1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أوكرانيا ـ تقهقر الجيش الروسي يُغذي سيناريوهات هزيمة بوتين؟

حسن زنيند
١٦ سبتمبر ٢٠٢٢

أثار نجاح الجيش الأوكراني في هجماته المباغتة ضد القوات الروسية تعليقات غزيرة في الغرب وفي ألمانيا بالتحديد. فهل الأمر مجرد تراجع تكتيكي روسي أم تحوٌل استراتيجي سيُغير مجرى الحرب ويرسم بالتالي شبح الهزيمة أمام بوتين؟

https://p.dw.com/p/4Gwog
أرشيف: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلودومير زلينسكي (باريس، التاسع من ديسمبر 2019)
أرشيف: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلودومير زلينسكي (باريس، التاسع من ديسمبر 2019)صورة من: Mikhail Metzel/TASS/dpa/picture alliance

أثارت الدقة والنجاعة والسرعة التي قاد بها الجيش الأوكراني هجومه المضاد ضد مواقع القوات الروسية (شمال أوكرانيا) إعجاب الخبراء العسكريين في الغرب، خصوصا وأن المقارنة البسيطة بين مقدرات الجيشين تعطي تفوقا هائلا للجيش الروسي. ففي بداية الحرب في فبراير/ شباط الماضي توقع المراقبون انهيارا سريعا للجيش الأوكراني أمام نظيره الروسي، بل حتى إن الدعاية الروسية ترفض إلى اليوم وصف ما يجري بالحرب وتعتبره مجرد "عملية عسكرية خاصة".

لقد تمكن الهجوم الأوكراني المضاد من استعادة مساحة هائلة في ظرف أيام، غير أن ذلك لا يجب أن يخفي أن الجيش الروسي لا يزال يحتل 20% من الأراضي الأوكرانية، ما دفع بعض الخبراء إلى الحذر في تفسير التقدم الأوكراني والتردد في الحسم، بما إذا كان تحولا استراتيجيا في مجرى المعارك أم مجرد فصل من لعبة كر وفر لحرب ستكون طويلة الأمد، وسيكون بالتالي من السابق لأوانه التكهن اليوم بمآلاتها النهائية.

لقد رفرف العلم الأوكراني مرة أخرى وسط بالاكليا، تلك البلدة الصغيرة الواقعة في منطقة خاركيف (شمال شرق). كانت بالاكليا أول بلدة استعادها الجيش الأوكراني منذ انسحاب القوات الروسية من وسط البلاد في أواخر مارس / آذار الماضي. بلدة قد يُسَجّل اسمها كنقطة تحول في مجرى هذه الحرب التي أرادها الكرملين عملية سريعة ومفاجئة، وهي اليوم في طور تحولها إلى مستنقع بلا أفق.

وبهذا الصدد كتب موقع إذاعة "دويتشلاندفونك" الألمانية (11 سبتمبر/ أيلول 2022) معلقا "نقطة التحول هذه ليست من قبيل الصدفة، ففي فبراير/ شباط هاجم الجيش الروسي أوكرانيا من أربع جهات، لكن تعذّر عليه السيطرة على كييف كما خاركيف، ما اضطره إلى الانسحاب من وسط أوكرانيا في مارس / آذار. الهدف التالي للكرملين كان الاستيلاء الكامل على حوض دونباس. وهنا أيضا توقف الزحف (..) اليوم يحارب الجيش الأوكراني بمنطق مختلف، فهو يستكشف نقاط الضعف في تشكيلات العدو ويستخدمها بشكل انتقائي وذكاء بمساعدة المدفعية المتفوقة تقنيًا من الغرب".

 

الحرب خدعة ـ كيف باغت الأوكرانيون الروس

بهجومهم السريع والمباغت أكد الأوكرانيون أن الحرب لا تقوم فقط على الترسانة العسكرية أو عدد الجنود وإنما أيضا على التخطيط والتمويه وخداع العدو. ولا يزال الخبراء العسكريون يحللون خلفيات فشل الاستخبارات الروسية في توقع خطط الجيش الأوكراني، رغم وجود عدد من الإشارات التي لم تلتقطها موسكو أو لم تأولها بالشكل الصحيح. فقد قام الأوكرانيون بعملية تمويه ذكية حين أعلنوا عن هجوم مضاد في الجنوب فيما أطلقوا هجوما أضخم في شمال شرق البلاد. وقع المفاجأة يكمن أيضا في كون خطوط التماس بين الجيشين الأوكراني والروسي مراقبة على مدار الساعة بواسطة الأقمار الاصطناعية وباقي الأدوات الاستخباراتية ما يجعل من الصعب إخفاء أي تحرك كبير لقوات الأطراف المتحاربة.

خبراء غربيون يعتبرون أن الجيش الروسي يعاني من بيروقراطية قاتلة ومركزية في اتخاذ القرارات وبالتالي صعوبة في التفاعل السريع مع تغيرات الواقع في ساحة المعركة. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "ألموندو" الإسبانية (12 سبتمبر/ أيلول) "نشهد هجومًا استثنائيًا للجيش الأوكراني في شمال دونباس. صراع يبدو أنه سيكون طويلا ومفجعا، والذي مرّ بمراحل مختلفة، قاسمها المشترك فشل استراتيجية الكرملين. الحرب الخاطفة التي كانت تهدف إلى قطع رأس الحكومة الشرعية في كييف فشلت بفضل الشجاعة والتصميم اللذين دافع بهما الأوكرانيون عن سيادتهم وحريتهم (..) من الواضح أن هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الدعم العسكري الغربي. أصبحت هزيمة بوتين الآن محتملةً، في حرب يجب ألا ينتصر فيها إذا كنّا نهتم بأمن واستقرار أوروبا".

 

مخاطر التصعيد والتورط في حرب استنزاف

إذا كان من الصعب التكهن بمآل الحرب اليوم، فهناك إجماع بين الخبراء على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشل، لحد الآن على الأقل، في تحقيق هدفه المعلن وهو السيطرة الكاملة على إقليم دونباس شرق أوكرانيا. بينما المكاسب الأوكرانية واحتمال انهيار روسي مفاجئ قد تدفع موسكو إلى تصعيد حدة الصراع وربما اللجوء حتى لاستعمال أسلحة نووية تكتيكية، ما سيدخل المنطقة والعالم إلى سيناريوهات غير محسوبة العواقب. قد يبدو هذا السيناريو مبالغا فيه، غير أن بوتين قد لا يستطيع التعايش مع حرب استنزاف بعيدة المدى ولا أيضا مع الصور المؤلمة بالنسبة له، والتي تظهر الجنود الروس هاربين، في حالة فوضى، من ساحة المعركة، تاركين ورائهم الأسلحة والمعدات في مشاهد أثارت الدهشة والذهول.

التبرير الروسي القائل بأن الأمر يتعلق بإعادة تجميع وتمركز للقوات وليس هروبا أمام الهجوم الأوكراني المباغت، لم يقنع الكثيرين، ذلك أن التخلي عن منطقة إزيوم الاستراتيجية لا يمكن فهمه بهذا المنطق، لأن ذلك يكاد يلغي قدرة الكرملين على تحقيق أهدافه المعلنة في دونباس. ولا يزال الرئيس الروسي بوتين مترددا في إعلان التعبئة العامة وتوجيه ضربات إلى حلفاء أوكرانيا أو المضي في تنفيذ تلميحاته باللجوء إلى السلاح النووي. صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية الاقتصادية (13 سبتمبر/ أيلول) كتبت بهذا الشأن معلقة "يواجه رئيس الكرملين فلاديمير بوتين، الذي أراد الإطاحة بالقيادة الأوكرانية في غضون أيام قليلة ومحو أكبر دولة في أوروبا من الخريطة، أنقاض أوهامه الذاتية وأصبح ضحية لسياساته ودعايته. فالجيش الروسي ليس القوة الساحقة التي يخشاها الكثيرون في الغرب. هذه القوة، ونتيجة نظام بوتين، تآكلت واستُنزِفت من الداخل ماديا ومعنويا بفعل مافيا الفساد".

 

عدم اليقين ـ مؤشرات تآكل القوات الروسية

يبدو الجيش الروسي اليوم وكأنه عاجز عن مواجهة الزحف الأوكراني بقوات احتياطية جاهزة، وبدلا من ذلك اقتصر رده على ضربات صاروخية بعيدة المدى، استهدفت بشكل خاص البنية التحتية كمحطات الكهرباء في خاركيف ودينبرو. وفي الجهة المقابلة يعتبر خبراء أن الأوكرانيين لا يمتلكون بدورهم الاحتياطات الكافية من الجنود لاستغلال التراجع الروسي الحالي والمضي في التقدم على مختلف الجبهات، في حين يرى آخرون، أن العكس هو الصحيح معتبرين التقدم السريع والكاسح للأوكرانيين دليلاً على تفوقهم من حيث عدد القوات. المعلقون العسكريون الروس في القنوات الإعلامية الرسمية أظهروا بدورهم قلقا واضحا من التطورات الميدانية في الجبهة الأوكرانية ومن بينهم بوريس نادزدين، النائب البرلماني السابق، الذي تجرأ وهاجم الرئيس بوتين، معتبرا أنه ضلل الشعب عندما شن حربا "استعمارية من المستحيل كسبها"، في حين دعت أصوات روسية أخرى إلى حشد كل القدرات العسكرية في الحرب ضد أوكرانيا.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية (12 سبتمبر/ أيلول) معلقة "لقد أظهرت قوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي براعة كبيرة واستفادت بشكل جيد من المدفعية القوية والأسلحة الأخرى التي قدمتها الولايات المتحدة، ما أحدث اضطرابا في خطوط الإمداد الروسية. لكن الهجوم المضاد لا يعني بالضرورة النصر النهائي. يجب على أوكرانيا أن تواصل الضغط لطرد روسيا من مناطق أخرى. لم يتم خوض معركة خيرسون بعد. كما يجب أن تُذكّر فرحة الأيام القليلة الماضية الكونغرس الأمريكي وأوروبا بأنه يتعين عليهما بذل جهد أقصى الآن لدعم أوكرانيا لأن في ذلك استثمار لتحقيق النجاح في المستقبل".

 

لأول مرة ـ بوتين يواجه رياحا داخلية معاكسة

في تحول مثير دعت مجموعة من الأصوات القومية من داخل روسيا، بلهجة لا تخلو من غضب، الرئيس فلاديمير بوتين إلى اتخاذ إجراءات فورية تضمن تحقيق نصر سريع ونهائي غداة تقهقر القوات الروسية في شمال شرق أوكرانيا، خصوصا إيزيوم، ذات الموقع الاستراتيجي والحيوي كمركز إمدادات في خاركيف. وفي وقت اجتاحت فيه صور هروب القوات الروسية مواقع التواصل الاجتماعي، حاول بوتين تسويق صورة الزعيم الهادئ غير المبالي، حيث افتتح أكبر عجلة دوارة في أوروبا في متنزه بموسكو، تحت إضاءة الألعاب النارية في الميدان الأحمر، إحياء لذكرى تأسيس المدينة عام 1147. وحتى الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، حليف بوتين الوفي الذي كانت قواته في طليعة الحملة ضد أوكرانيا، عبر عن حسرته من خسارة إيزيوم، وقال بهذا الصدد "إذا لم يتم إجراء تغييرات اليوم أو غدا في إدارة العملية العسكرية الخاصة، فسأضطر للذهاب إلى قيادة البلاد لأشرح لهم الوضع على الأرض". وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، اتّهم مراسلون حربيون موالون للكرملين وجنود سابقون وحاليون السلطات الروسية بالتهوين من التحديات التي يواجهها الجيش الروسي في الميدان.

صحيفة "برلينر مورغنبوست" (12 سبتمبر/ أيلول) حذّرت من ردود الفعل الممكنة لبوتين وكتبت تقول: "جنودٌ روسٌ يفرون من العدو، تاركين وراءهم دباباتهم ساعين لشيء واحد: العودة إلى ديارهم، جنود أوكرانيون يرفعون علم بلادهم في المدن المستعادة، رئيس أوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مبتسم في كييف، يسخر من الجيش الروسي. مشاهد لا تخدش فقط صورة الرجل القوي في الكرملين، بل قد تعرض موقعه في السلطة للخطر". وتابعت الصحيفة وهي تسرد قصة، دأب بوتين على ترديدها حين كان طفلاً صغيراً، طارد مرة فأرًا في ردهة البيت وعندما حاصره واعتقد أنه يستطيع الإمساك به، قفز في وجهه. "كان هذا درسًا في الحياة بالنسبة له: إذا حوصرت، فستفعل أي شيء للبقاء على قيد الحياة. من الممكن أن يكون هو نفسه قد تغير من صياد إلى فريسة مُطاردة. وقد يصبح سلوكه بالتالي غير قابل للتوقع".

تراجع الجيش الروسي مجرد كبوة تكتيكية أم تحول استراتيجي في مسار الحرب
تراجع الجيش الروسي مجرد كبوة تكتيكية أم تحول استراتيجي في مسار الحربصورة من: Russian Defence Ministry/Tass/dpa/picture alliance

ضغوط على برلين من أجل دعم كامل لأوكرانيا

واصلت كييف ضغطها على الحكومة الألمانية متهمة إياها بالبطء في تقديم أسلحة ثقيلة للجيش الأوكراني خصوصا الدبابات القتالية. وبهذا الشأن كتب المستشار بالرئاسة الأوكرانية عبر تغريدة على موقع تويتر (13 سبتمبر/ أيلول) منتقدا "لم تصل دبابات منذ ستة أشهر لعدم صدور (قرار سياسي) بشأنها". وتوقع أن تستمر روسيا في "إرهابها" وأن يموت أوكرانيون بسبب "تردد ألمانيا". واستطرد قائلا "يا ألمانيا، نحن في انتظار وفائك بتعهدك".

يذكر أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن أن النجاحات التي حققتها قوات بلاده كانت بفضل الأسلحة المقدمة من الدول الغربية في شن هجمات مضادة أدت إلى استعادة الكثير من البلدات والقري من أيدي القوات الروسية. وفي سياق متصل دعا المستشار الألماني أولاف شولتس (13 سبتمبر) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إصدار أمر بـ"سحب كامل" القوات الروسية من أوكرانيا وذلك خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس بوتين دامت ساعة ونصف. وشدد شولتس في حديثه "مع الرئيس الروسي على إيجاد حلّ دبلوماسي في أسرع وقت ممكن بالاستناد إلى وقف إطلاق النار، وسحب كامل للقوات الروسية واحترام وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها".

موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (ARD) علق الموقف الألماني وكتب يقول: "في حربها المشروعة ضد هجوم بوتين، تدافع أوكرانيا عن أسلوب حياتها الليبرالي والقيم الأوروبية. إذا كانت هذه الحجة، التي يرددها المستشار أولاف شولتس، صحيحة، فإن الديمقراطية قد حققت مكاسب مهمة في الأيام الأخيرة. وبالتحديد، عبر استعادة أوكرانيا للمناطق التي انتزعتها منها روسيا بالقوة. إذا كانت ألمانيا تريد أن يظل هذا الكفاح من أجل الحرية ناجحًا، فعليها الآن، بالتنسيق مع شركائها في التحالف، تسليم المعدات الثقيلة بسرعة أكبر. أكبر، بما في ذلك الدبابات القتالية".

حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد