ألمانيا- مواعظ الأئمة الوافدين غريبة عن الواقع
٣٠ أبريل ٢٠١٦أثارت العلاقة الصعبة بين ألمانيا وتركيا نقاشاً حول تدخل الدولة التركية في الشؤون الدينية داخل المساجد الألمانية. وترسل أنقرة حوالي 900 إمام إلى ألمانيا يشرف عليهم الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (ديتيب). في هذا الحوار مع DWيتحدث البروفيسور مهند خورشيد، مدير مركز الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر، عن تجربته مع الأئمة الأتراك في ألمانيا، وعن تحديات تأهيل أئمة في ألمانيا.
DW: بروفيسور خورشيد، يشرف على عدد من المساجد الألمانية حوالي 900 إمام قدموا من تركيا، ما طبيعة تجاربك مع هؤلاء الأئمة؟
مهند خورشيد: لا أرى في صفوف أئمة الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (ديتيب)، أي دليل يشير إلى أن تصريحاتهم تخالف الدستور الألماني، ولكن بصفتي مربيا دينياً لدي هاجس آخر، وهو أن معظم هؤلاء الأئمة لا يتحدثون اللغة الألمانية ولا يعرفون واقع الشباب في ألمانيا، وبالتالي فهم ليسوا شريك الحوار الفعلي لهؤلاء الشباب. كثيراً ما أسمع من الشباب المسلمين أنهم لا يشعرون بالراحة في المسجد، لأن الأئمة يقدمون مواعظهم انطلاقاً من سياق مختلف تماماً.
فكيف يمكن حل هذه المشكلة؟
أنا مع فكرة تكوين وتأهيل الأئمة هنا. أئمة يعرفون السياق المحلي ولا يضعون الشباب أمام خيار هويتهم الدينية أو مواطَنتهم الألمانية، بل يشجعونهم على أن يعيشوا الهويتين معاً.
في سياق الرؤية الليبرالية للإسلام. ما هو موقع قراءات القرآن الليبرالية في المركز الذي تشرف عليه؟
نحن ندعم كثيراً هذه التيارات الليبرالية في الإسلام، ونحاول فهم القرآن في سياقه التاريخي، كما فعل الباحث المصري نصر حامد أبو زيد. فأبو زيد يعتبر القرآن كلام الله لكنه نزل بلغة البشر (اللغة العربية). ذلك يعني أننا بحاجة لدراسة هذه اللغة، وإلى تحليل القرآن في سياقه التاريخي وهو القرن السابع الميلادي. وبهذه الطريقة يمكننا أن نتجاوز الفهم الحرفي للقرآن. فالأهم هو فهم المعاني الموجودة خلف الحروف، وبالنسبة لنا فالاعتماد على مثل هؤلاء العلماء المسلمين المعاصرين مهم جداً لنُظهر للطلاب بأن نهجنا ليس غريباً أو أنه يصبو إلى فهم "غربي" للإسلام.
كيف يتفاعل الطلاب مع هذه المناهج؟
التفاعل متباين، فهناك مجموعة كاملة تأتي إلينا ولديها فهم بسيط نسبيا للإسلام، فهم تطور عندهم بشكل عرضي من خلال أحاديثهم مع الأبوين أو الأقارب. أما بالنسبة لبعض الطلاب فالأمر مثير للجدل جداً عندهم حين يكتشفون الكم الكبير من الاختلافات الداخلية بين المسلمين، ويندهشون لأسباب تنوع تلك التيارات وتعدد الحجج والحجج المضادة. وبالنسبة لطلاب آخرين، فهذه التجربة في البداية مزعجة إلى حد ما، لكنهم بمرور الوقت يدركون أهمية هذه الاختلافات، وبأنه لا توجد حقائق نهائية في الدين، والأهم هو التمعن ووضع العديد من الأمور محل تساؤل. الكثير من الطلاب يرون ذلك كعملية فكرية محفزة لهم.
حتى الآن لم يتخرج الرعيل الأول من طلاب مراكز اللاهوت الإسلامي في ألمانيا. متى سيكون الرعيل الأول جاهزا؟ وما هي المهن التي سيزاولونها؟
الرعيل سيتخرج نهاية 2017. لكن كثيراً من الطلاب ينظرون إلى العمل كإمام باعتباره وظيفة غير جذابة بالنسبة لهم. طلابنا يفضلون البقاء في البحث الأكاديمي، أو العمل كمرشدين دينيين. إضافة إلى ذلك، فكثير من التجمعات الإسلامية ليست لديها إمكانات مالية لتوظيف الأئمة، ومع ذلك، فعندما يدرس هؤلاء الطلاب هنا في ألمانيا وبعدها يحصلون على رواتبهم من الخارج، بغض النظر عن البلد، يطرح هذا الأمر إشكالية.
لماذا؟
المال مرتبط بما تنتظره الجهة المانحة ( من الإمام)، وهكذا يمكن للممولين تحديد اتجاه الإسلام الذي يتم تداوله داخل المساجد، وصورة الإسلام التي يريدون نشرها، وما شابه ذلك من الأمور. ولهذا السبب أؤيد تأهيل الأئمة ليكونوا أيضاً مدرسين للدين في المدارس، لأنهم يملكون التأهيل الأكاديمي المناسب لذلك، وهكذا سيكون بإمكانهم العمل في كل المهن. وفي نفس الوقت، فإن عملهم كمدرسين للدين الإسلامي يجعلهم في غنى عن أي دخل آخر، حتى من الخارج.
ما هي حظوظ تطوير فهم ليبرالي غير عقائدي للإسلام في ألمانيا؟
الأرضية هنا في ألمانيا مناسبة جداً لتحقيق ذلك، لأن الإسلام في الدول الإسلامية أكثر تجانساً مما عليه الحال في ألمانيا، التي يمكن أن تجد فيها جميع الاتجاهات الإسلامية. فالضيوف الذين يأتون إلينا من الخارج يقولون لنا إنهم يغبطوننا على الحرية الدينية والتنوع التي نتمتع بها في ألمانيا، لذا، أرى أنّ هناك فرصاً كبيرة لتقوية هذا التنوع الداخلي في ألمانيا، تنوّع هو في الواقع جزء لا يتجزأ من تاريخ الفكر الإسلامي. الأمر سيصبح خطيراً فقط عندما تظهر في الساحة آليات سياسية في ألمانيا تريد الحد من هذا التنوع وتدافع عن تفسير واحد للإسلام، ذلك سيأتي بنتائج عكسية ومن شأنه أن يهدم التنوع في الإسلام.