كراهية أمريكا تجمع روسيا وإيران.. ولكن؟
١٩ يوليو ٢٠٢٢مع بدء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، زيارته لطهران اليوم الثلاثاء حيث يجرى مباحثات مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في ثاني رحلة له إلى خارج البلاد منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي.
وتأتي الزيارة في أعقابجولة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الشرق أوسطية حيث تركزت مباحثاته بشكل رئيسي حول إيران وبرنامجها النووي المثير للجدل وأزمة الطاقة.
وخلال زيارته لطهران، من المقرر أن تُعقد قمة ثلاثية بين بوتين ورئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الأزمة السورية، في إطار مسار أستانة بعد عامين من اللقاء الأخير على مستوى زعماء المسار عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
ومن شأن زيارة بوتين لطهران أن توفر فرصة لكل من روسيا وإيران لتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي بينهما، والتأكيد للغرب بأنهما ليسا في عزلة رغم العقوبات الغربية القاسية المفروضة سواء على طهران بسبب برنامجها النووي أو موسكو بسبب عزوها العسكري لأوكرانيا.
طائرات مسيرة إيرانية لروسيا؟
ومؤخرا، تزايدت مساحات التوافق والتعاون بين إيران وروسيا، إذ أعرب مسؤولو البلدين في عدة مناسبات عن الاستعداد لتوسيع التعاون التجاري والسياسي المشترك بينهما. وتأتي زيارة بوتين بعد حوالي أسبوع من إعلان البيت الأبيض أن طهران تستعد لبيع طائرات مسيرة عسكرية للجانب الروسي من أجل استخدامها في أوكرانيا، فيما قالت إيران إن التعاون التكنولوجي مع روسيا يسبق الحرب، لكن دون تأكيد أو نفي المزاعم الأمريكية.
وقد يؤدي تعزيز العلاقات التجارية مع روسيا إلى تخفيف الضغوط على الاقتصاد الإيراني الذي يئن تحت وطأة عقوبات نفطية ومالية من قبل الولايات المتحدة منذ سنوات، فيما قد تجد موسكو في طهران مصدرا للتسليح والاستفادة من خبرة إيران في مواجهة العقوبات والالتفاف عليها وتصدير النفط، نظرا لأن طهران تحت طائلة العقوبات منذ فترة طويلة.
حلفاء، ولكن؟
من الناحية العسكرية، تزايد التعاون والشراكة العسكرية بين طهران وموسكو منذ اندلاع الصراع السوري. وفي ذلك، قال ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺳﻮل دﻳﻔﺴﻼ، الأستاذ الزائر في جامعة "كاتوليكا ديل ساكرو كور "في ميلانو والمتخصص في دراسات الشرق الأوسط"، إن التعاون بين البلدين ظل في الغالب "تكتيكيا حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك في المنطقة".
يشار إلى أن قادة إيران خاصة من التيار المحافظ المتشدد سعوا إلى تطوير العلاقات مع روسيا، فيما جعلت الحرب من إيران عنصرا هاما في الدبلوماسية الروسية.
وعلى وقع الحرب في أوكرانيا وعقب قطع الغرب علاقاته مع روسيا، تزايد التعاون والتبادل التجاري بين روسيا وإيران، وفقا لوسائل إعلام إيرانية. فخلال لقاء جمعه مع الرئيس الإيراني على هامش "قمة بحر قزوين" في عاصمة تركمانستان عشق أباد أواخر يونيو/ حزيران الماضي، أشار بوتين إلى ازدياد التبادل التجاري بين روسيا وإيران بنسبة 81 بالمائة خلال العام الماضي.
ورغم ذلك، فإن العلاقات الثنائية تبدو أكثر تعقيدا بسبب إنتاج البلدين الكبير من النفط. إذ تؤثر روسيا على قدرة إيران على بيع النفط وإيجاد مشترين جدد ولاسيما بعد الحرب على أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا خاصة قطاع الطاقة الذي يعد عماد الاقتصاد الروسي.
وفي هذا السياق، قال رضا عزيزي، الباحث بالمعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية في برلين، إن "روسيا وإيران في تنافس تجاري خاصة في سوق الطاقة والنفط".
علاقات قوية وليس تحالفا!
ويبدو أن بيع روسيا صادراتها من النفط بسعر منخفض منذ الحرب في أوكرانيا يضر بإيران، إذ نقلت وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا) عن رئيس اتحاد مصدري النفط والغاز والبتروكيماويات الإيراني، حميد حسيني، قوله في يونيو/ حزيران الماضي: إن صادرات إيران من المنتجات النفطية الثانوية انخفضت على نحو شهري من 430 ألف طن إلى 330 ألف طن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وذكرت صحيفة إيرانية في مايو/ أيار الماضي أن الصين وكوريا الجنوبية والدول الأخرى التي تعد من بين أكبر المشتريين للصلب الإيراني قد تحولوا مؤخرا إلى شراء الصلب الروسي منخفض السعر.
وفي ظل العقوبات الأمريكية على إيران، تعد الصادرات بمثابة شريان حياة اقتصاد البلاد، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم بنسبة تقترب من 50 بالمائة. فيما ذكر مسؤولون إيرانيون أنهم اضطروا إلى خفض الأسعار لمواجهة قيام روسيا بتخفيض أسعار صادراتها.
وفي مارس/ آذار، حاولت روسيا عرقلة المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي الذي يمهد الطريق أمام رفع بعض العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. فمع قرب توصل المفاوضين إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، طالبت روسيا بشكل غير متوقع بضمانات شاملة بأن التجارة الروسية مع إيران لن تتأثر بالعقوبات المفروضة على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا.
وفي ذلك، قال دﻳﻔﺴﻼ إن "إيران وروسيا ليستا حليفتين بعد، حيث إن إيران كانت مترددة في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا وعارضت الحرب عدة مرات. وهذا لا يتماشى مع قواعد التحالف بين الدول."
الجدير بالذكر أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد أكد لنظيره الأوكراني دميترو كوليبا الجمعة الماضية أن موقف طهران يقوم على مبدأ معارضة اندلاع أي حرب في كل مكان في العالم.
روسيا وإيران : معا ضد الهيمنة الأمريكية!
وأضاف ديفسلا أن لدى إيران دوافع أخرى للتقارب مع روسيا بعيدا عن دعم حربها في أوكرانيا، مشيرا إلى أن إيران في ظل توقف المفاوضات النووية "قد ترغب في أن ترسل رسالة للغرب مفادها أن لديها البديل وأن نفوذها قد يتجاوز الشرق الأوسط".
وفي هذا السياق، قال رضا عزيزي، إن التقارب الإيراني مع روسيا ليس وليد اللحظة، مضيفا أن "البلدين يعارضان الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية، وهو ما يعد نقطة مشتركة بينهما خاصة مع تصاعد التوتر بين إيران والقوى الغربية عقب قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979".
إلا أن دﻳﻔﺴﻼ يرى أن المفاوضات النووية وما ستفضي إليه من رفع للعقوبات في حالة نجاحها، يمكن أن يحد من التقارب الإيراني-الروسي عبر توفير فرص اقتصادية بين الغرب وطهران. ويضيف بأن "دافع إيران للتعاون مع روسيا يعود بشكل كبير إلى احتياجاتها الاقتصادية الملحة وغياب البديل. إذ لا يمكن أن ترفض إيران تعزيز علاقاتها مع روسيا، طالما لا توجد خيارات بديلة في الغرب".
منير غيدي / م ع