1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أصوات نقدية تحذر من خطر أصولية السوق على حرية الصحافة

٢٧ مايو ٢٠٠٧

إذا كانت حرية الصحافة ضحية للأنظمة الديكتاتورية التي تضيّق خناقها على الصحفيين في العالم العربي، فإنها في الغرب تقع تحت تهديد آخر يتمثل في المستثمرين الماليين وصناديق التحوط التي وضعت الصحافة الجادة نصب أعينها.

https://p.dw.com/p/AjQC
صحف ألمانية عديدة ما تزال موضوعية في المضمون وحرفية في الأداءصورة من: DW

كثيرا ما يتدخل مثقفو الغرب في قضايا الساعة الملحة، إيمانا منهم بأن الثقافة سياسة، وشهادة منهم على قضايا العصر.أحد أبرز هؤلاء المثقفين في ألمانيا، الفيلسوف يورغن هابرماس، الذي سبق وتدخل مرات كثيرة في النقاش الدائر حول الاستنساخ أو حول الدين والعلمانية أو حول العداء للسامية أو الإرهاب أو الحرب، ومؤخرا، دفاعا عن حرية الصحافة واستمرار العمل الصحفي الجاد، الذي يحترم القارئ ويحترم الحقيقة. هابرماس طالب في مقال مطول نشرته صحيفة زود ديتشه تسايتونغ بدعم الدولة للصحافة الجادة وعدم السماح بسقوطها في يد المستثمرين الماليين، وإلا فإن ذلك سيشكل لا ريب تهديدا للديمقراطية. هابرماس يطالب إذن وبلغة أخرى بالتزام للدولة، ليس اجتماعيا فحسب، بل بالتزام ثقافي كذلك، ما يعود بنا إلى الحديث عن دور الدولة أو السياسة في عصر أصولية السوق.

أصولية السوق ـ خطر على المجتمع المفتوح

George Soros
سوروس متحدثا في نيويورك عن التحديات التي يواجهها المجتمع المفتوحصورة من: AP

في كتابه الشهير "أزمة الرأسمالية العالمية: المجتمع المفتوح في خطر"، يرى جورج سوروس بأن الرأسمالية في زمن العولمة تنحو بخطى حثيثة نحو التوتاليتارية. يعود سوروس إلى كتاب كارل بوبر "المجتمع المفتوح" الذي رأى فيه أن النظرة النسبية إلى الأفكار والنماذج والمجتمع وحدها التي تسمح للمجتمع الإنساني بالتطور المستمر وتصنع منه مجتمعا مفتوحا. بوبر كان يرد بكلماته تلك على النظامين النازي والشيوعي، لكن سوروس يرى أن التجربة الجديدة للرأسمالية تثبت أنه ليس فقط الأنظمة التوتاليتارية من تشكل خطرا على المجتمع المفتوح ولكن أيضا كل رأي يدعو إلى رفض المجتمع والدولة وإطلاق يد السوق في تشكيل عالمنا كما تريد. ويرى سوروس أن نظام السوق يحتاج إلى نظام يسنده ويساهم في تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية، وهذا هو دور السياسة، فالسوق لا تستطيع بفضل آلياتها وحدها حل أزماتها، لاسيما وأنها تتحول إلى أيديولوجيا مغلقة وتوتاليتارية حين تحاول الهيمنة على كل مظاهر الحياة.

لنأخذ نموذج الإعلام في هذا المجال، فسيطرة المساهمين الماليين على الصحف أو قنوات الإعلام الأخرى يعني أولا أن عليها من الآن فصاعدا أن تخضع لقانون السوق، الذي لا يهمه الجانب التعليمي أو الإخباري في هذه القنوات بقدر ما يهتم بقدرتها على جلب العديد من صفقات الإعلانات والمزيد من المداخيل، وخلق "ثقافة تقبلية" كما يسميها هربرت ماركوزه، تؤبد الوضع القائم، وتسهر على خلق سلوك إنساني يجد حريته في الامتثال للقواعد السائدة. هذه الثقافة، التي تلعب دورا مركزيا في تسويق النظام السائد، هي نفسها التي تطلب أسواق المال العالمية خلقها اليوم، عن طريق السيطرة على وسائل الإعلام، وربطها بمركز يريد أن يفرض نظام حياته وتفكيره على الآخرين. نظام ثقافي وحياتي لا يقبل بغير الشبيه، ويرفض كل أنواع الاختلاف كما كتب أحد أكبر منتقدي "صناعة الوعي" و"صناعة الثقافة" ثيودور آدورنو في "جدل الأنوار".

حرية الصحافة ـ أي دور للدولة؟

Jürgen Habermas, Philosoph, Frankfurter Schule
يورغن هابرماس، كل أشكال التواصل يجب أن تتأسس على الحريةصورة من: dpa

كان للخبر الذي نشرته صحيفة دي تسايت الأسبوعية عن القدر الاقتصادي المجهول لصحيفة زود ديتشه تسايتونغ، أحد أهم الصحف اليومية الألمانية، كان لذلك وقعا مؤثرا على الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس. الذي أعلن في مقاله نشرتها الأخيرة تخوفه من سقوط الصحيفة والصحافة الجادة عموما في أيد المستثمرين الماليين أو الشركات الإعلامية الكبرى، وما يعنيه ذلك من حرمان لمثل هذه الصحف من جديتها ومن ضرب لدورها الإخباري والتعليمي. إنه يقول بهذا الصدد:"المستمعون والمشاهدون ليسوا مجرد مستهلكين، أي مشاركين في السوق، ولكنهم في الوقت نفسه مواطنون يملكون الحق في الثقافة وفي مراقبة التطورات السياسية والمشاركة في صناعة الآراء. ولهذا يجب الحفاظ على مصادر المعلومات الشعبية، وعدم ربطها بالمستثمرين الماليين أو بقطاع الإعلانات".

ويتابع هابرماس في مقاله بأنه خصوصا في مجال التواصل السياسي، تلعب الصحف الجادة دورا مركزيا، وأنه حتى القطاعات الإعلامية الأخرى مثل الراديو أو التلفاز تظل مرتبطة بها في هذا السياق. وإذا ما سقطت صحيفة جادة في أيد المستثمرين الماليين، ستخضع لأسس أخرى غير تلك التي تقوم عليها الصحافة الجادة، ويصبح للربح الكلمة الحسم وليس للخبر الموضوعي، وما يعنيه ذلك من إجهاز على حرية الصحافة وحق المواطن في معرفة الخبر الصحيح. يضاف إلى ذلك أن الصحافة نفسها تفقد بعدها النقدي، الذي لا بديل عنه، من أجل مواجهة كل النزعات الشعبوية والأمراض الإيديولوجية التي قد تصيب مجتمعا ما في مرحلة من تاريخه. فبدون صحافة حرة ونقدية وجادة، تضعف الديمقراطية وتضعف معها قدرتها على المقاومة، ويرى هابرماس أنه إذا كانت الدولة تتدخل لمساعدة المجتمع عند حدوث أزمة في إمدادات الطاقة مثلا، فعليها أن تتدخل لمساعدة الصحافة الجادة على الاستمرار، لأنها تمثل أيضا طاقة حيوية للمواطنين، وغيابها سيكون له تأثيرات سلبية كبيرة على الديمقراطية.

رشيد بوطيب

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد