتكب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي خطأً إضافيًا، فاجأ الاشتراكيون الديمقراطيون الجميع بفوزهم في تلك الانتخابات. وشولتس يذكّر بذلك مرارًا وتكرارًا في حملته الانتخابية الحالية عام 2025. ولكن هذه المرة لا شيء يشير إلى حدوث تحول في هذا الاتجاه. والحزب الاشتراكي الديمقراطي يريد تحقيق نقاط من خلال القضايا الديمقراطية الاجتماعية الكلاسيكية. فهو يعد بمعاش تقاعدي آمن، وبتخفيف الأعباء المالية على الأسر وأصحاب الدخل المتوسط وحماية المناخ بتكاليف معقولة. ويريد إنعاش الاقتصاد الألماني الضعيف، ويريد من أجل ذلك تخفيف نظام كبح الديون، الذي يمنع الدولة من تحمّل ديون جديدة. الدولة تحتاج "إيرادات من القروض"، كما يقول شولتس. ويعد بالتعامل بعقلانية وحكمة في السياسة الخارجية، خاصةً فيما يتعلق بتوريد الأسلحة إلى أوكرانيا.

ألمانيا- القرب من الناخبين وصفة"الاشتراكي الديمقراطي" للنجاح

عندما غزت روسيا أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، كان أولاف شولتس مستشارًا منذ ثلاثة أشهر فقط. ومنذ ذلك الحين أصبح السؤال المطروح هو كيف يمكن لألمانيا أن تدعم أوكرانيا عسكريًا من دون أن تتورط في الحرب. وشولتس كان يجيب دائمًا على هذا السؤال بشكل يجعله محل اتهام من قبل معارضيه بالتردد. وهو نفسه يصف ذلك بأنَّه عقلانية وحكمة. وهذه الحرب كان وما يزال لها عواقب وخيمة: أزمة الطاقة، والتضخم، وانهيار اقتصادي. ويضاف إلى ذلك النزاع الأوروبي حول موضوع الهجرة واللجوء وتحقيق المتطرفين اليمينيين نجاحات انتخابية غير مسبوقة. ولم يسبق من قبل لأية حكومة اتحادية أن واجهت هذا العدد الكبير من المشكلات في وقت واحد مثل حكومة " إشارة المرور " المكونة من ائتلاف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي.

Deutschland Bonn | Regionalkonferenz SPD 2003 | Olaf Scholz und Gerhard Schröder
 أولاف شولتس عام 2003 عندما كان الأمين العام للحزب الديمقراطي الاشتراكي بجانب المستشار الأسبق غيرهارد شرودرصورة من: imago images

ائتلاف "إشارة المرور" ـ نزاع علني مستمر

والائتلاف المسمى بـ"إشارة المرور" كان تحالفًا بين حزبين يساريين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر) وحزب ليبرالي اقتصاديًا (الحزب الديمقراطي الليبرالي)، وتشكل بسبب الاضطرار إلى إيجاد أغلبية برلمانية. ولم يتمكن هذا الائتلاف من التغلب لفترة طويلة على تناقضاته السياسية. وبسبب خلافاتها المستمرة، استطاعت هذه الحكومة الائتلافية أن تصبح الحكومة الأقل شعبية على الإطلاق في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية.

ومع ذلك يبدو أنَّ شولتس لم يتأثر قط حتى بفقدانه ثقة المواطنين. ولم يتأثر بكونه أصبح المستشار غير المحبوب على الإطلاق. شعاره هو: أخذ استطلاعات الرأي بعين الاعتبار، ولكن عدم التعليق عليها أو توجيه سياساته حسبها. وأن يشير دائمًا إلى أنَّ كل شيء ممكن.

شولتس ـ تاريخ سياسي ومسيرة مهنية

وبالنسبة لشولتس، كان منصب المستشار تتويجًا لمسيرته المهنية السياسية، التي بدأها منذ عقود من الزمن في منظمة شباب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث كان بصفته نائبًا لرئيسها ما يزال يدافع عن أطروحات اشتراكية راديكالية ومعادية للرأسمالية. وتوجد سنوات عديدة بين انضمامه إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي عندما كان طالبًا عام 1975 وانتخابه نائبًا في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) عام 1998. وخلال هذه السنين عمل شولتس كمحام مخصص في قانون العمل في مكتبه الخاص في هامبورغ وقد تعلم الكثير عن كيفية عمل الاقتصاد وريادة الأعمال الحرة. وقد أثر به ذلك، ولم يعد لديه أي اهتمام بالسياسة اليسارية.

احتدام المنافسة بين شولتس وميرتس قبل الانتخابات

اكتسب شولتس مهاراته السياسية من خلال عمله وزيرًا للداخلية في ولاية هامبورغ ووزيرًا اتحاديًا للعمل في الائتلاف الحكومي الكبير بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل، وأخيرًا كأول عمدة لمدينة هامبورغ لفترة طويلة. "مَنْ يطلب مني القيادة يحصل عليها"، بهذه الكلمات تولى منصبه في المدينة الهانزية هامبورغ عام 2011. وفي عام 2018، عاد إلى برلين وزيرًا اتحاديًا للمالية ونائبًا للمستشارة في ائتلاف حكومي كبير جديد بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل.

 

"الشولتسماتيكي"

وقد أثرت به أيضًا الأعوام من 2002 إلى 2004 عندما كان الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى جانب المستشار  غيرهارد شرودر  في تلك الفترة. وفي هذه الفترة نشأت كلمة جديدة تميّزه كثيرًا. فقد قامت صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية في هامبورغ بتحويل كلمتي "شولتس" و"أوتوماتيكي" إلى "شولزوماتيكي"، وذلك لأنَّه كان يتحدث عمليًا بعبارات تكنوقراطية فقط. مثل آلة أوتوماتيكية مهمتها تكمن في "تسويق" السياسة بعزم وصمود وبدون عواطف.

لم يتخلص شولتس أبدًا من صورة البيروقراطي الممل والذي لا يعرف المرح. كان يرى نفسه كشخص عملي لا يحب وضع نفسه في المقدمة. رجل لا يدلي بكلمات كبيرة، بل هو شخص لا يقول إلا ما هو ضروري للغاية. شخص يحاول العمل بشكل هادئ وفعال بقدر الإمكان.

شخص غير مرغوب به في قيادة الحزب

وفقط في مرحلة متأخرة تعلم أولاف شولتس أنَّ العمل في السياسة يعني أيضًا تسليط الضوء على نفسه وعلى رسالته و"تسويقهما" بشكل جيد. وقد لوحظ ذلك للمرة الأولى عندما قام مرشحو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بجولة عبر ألمانيا في خريف عام 2019 من أجل رئاسة الحزب.

وحينها بدا شولتس أكثر عاطفية، وأكثر انفتاحًا، وقبل كل شيء أكثر ودية، لكنه - كان كعادته واثقًا من نفسه - ولم يخفِ أنَّه كان يحسب لنفسه أفضل فرص الفوز برئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وتفاجأ كثيرًا بخسارته أمام ثنائي سياسي يساري غير معروف إلى حد كبير.

من خاسر إلى مرشح لمنصب المستشار

وهنا ظهر مرة أخرى ما يستطيع فعله شولتس: الإصرار والمضي قدمًا. فقد ركز على عمله الحكومي كوزير للمالية وامتنع عن توجيه أية انتقادات إلى الثنائي القيادي عديم الخبرة السياسية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي .

ولذلك كافأه حزبه على ولائه، فقد تم اختياره من قبل رئيسي الحزب في آب/أغسطس 2020 مرشحًا لمنصب المستشار، مع العلم أنَّهما لم يكونا مؤهلين لذلك، بينما شولتس كانت لديه خبرة سياسية. بالإضافة إلى ذلك فقد حقق خلال جائحة كورونا نقاطًا إيجابية كوزير للمالية، وذلك من خلال تعامله بسرعة وتقديم القروض والمساعدات المالية. إنَّ هذه "فقاعات" و"فقاعات مزدوجة" - بهذه المصطلحات عبَّر باختصار وايجاز عما يحتاج الآخرون إلى كثير من الكلمات للتعبير عنه.

المستشار الصامت

شولتس لا يقول إلا ما يجب قوله، وقد بقي كذلك حتى عندما أصبح مستشارًا - وأخطأ في تقدير أنَّ هذه الوظيفة تحتاج إلى تواصل أكثر بكثير. ولذلك لم يستحسن المواطنون رئيس حكومتهم الذي يبقى صامتًا حتى في الأزمات الكبرى ونادرًا ما يجد الكلمات المناسبة.

وانخفاض مستوى شعبيته جعل البعض في الحزب الاشتراكي الديمقراطي يفكرون إذا كان من الأفضل لحزبهم أن يدخل الانتخابات الاتحادية 2025 مع وزير الدفاع بوريس بيستوريوس كمرشح رئيسي، لا سيما وأنَّ هذا الأخير أصبح في استطلاعات الرأي منذ عدة أشهر السياسي الأكثر شعبية في ألمانيا. ولكن شولتس لم يسمح بسحب ترشحه.

أعده للعربية: رائد الباش