ألمانيا: فرص ضعيفة أمام المهاجرين في رحلة البحث عن سكن
٢٣ يونيو ٢٠١٧- مرحباً.
- مرحباً.
- اسمي تحسين وأريد أن أسأل عن منزلٍ للسكن في مدينة بون.
- للأسف ليس لدينا منازل حالياً. لا نؤجر لمن يتقاضون المساعدات من مكتب العمل؟
- لكني مهندس وأعمل في شركة كبرى.
- ممم. كم يبلغ متوسط راتبك؟
- أكثر من ألفي يورو.
- أوه، أهلا بك، بالطبع لدينا منازل. اترك رقمك وسنتصل بك خلال أسبوع لنحدد لك بعض المواعيد لرؤية منازل.
هذا ملخص مكالمة حقيقة أجراها تحسين، اسم غير حقيقي، مع إحدى المكاتب العقارية في مدينة بون في ولاية شمال الراين فستفاليا، تحسين الذي يبلغ من العمر حوالي الثلاثين عاماً، والذي يعيش في ألمانيا منذ سنتين تقريباً، عانى كثيراً مع مسألة السكن منذ قدومه إلى المدينة، فلقد اضطر إلى استئجار غرفة تبلغ مساحتها متر بمتر من دون حمام أو مطبخ فقط لكي يتمكن من النوم فيها مع أن ثمنها لم يكن رخيصاً.
يقول تحسين لـ مهاجر نيوز "أول قدومي إلى هنا لم أتمكن من أن أحصل على غرفة ولو في سكن مشترك لأسكن فيها نظراً لكوني لاجئ، والـ"جوب سنتر" أو مكتب العمل هو من يدفع لي أجار منزلي قبل أن أحصل على عمل، كان لا بد من أن أسكن في أي مكان لأسجل عنواني، لكني بعد عدة أشهر لم أتمكن من ذلك، فاضطرت لقبول السكن في غرفة أقل ما يقال عنها أن لديها شروط سكن غير إنسانية، ولا اعتقد حتى الحيوانات يمكن أن تعيش فيها، لكن لم يكن لدي خيار آخر وإلا سأنام في الشارع، كانت الغرفة عبارة عن حمام بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا حمام فيها أو مطبخ، وسكنت فيها شهرين، حتى تمكنت من الحصول على غرفة في سكن مشترك، عندما قبل صاحب منزل من تأجيري رغم أن مكتب العمل سيدفع".
يقول تحسين أن مكتب الأجانب كان سيقدم مذكرة بحثٍ به لعدم تسجيله نفسه بالسكن، وكان سيضطر لاستئجار صندوق بريد فقط من أجل الحصول على الرسائل الرسمية.
حظ النساء أفضل.. وحظوظ العرب والأتراك أقل!
يتابع تحسين حديثه لمهاجر نيوز ويقول " لم تكن فرحتي تسعني بعد أن علمت أني سأسكن مع ألمان في المنزل، وأن حياتي ستصبح أفضل، ستحسن لغتي، لكن فرحتي لم تكتمل بعد أن اكتشفت أني أسكن مع مدني مخدرات أصحو يومياً لأجدهما ملقيان على الأرض من المخدر، وعندما أخبرت مكتب العمل قالوا لي أبحث عن مكان لتنتقل، وهنا بدأت المعاناة لمدة ستة أشهر، وذلك قبل أن أجد عملاً وأتمكن من خلاله من تحسين وضع سكني".
لا تعتبر قصة تحسين استئناءً إذ يعاني اللاجئون على اختلاف جنسياتهم من صعوبة الحصول على منزل، إذ يفضل معظم أصحاب البيوت وحتى الشركات تأجير منازلهم لمن يحملون الجنسية الألمانية أو الغربية على الأقل، وبحسب دراسة أجرتها مجلة ديرشبيغل وراديو بايرن فإن المهاجرين محرومون من العثور على سكن، إذ قامت الجهتان بإرسال حوالي 20 ألف طلب استئجار منازل بأسماء مختلفة وجنسيات مختلفة من ألمانيا وبولندا وإيطاليا وتركيا والعالم العربي، ليحصلوا على 8000 رد رفض وحملت الطلبات التي رفض أصحابها جنسيات أغلبها من تركيا والعالم العربي.
التجربة أجريت في عشرة مدن ألمانية، وبتحليل الردود تبيّن أن العرب والأتراك يملكون فرصاً قليلة جداً لحصول على مسكن في ميونيخ، بينما برز التميز على أساس الجنسية واضحة في فرانكفورت، وأضافت التحليلات أن المالكين الأصليين لمنازل الذين يريدون تأجير منازلهم أبدوا تميزاً أكبر من المنازل التي تؤجر عن طريق شركات تجارية، كذلك تبيّن أن فرص النساء العرب والأتراك أفضل من الرجال من هذه الجنسيات في الحصول على منزل.
لم تعد أزمة المدن الكبرى فقط
اللاجئون في ألمانيا ربما قد خلصوا لهذه النتائج من تجاربهم العملية مع السكن، إذ أنه بعد التدفق الكبير للاجئين في العام 2015 بدأت أزمة السكن تطفو على السطح، خاصة في المدن الكبرى كبرلين، إذ يفضل معظم الناس السكن فيها، وهذا ربما ما دفع الدولة لسن قانون يمنع اللاجئ الذي حصل على حق اللجوء أو حماية اللجوء من تغيير مكان سكنه الذي فرز إليه عند تقديم الطلب، تداركاً لهذه المشكلة.
وفي هذه المدن تبرز مشكلة التمييز التي لا تفرق حسب الجنس هنا، فهلا ورهام صديقتين تعيشان في برلين قررتا السكن معاً وبدأتا البحث عن سكن لمدة 6 أشهر، دون فائدة، وتقول هلا لـمهاجر نيوز "في برلين الوضع كارثي، فرغم أني أعمل ووالدتي تحمل الجنسية الألمانية وقامت بضماني لدى المؤجرين إلا أنني وصديقتي لم نتمكن من الحصول على منزل بسبب حملنا لجنسية السورية ولأن صديقتي تلقى مساعدات من مكتب العمل، كنا نصل دائماً إلى القائمة الأخيرة لكن يخبرنا مالك المنزل، أنه تم اختيار أميركي أو استرالي أو ألماني بدلاً منا، فلم يكن الأمر مخفياً، اليوم صديقتي سافرت إلى مدينة أخرى للعمل، وأنا أسكن بمفردي بعد جهدٍ وبحثٍ مطولين".
لكن دراسة حديثة أجراها معهد بروجنوس للدراسات الاستشارية في يوم الإسكان العالمي في 2 حزيران/ يونيو نشرتها وكالة "د.ب.أ" أظهرت أن هناك أزمة في المساكن في ألمانيا، وارتفاعاً في أسعارها خارج التكتلات السكانية الكبيرة أيضا. ووفقا للدراسة فإن موقف الإسكان في 138 مدينة ودائرة في ألمانيا إشكالي وأن الأسر ذات الدخل المتوسط نفسها أصبحت تجد صعوبات متزايدة في العثور على شقق في ميسورها.
وقال معدو الدراسة إن هناك سبع مدن لا تستطيع فيها الأسر ذات الدخل المتوسط وصافي يبلغ 2168 يورو الحصول على شقة بمساحة 70 مترا مربعا وإن هذه الأسر تضطر للبحث عن شقق أقل مساحة من 70 مترا وهذه المدن هي برلين ودوسلدورف وفرانكفورت و هامبورج و كولونيا وميونخ و شتوتغارت، وأن "العثور على مسكن في المتناول أصبح تحديا ماليا بالنسبة لأكثر من نصف السكان". ورأى فايجر أن "ذلك يعني أن أزمة السكن وصلت إلى وسط المجتمع"، فماذا عن اللاجئين الذين لا عمل لهم بعد؟
السمسار هو الحل
لا تزال العديد من مراكز إيواء اللاجئين في ألمانيا تعج باللاجئين الذين حصلوا على إقاماتهم، لكنهم لم يتمكنوا من الانتقال إلى منازل خاصة لصعوبة الحصول عليها، إذ وفقاً للقانون الألماني يحق للاجئ الذي حصل على حق الجوء، الحصول على مساعدة من مكتب العمل ريثما يتعلم اللغة ويجد عملاً حيث يتكفل المكتب بدفع أجار المنزل، وهذا ما لا يعجب العديد من أصحاب المنازل والشركات، مع أن مكتب العمل لا يتأخر بالدفع، لكن لدى العديدين عقلية أن الشخص الذي يحصل على المساعدة هو شخص مهمل لم يجد عملاً يعيش منه، لذا لن يحافظ على المنزل.
هذه الحالة دفعت لبعض الناس استغلال حالة الحاجة لدى بعض اللاجئين خاصة العرب، إذ يتقاضى العديد من المقيمن القدامى من اللاجئين مبالغاً مالياً غير قانونية لتأمين مساكن لهم، يكونون قد استأجروها بأنفسهم من شركات، أو من معارف، وتصل المبالغ أحياناً إلى 5000 يورو، يندر من يستطيع دفعها.
مها وزوجها أحمد بحثا في برلين على العديد من المنازل لكن البعض دلهم على سمسارة بيوت يمكن أن تؤمن بيت بأي مكان في برلين شرط أن يتم الدفع لها بالخفاء وتحصل أحياناً السمسارة التي تحمل اسم "حنان"، ولا نعرف فيما إذا كان اسمها الحقيقي أم لا كما يصعب التواصل معها لأنها تغير هاتفها بعد كل صفقة، لكن مها وأحمد لم يتمكنا من دفع المبلغ المطلوب ولم يتعاونا معها.
علاء من إحدى صفحات تأمين المنازل على فيسبوك وهو يقوم بنشر إعلانات من شركات لمنازل خالية يقول لـ مهاجر نيوز "أنا أضع من باب المساعدة فقط إعلانات عن مواعيد تقديم على منازل لإيجار في برلين وما حولها، لكن هناك من يضع إعلانات مع ضمانات للحصول على هذه المنازل مقابل مبالغ مالية، فأحياناً أقوم بمسحها، وأحياناً أجدها ربما فرصة لمساعدة أحدهم فأدعها، وأعلم أنه عادة ما يقوم أشخاص بالاتفاق مع شخص يعرفونه في الشركة لضمان أن يتم اختيار شخص بعينه من متقدمي الطلبات مقابل مبلغ مالي، فالأمر أصبح تجارة، والكل يستغل حاجة اللاجئين للسكن".
ليبقى العديدون اليوم بانتظار انفراج أزمة السكن أو القبول بشروط عيش غير ملائمة أو الانتقال لأماكن بعيدة مقابل الحصول على سقف يأويهم في البلد الجديد الذي قدموا إليه بعد أن فقدوا السقف في أوطانهم.
راما الجرمقاني- مهاجرنيوز