وجهة نظر: الشعب المصري يستحق حُكَاماً أفضل
٢٥ يناير ٢٠١٩سادت أوقات كان ينظر فيها مفكرون في كثير من البلدان العربية بنوع من الغيرة إلى مصر. فرغم خروقات حقوق الإنسان المتكررة تحت الحاكم المستبد الطويل العهد، حسني مبارك. وليس أخيرا تحت ضغط غربي، منح نظام مبارك على الأقل للنخبة الثقافية في المدن الكبرى زوايا تنامى فيها التفكير الحر، بل حتى الأفكار الديمقراطية. ورغم أن هذا حصل في حدود ضيقة وتحت مراقبة المخابرات الدائمة ومتصلة بخطر الدخول بين عشية وضحاها إلى السجن. لكن هذه المخاطر كانت معروفة وكان من الممكن التنبؤ بها.
وهذه الزوايا لم تعد اليوم موجودة. فمصر تطورت تحت رئيسها الحالي عبد الفتاح السيسي إلى مكان حزين للقمع والفراغ الفكري. وما حصل هناك في السنوات الماضية يحمل بوضوح سمات الدكتاتورية في فرض الأفكار: فوسائل الإعلام الحكومية تم لجمها تماما والمواقع الاجتماعية تخضع لرقابة محكمة والعديد من المفكرين ومنتقدي النظام يعيشون في المنفى أو يقبعون خلف القضبان أو "اختفوا" ببساطة. ومن يعبر عن رأيه بانتقاد يعيش في خطر في مصر المعاصرة ـ أخطر بكثير مما كان عليه الوضع تحت حكم مبارك.
ديمقراطية زائفة
إنها حقيقة مرة ومحزنة أن يكون هذا التطور المظلم نتيجة المحاولة التاريخية لكثير من الناس بشجاعة كبيرة لانتزاع مزيد من الحريات وحقوق الإنسان للشعب المصري: ففي الـ 25 يناير 2011 قبل ثمان سنوات انطلقت في ميدان التحرير في القاهرة الاحتجاجات الجماهيرية التي أدت في النهاية إلى سقوط مبارك.
وبعدها بسنة ونصف تقريبا انتهى حلم الحرية والكرامة: العسكر نفذ انقلابا ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي من الإخوان المسلمين الذي حاول إقحام أنصاره في المؤسسات الحكومية وأثارت سلطته مخاوف معقولة لدى أقلية الأقباط المسيحية. وعوض أوضاع ديمقراطية أقام العسكر ديمقراطية زائفة متسلطة تحت رئيس مستبد ينحدر من صفوفه يجلس في الأثناء بشكل راسخ في كرسيه، لأنه أسكت الإخوان المسلمين والمنتقدين العلمانيين للنظام عبر القمع.
وللأسف ليست مصر هي الحالة الوحيدة. فمحاولة الحصول على ديمقراطية أكثر فشلت تقريبا في كل مكان في العالم العربي. ففي ليبيا انتهى "الربيع العربي" في الفوضى وفي سوريا واليمن تحول إلى حروب دموية جنت على حياة الكثير من الناس. فقط تونس الهشة سياسيا التي كان مواطنوها سباقين في 2010 للخروج ضد دكتاتورهم إلى الشوارع، تواصل الكفاح من أجل مستقبلها الديمقراطي. إلا أنها تحصل على قليل من الدعم الدولي.
صحيح أن الكثير من السكان العرب على غرار الكثير من المصريين انسجموا منذ مدة مع الظروف الحالية. فهم رغم الضيق السياسي والاقتصادي مسرورون بالاستقرار النسبي بعد فوضى التحول. فهم يخشون العيش في الظروف السائدة في سوريا أو ليبيا ويتحملون حريتهم المستقطعة "كسوء صغير".
وهذا يتطابق مع نظرة سائدة في الغرب بإغماض العينين تجاه خروقات حقوق الإنسان مادامت مصر بصفة عامة مستقرة وتتعاون في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب. وبإمكان السيسي تحقيق مكاسب في الغرب عندما يحتفظ بالعلاقات الدبلوماسية غير المستحبة لدى غالبية السكان مع إسرائيل، ويعتبر نفسه – على الأقل بشكل سطحي - بأنه حقق مكاسب للأقلية المسيحية في بلده، كما يظهر من خلال بناء كاتدرائية كبيرة في القاهرة.
غير مؤهل كـ "شريك" لأوروبا
وأمام هذا نجد، حسب منظمة "هيومان رايتس ووتش" فقط في السنة الماضية وحدها على الأقل 51 حكما بالإعدام مشكوك فيها بتهمة العنف السياسي أو الارتباط الشخصي "بإرهابيين". ويعتقد أن نحو 230 شخصا اختُطفوا في غضون عام. ومن يتحمل مسؤولية هذه السياسة، لا يمكن أن يكون في جميع الإكراهات السياسية الواقعية "شريكا" لأوروبا، لأنه سيتم بذلك إصدار رسالة خاطئة وكارثية مفادها أن المصريين لا يستحقون ما هو أفضل.
راينر زوليش