1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أزمة الطاقة.. لماذا تعتبر المدن المظلمة ليلا أكثر نفعاً؟

٢٥ سبتمبر ٢٠٢٢

فيما اضطرت المدن الألمانية مؤخرا لإطفاء أضواء الكثير من معالمها ليلا بسبب أزمة الطاقة في البلاد، لا يعد الأمر سيئا للغاية، إذ أكدت دراسات أن المدن المعتمة ليلا مفيدة أكثر لصحة الإنسان من تلك التي تشعشع أنوارها ليلا.

https://p.dw.com/p/4GmPj
أنوار في كل مكان وناطحات سحاب في مدينة مونتريال الكندية
المدن المظلمة أكثر نفعا لصحة الانسان، فهل تصبح الظلمة أمرا معتادا في مدن المستقبل؟صورة من: McPHOTO/blickwinkel/picture alliance

ألهمت أزمة الطاقة المدن في جميع أنحاء ألمانيا لإطفاء الأضواء الليلية في المعالم السياحية والأثرية، والمباني البارزة كالمتاحف والمكتبات.  ففي العاصمة برلين، يظل 200 معلما بالمدينة، بما في ذلك عمود النصر، وكاتدرائية برلين، دون إضاءة بعد غروب الشمس. 

وبموجب مرسوم توفير الطاقة في البلاد المعمول به منذ الأول من سبتمبر/ أيلول الجارى، تم حظر الإضاءة الخارجية للأبنية العامة ليلا. كما لا يتجاوز فترة عمل لافتات النيون بضع ساعات يوميا.  وكانت مدينة فايمار، الواقعة وسط ألمانيا، قد بادرت منذ بداية الصيف، بتأجيل تشغيل أضواء الشوارع مساءا نحو 30 دقيقة، وإطفاءها قبل موعدها المحدد ب 30 دقيقة. ولكن بخلاف توفيرها للطاقة والنفقات، فإن المدن المظلمة لهذا العديد من الإيجابيات سواء بالنسبة للمناخ أو التنوع البيولوجى. 

إطفاء الأنوار يساعد على التقليل من تلوث الهواء 

تؤكد الجمعية الدولية للسماء المظلمة، وهي منظمة غير ربحية تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها ، أن نحو ثلث الإضاءة الخارجية ، التي يتم استخدامها ليلا، ليس لها أى فائدة.  وحتى قبل أزمة الطاقة العالمية وارتفاع الأسعار، كانت تشير تقديراتها إلى أن وقف تشغيل هذه الإضاءة غير المجدية سيوفر 3 مليارات دولار (2.9 مليار يورو) سنويًا، ويساعد على تقليل تلوث الهواء والانبعاثات الضارة، التي تساهم بدورها في تغير المناخ. 

شجرة عيد ميلاد تزين ساحة الكاتدرائية في بالما بجزيرة مايوركا
الكثير من المدن تفتقد للظلام الحقيقي، هل تعيد أزمة الطاقة لها ما تفتقده؟صورة من: Isaac Buj/dpa/picture alliance

ففي الهند، على سبيل المثال، تبعث الإضاءة المفرطة 12 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا للهواء، وهو ما يعادل نحو نصف إجمالى الانبعاثات الناتجة عن حركة النقل الجوي والبحري في الهند سنويا، وفقا لبافان كومار خبير تغير المناخ بجامعة راني لاكشمي باى الزراعية المركزية في ولاية أوتار براديشن. 

في الوقت الراهن، يعيش أكثر من 80 بالمائة من الأفراد حول العالم تحت سماء تلوثها الأضواء. ويرتفع الرقم أكثر في أوروبا والولايات المتحدة ليصل إلى 99 بالمائة، مما يعني أن البشر باتوا لا يرون الظلام الحقيقى. وفي سنغافورة، أصبحت الليالي مضيئة جدا، لدرجة أن عيون الأفراد تعاني من أجل التكيف مع الظلام الحقيقي. 

لماذا نحتاج الظلام؟ 

إلى جانب فوائده البيئية، يعد الظلام الكافي في الليل مفيد أيضا للصحة، حيث أثبتت الدراسات وجود علاقة بين الضوء الصناعى وامراض العين، والأرق، والسمنة، بل والاكتئاب في بعض الحالات.  

ويعد غياب إفراز الميلاتونين ليلا، هو السبب الرئيسي وراء الكثير من تلك الأمراض. فوفقا لكريستوفر كيبا، الباحث في مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض " يصبح نظام العمل الكامل لساعة الجسم البيولوجية في خطر، عندما لا تفرز أجسادنا الميلاتونين ليلا، لأننا نتعرض للكثير من الضوء في الليل، سواء في منازلنا، أو خلال دوام العمل مساءا". 

 ولفت كيبا إلى أن " الضوء الصناعى هو أحد أكثر التغييرات الدراماتيكية التى أجريناها على المحيط الحيوى"، مضيفا أنه " خلال التطور، كانت هناك إشارة مستمرة قادمة من البيئة تشير للنهار والليل والشهر القمري. لكن في المناطق التي باتت تعاني من التلوث الضوئي بشكل قوى، تم تغيير هذه الإشارة بشكل كبير". 

منتدى الهومبولدت في العاصمة الألمانية برلين التي تعاني بدورها من التلوث الضوئي
الكثير من المدن تعاني من التلوث الضوئي، إلى أي حد تعاني مدينتك من هذا التلوث أيضا؟صورة من: picture alliance/Eibner-Pressefoto

في السياق ذاته، حذرت دراسة أمريكية من أن الأطفال والمراهقين، الذين يعيشون في مناطق بها الكثير من الضوء الصناعى يحصلون على قسط أقل من النوم، ويعانون في كثير من الأحيان من مشاكل عاطفية". 

ويقدر العلماء، بشكل عام، أن كوكبنا يصبح أكثر إشراقا كل عام بنسبة 2 بالمائة مقارنة بالعام الذي سبقه، لذا فإن التعتيم أو الإطفاء الجزئى لأضواء الشوارع يمكن أن يكون خطوة أولى في مواجهة التلوث البيئي. 

الحيوانات والنباتات تحب الظلام أيضا  

لا يعد الإنسان وحيدا في معاناته من التلوث الضوئي، بل تكافح أحياء أخرى من أجل التكيف مع الضوء في الليل. فالشعاب المرجانية، على سبيل المثال، لا تتكاثر كالمعتاد، والطيور المهاجرة تفقد إحساسها بالاتجاهات، فيما تسير السلاحف حديثة الولادة إلى داخل المدن، حيث تموت، بدلا من الحركة في اتجاه البحر. 

الحشرات تتأثر أيضا، حيث تشير الدراسات إلى أن نحو 100 مليار حشرة ليلية تموت في ألمانيا كل صيف نتيجة الإضاءة الصناعية، التي تشتت انتباهها، وتجعلها تطير بلا جدوى دون توقف حول المصابيح الساطعة، بدلا من الاعتماد على ضوء القمر في حركتها. وأوضحت أن هذا الإرهاق المستمر يجعلها فريسة سهلة للحيوانات المفترسة، أو يتداخل مع تكاثرها، ويتسبب في قتلها على الفور. 

ليس ذلك فحسب، بل يتم تلقيح النباتات، التي تنمو بالقرب من أضواء الشوارع، بشكل أقل، ومن ثم تنتج ثمارا أقل،   من تلك النباتات التي تنمو في الظلام. حتى الأشجار التي تشعر بتأثير الضوء في الليل، تنتج براعمها في وقت أبكر من الطبيعى، وتتأخر أوراقها فى التساقط. 

تيم شاوينبيرغ/ م.إ