الإرهاب الإسلاموي تحت مجهر الكاتب الألماني إنتسينبيرغر
٢٥ ديسمبر ٢٠٠٦يستهل انتسنسبيرغر كتابه، الذي نشره في صياغته القصيرة الأولى في مجلة "دير شبيغل" قبل عام بالضبط ثم توسع به ليتناول معطيات أخرى تضيء جوانب غامضة من شخصية الخاسر، يستهله بعقد مقارنة بين الموقف القدري الاستسلامي للبعض إزاء الخطر الذي يمثله الخاسر المتطرف وبين التصدي لهذا الخاسر فكريّاً وثقافياً وأمنياً أيضاً.
انتسنسبيرغر يرى أن الخطر أكبر بكثير من أن يبسّطه أولئك القدريون إلى حد "الابتذال الميتافيزيقي"، بحجة أن الشخص الخاسر نفسه هو نتاج العولمة والتنافس الحرّ والرأسمالية والاستعمار، تماماً كالشخص المستفيد من هذه الظواهر العالمية. ويعتقد أن الاكتفاء بالعوامل المادية والاقتصادية والتحليل التجريبي، لا يؤدي إلى فهم دخيلة الخاسر المعقدة. فهو من وجهة نظره قابل للانفجار في كلّ لحظة، لأنه لا يرى حلاّ آخر لأزمته سوى الانفجار الذاتي، وهو يحاول دائماً أن "يصعّد من حالة الغيثان التي يعاني من وطأته." فهو الأب الذي يقتل زوجته ثم أطفاله لينتحر في الأخير، أو هو المتطرف الإسلاموي الانتحاري، الذي يفجّر نفسه مع الآخرين في وسائل النقل العامة.
وغالباً ما يكون السبب الذي يدفع الخاسر إلى العمل الانتقامي السريع تافهاً، ربما يعود إلى تبرّم زوجته من أمر ما، أو أن الموسيقى في بيت الجيران بدت له مزعجة؛ وفي حالة المسلم المطرف فإنه يقدم على الجريمة بسبب تفوّق الآخر ونمط حياته المغاير لما يتصوره هو عن الحياة الحقيقية.
أما القوى التي يعتقد أنها تهدد وجودة فيمكن التعرّف عليها بسهولة، فهي مجسّدة بالأجانب والمخابرات والشيوعيين والأمريكان والشركات الكبرى والسياسيين والكفّار، وغالباً ما تكون مجسّدة باليهود.
الإرهاب الإسلاموي في عصر العولمة
وبعد أن يحصى انتسنسبيرغر ثمانية وخمسين تنظيماً إرهابياً، منها الجيش الجمهوري الإيرلندي و"إيتا" الباسكية ومنظمة الألوية الحمراء الألمانية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها، يصل إلى استنتاج مفادة أنَّ ليس هناك سوى حركة واحدة مستعدة لاستخدام العنف على صعيد العالم برمته ألا وهي الحركة الإسلامية. فهي تستغل، من وجهة نظره، طاقة هذا الدين المنتشر عالمياً لتوظفها في خدمة أهدافها الإرهابية. ويقول:
"على الرغم من أن هذه الأمّة منقسمة على ذاتها بصورة كبيرة ومتضعضعة بفعل الصراعات القومية والاجتماعية، إلا أن الأيديولوجية الإسلامية تعتبر في هذا السياق وسيلة مثالية لتعبئة الخاسرين المتطرفين، أكثر من قدرتها على دمج دوافع التحرّك الديني والسياسي والاجتماعي في بوتقة واحدة."
أمّا عدوها الأساسيّ فهو الولايات المتحدة الأمريكية والغرب "المتحلل" والرأسمال العالمي والصهيونية، ويضاف الكفّار إلى ذلك، ليبلغ أعداء الحركة الإسلامية حوالي 5,2 مليار إنسان من غير المسلمين. بالإضافة إلى المرتدين عن الإسلام من أمثال "الشيعة والعلويين واليزيديين والأحمديين والدروز والمتصوفين والخوراج وسواهم".
ويحاول الكاتب الألماني تقصّي أسباب هذا الانهيار المروع للحضارة العربية، التي كانت متفوقةً على أوربا عسكرياً واقتصادياً وثقافياً في القرون والوسطى. فيعتقد أن السبب الأساسي يعود إلى العرب أنفسهم وليس إلى قوى الاستعمار والتدخل الخارجي مثل السلاجقة والمغول والأتراك والمماليك والفرنسيين والبريطانيين، واليهود بصورة خاصة، والولايات المتحدة باعتبارها "الشيطان الأكبر".
ويتساءل لماذا إذن تمكنت المجتمعات الهندية والصينية والكورية التي عانت كثيراً من وطأة الاستعمار والحروب من التغلبّ على تحديات الحداثة وتلحق بركب الحضارة العالمية، لتصبح من المجتمعات الحديثة الصاعدة، بينما عجز العرب عن تحقيق أي شكل من أشكال التنمية البشرية، وصاروا يقفون في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلف القارة الأفريقية السوداء؟
بقلم حسين الموزاني
حقوق الطبع قنطرة 2006