أنامل سورية تحيي الأزياء المستعملة بمشروع "هدهد"
١ مايو ٢٠١٧في غرفة صغيرة مزينة بتصاميم مختلفة، التف مجموعة من اللاجئين السوريين حول المصممة الألمانية، روث براون، وهي المسؤولة عن تدريب وتوظيف الخياطين السوريين بمشغل خياطة بمدينة مورس الألمانية المهتم باعادة الحياة الى الملابس المستعملة . أما السيد راينر تيراكوفسكي فهو رئيس تعاونية "توفاس" للأعمال الخيرية، والمشرف على المشروع ،الذي أطلق عليه اسم"هدهد" وعن سبب اختياره لهذا الإسم بالذات يقول السيد تيراكوفسكي في حواره معDW عربية:" اكتشفت اسم "هدهد" خلال فترة عملي بمصر وعرفت أنه اسم لطائرمشهورعند العرب تدور حوله كثير من الأساطيروالأمثال، ولأنّ المشروع لصالح لاجئين عرب، فقد اخترت" هدهد" اسماً له".
"هدهد".. فسحة أمل للاجئين
يتردد اللاجئ السوري جودت سيدو يومياً على مشغل الخياطة، الذي يقع بأحد الأحياء الصغيرة بالمدينة . جودت، الذي ينحدر من مدينة حلب السورية، يمتهن الخياطة لأكثر من 20 عاماً، كما كان يدير مصنعاً لإنتاج الملابس الجاهزة بسوريا. وعن احترافه لمهنة الخياطة في بلده وتجربة العمل بألمانيا يقول جودت في حواره مع DWعربية:" نشأت بمدينة حلب، وهي مدينة معروفة بانتشار ورشات ومعامل الخياطة فيها بكثرة، فامتهنت الخياطة منذ نعومة أظافري، وخلال فترة تدريبي ضمن مشروع "هدهد" اكتسبت إلى جانب الخياطة مهارات التصميم والتفصيل أيضاً".
جودت، الذي يعيش بألمانيا منذ أربعة أعوام، كان ملزماً بالبحث عن عمل مناسب، بعد أن أنهى تعلم اللغة الألمانية، فاتجه إلى تعاونية "توفاس"، حيث تعرف على المشروع ويصف جودت، الذي يعمل حالياً بشكل رسمي على مجموعة الملابس “هدهد”،هذه التجربة بـ"الجيدة" قائلاً:"عملت في البداية لمدة ستة أشهر وخلال فترة عملي كانوا يخططون لإنشاء هذا المشروع، فأعجبوا بعملي واقترحوا علي الانضمام إليهم، فوافقت على الفور".
ومع إحياء كل قطعة ملابس قديمة، تبعث روح الأمل في نفوس اللاجئين السوريين الذين بات هذا المشغل الصغير مساحة طموح ضغير لهم. فإلى جانب جودت يعمل كل من أم عمر، كمال وإيمان. وحول تجربتها تقول أم عمر:" وصلت ألمانيا منذ عام تقريباً وبدأت العمل هنا منذ بداية تأسيس المشروع عام 2016 ولم أكن أمتهن الخياطة ولكن كأي ربة بيت كانت الخياطة مهنة والدتي".
أما إيمان وكمال فكان هذا المشروع فرصة لهم للخروج من مأوى اللاجئين وتغيير نمط عيشهم "الممل" كما وصفته إيمان، التي وصلت ألمانيا منذ عام ونصف رفقة والدتها وتقول لـDWعربية " الخياطة هوايتي وأعجبني الجو السائد هنا، و تعامل المصممة الألمانية معنا، فنحن نتبادل الأفكار فيما بيننا وتعلمنا الكثير من مصطلحات الخياطة باللغة الألمانية".
أما كمال، الذي امتهن الخياطة لـ17 عاماً بسوريا، فقد التحق منذ ثلاثة أشهر فقط بالمشروع وكان لهذه التجربة تأثير إيجابي على نفسه، كما يوضح في حديثه لـDWعربية :"جئت إلى هنا خصيصاً للعمل، لأنه لم يتم البث بعد في طلب لجوئي ولم أتمكن من تعلم اللغة الألمانية أيضاً، فوجدتها فرصة جيدة لتعلم أفكار جديدة من الألمان بعالم الخياطة وأيضا للتواصل وتعلم اللغة".
كيف أندمج وكل من حولي ليسوا ألمان؟
يعاني معظم هؤلاء الخياطين السوريين من تعثر اندماجهم بالمجتمع الألماني، فجميعهم يسعون بكل الطرق المتاحة أمامهم للاندماج، لكن الظروف من حولهم لا تساعدهم. فاللاجئ السوري جودت، يرغب بالاندماج في سوق العمل الألماني، بعد أن طور مهاراته في الخياطة والتصميم، لكن لا تزال أمامه صعوبات عديدة أهمها اللغة، فرغم تعلمه الألمانية لعامين وحصوله على شهادة 1B، إلا أن لغته لا تمكنه بعد من التواصل بشكل جيد ،وعن سبب هذه المشكلة يقول اللاجئ السوري:” التواصل المكثف هو شرط تعلم اللغة وتواصلنا مع الألمان قليل جداً. فتعلم اللغة بالمدرسة لا يكفي،لأن المدرسة تلقنك القواعد فقط.. لغتي الألمانية مقبولة ولكنها ليست جيدة“.ويضيف الخياط السوري أن الاندماج “ضروري” للعيش بالمجتمع الألماني، لكن يصعب تحقيقه في ظل الظروف الحالية، التي لا تساعد على ذلك كالتعقيدات الإدارية والسكن وقلة الاحتكاك بالمجتمع.
وبسبب التباين الثقافي بين سوريا وألمانيا رفض بعض اللاجئين الاستمرار بالمشروع لغياب ثقافة إعادة الحياة للملابس المستعملة، ولهذا لم تعجب فكرة المشروع بعض اللاجئين،لكن بالنسبة لجودت كان العمل وإيجاد فرصة للتواصل مع الألمان، كل ما يهمه بالدرجة الأولى".
كمال، الذي وصل ألمانيا منذ عامين، لازال يقطن بمأوى للاجئين خارج المدينة، بسبب تأخرالبث في طلب لجوئه، كما لم يتمكن من الالتحاق بدروس اللغة الألمانية ويقول أنه لا يوجد أي تواصل مع الألمان ويتقاسم غرفته مع لاجئين آخرين من العراق وأفغانستان ويتساءل قائلاً: "كيف يريدون لنا أن نندمج بالمجتمع الألماني وكل من حولنا ليسوا ألمان؟ هل أندمج مع العراقي والأفغاني؟"
ويحس كمال بالحزن، كلما تذكر أنه قضى عامين بألمانيا دون أن ينجز شيئاً، إلا أن إنضمامه لمشروع "هدهد"، ترك أثراً إيجابياً في نفسه، كما أنّ لديه رغبة شديدة في تعلم اللغة الألمانية، فقد تعلم الأحرف بجهد شخصي منه ويستطيع مراجعة الطبيب ومكتب المساعدة الإجتماعية دون الحاجة الى مترجم .
بدورها واجهت أم عمر صعوبات أثناء وصولها ألمانيا رفقة أبنائها،الذين اضطروا للتباعد عن بعضهم، بسبب اختلاف توقيت حصولهم على الإقامة و بسبب قانون منع انتقال اللاجئين، وتقول أم عمر بنبرة حزن:" أصبحت أسكن بمنطقة بمفردي وابني بمنطقة وابنتي بمنطقة أخرى، ونحن نعيش ببلد واحد".
المشروع خطوة نحو طريق الاندماج ولكن..؟
وعُرضت مؤخراً أول مجموعة من تصميم اللاجئين السوريين بالمشغل تحت اسم “هدهد” ومن ضمنها مجموعة حقائب يدوية للحياة اليومية مصنعة من الملابس المستعملة. وعن هذه المجموعة تقول مصممة الأزياء الألمانية وصاحبة محل "سيكونريلا" للخياطة الراقية بمدينة مورس،السيدة روث براون لـDWعربية" الإقبال على المنتوجات جيد جداً، وبيعت العديد من القطع بالأخص الحقائب اليدوية لزبائن من برلين وميونيخ وهناك من أتى خصيصاً هنا لشراء هذه الحقائب المميزة".
ومن زبائن المحل الأوفياء سيمون، التي أعجبت بفكرة المشروع وبالقطع المعروضة للبيع "كل قطعة أجمل من الأخرى وبالكاد تستطيع الانتباه إلى أن هذه القطع الجميلة مصنوعة من أقمشة الملابس المستعملة". وبدوره أعجب السيد بيتر بيكرز أيضا بأحد الفساتين المعروضة بالمحل وينوي إهدائه لزوجته.
تقضي المصصمة بروان معظم وقتها مع الخياطين السوريين، لهذا باتت تعرف معظم المشاكل التي تعيق اندماجهم بالمجتمع الألماني، فقد تابعت مؤخراً معاناة إيمان في الحصول على بيت وتقول:" كانت معاناة لاتصدق، ولكن كانت النهاية سعيدة وحصلت إيمان على البيت" وتضيف بروان:" أحب هذا التبادل الجميل بيننا، وأتمنى أن أرى المزيد من اللاجئين بالمشروع ليس فقط لتعلم الخياطة وإنما أيضا للتواصل وكسر الأحكام المسبقة، وليتعرف الألمان على الجانب الآخر لحياة اللاجئين ومعاناتهم في سبيل الاندماج بمجتمعنا".
ويرى السيد راينر تيراكوفسكي أنّ مشروع "هدهد"، الذي أنشأ بدعم من جمعية "دياكوني" الألمانية وعدد من المؤسسات الخيرية، يعد "خطوة مهمة" لادماج اللاجئين في الحياة المهنية والاجتماعية، بيد أن صعوبات كثيرة تواجه المشروع أهمها انخفاض الدعم المادي لمثل هذه المشاريع الصغيرة.
يذكر أن مشروع "هدهد" بمدينة مورس، يفتح أبوابه أمام جميع اللاجئين الراغبين في تعلم فن الخياطة والتصميم وكذلك إعادة الحياة الى الملابس المستعملة.
إيمان ملوك / مدينة مورس