هل عادت تونس لنظام قمع حرية التعبير والتضييق على الإعلام؟
١٠ أكتوبر ٢٠١١في خضم الحملات الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس فاجأت الهيأة العليا المستقلة المكلفة بمراقبة وتنظيم العملية الانتخابية الإعلاميين العاملين في مؤسسات إعلامية أجنبية بقرار يقضي بمنع المراسلين من محاورة المرشحين أو استضافة ممثلين عن أحزابهم . وفسرت الهيأة المستقلة للانتخابات اتخاذها مثل هذا القرار بحرصها على ما سمته العدالة بين المتنافسين المرشحين لانتخابات التأسيسي في تونس.
ولئن أوضح كمال الجندوبي، رئيس الهيأة المستقلة للانتخابات، أن قرار منع الإعلام الأجنبي من الاتصال بالمرشحين لا يعني منعهم من أداء مهامهم الصحفية، إذ بإمكانهم تغطية كافة الأنشطة والاجتماعات وإجراء الحوارات شرط أن لا يكون ذلك مع المرشحين أنفسهم، فقد اعتبر مراسلو وسائل الإعلام الأجنبية أن القرار يعطل عملهم وأن فيه إقصاء غير مبرر للصحفيين العاملين في صلب مؤسسات أجنبية في مقابل منح صحفيي المؤسسات الإعلامية التونسية إمكانية تغطية شاملة للانتخابات.
قرار يعود بتونس إلى عهد قمع الحريات
في العاشر من مايو 2011 أصدرت الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي الفصل 44 من القانون الانتخابي الذي يخول للمرشحين لانتخابات المجلس التأسيسي استعمال وسائل الإعلام العمومية والخاصة التونسية دون سواها لتمرير البرامج الانتخابية والتدخل بحوارات عن الآراء المطروحة لمستقبل تونس السياسي. وقد تبنت هذا القرار الهيأة المستقلة للانتخابات ليصبح اليوم مثار جدل واسع في الأوساط الإعلامية. دويتشه فيله حاورت بعض مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية عن هذا الموضوع.
وفي حديث مع دويتشه فيله اعتبر طارق عمارة مراسل وكالة رويترز أن "هذا القرار يتعارض مع مبادئ الثورة التونسية التي نادت أولا و قبل كل شيء بحرية الإعلام و التعبير في تونس". وأضاف قائلا "المفروض أن لكل إعلامي الحق في النفاذ إلى مصادر المعلومات. إنه قرار خاطئ وليس له من مبرر على حد قول المخلوع بن علي. وسائل الإعلام الأجنبية كانت صوت المضطهدين والمعارضين خلال الثورة التونسية وقبلها وليس من العدل مكافأتها بحرمانها من الحديث مع المرشحين في أول محطة انتخابية بعد الثورة ".
ولم يجد طارق عمارة حتى الآن أي إشكال في الحديث مع رؤساء الأحزاب التونسية من المرشحين للانتخابات، فهم على حد تعبيره أكثر انفتاحا ودفاعا عن حرية التعبير من أعضاء هيأة حماية الثورة التي اتخذت هذا القرار. ويضيف طارق لدويتشه فيله "أنا لا يلزمني مثل هذا القرار الإقصائي الجائر وسأعمل في كنف المهنية دون التقيد به".
وفي ذات السياق يعترف زياد الهاني رئيس جمعية اللجنة العربية للإذاعات الحرة بأن هذا القرار غير مهني ويحد من عمل الصحافي، كما يستغرب زياد الأمر بالنظر إلى أن الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي نصت على هذا القانون، تضم إعلاميين من واجبهم عدم السماح بتمرير مثل هذه القرارات الإقصائية. كما يتفق زياد الهاني مع ما ذهب إليه مراسل وكالة رويتر إذ يقول "بالنسبة لي الصحافي مطالب بالعمل بما تفرضه أخلاقيات المهنة وضوابطها بقطع النظر عن مثل هذه القوانين الجائرة وعدم الالتفات إلى هذه التضييقات التي مرت في غفلة من الإعلاميين".
قرار يعيق عمل المراسلين
من ناحيتها ترى الإعلامية رحمة همادي، مراسلة قناة النيل للأخبار، في حديث مع دويتشه فيله أن هذا القرار "متسرع وتعسفي" ولفتت في هذا السياق إلى الدور الذي لعبته الصحافة الأجنبية في نقل المعلومة بكل حياد خلال الثورة التونسية رغم التضييقات التي كانت تتعرض لها. وتضيف رحمة همادي أنها أجرت مؤخرا حوارات مع ممثلي الأحزاب الذين يؤكدون عدم التزامهم بمثل هذا القرار و خاصة تلك الأحزاب التي لا تملك وسيلة إعلام خاصة بها تعبر عنها وعن برامجها الانتخابية. لكن يبقى المستقلون الذين وجدت منهم رحمة همادي تملصا وخوفا من الظهور في وسائل الإعلام الأجنبية ذلك أن الهيأة المستقلة للانتخابات كانت قد حذرت المرشحين بسحب ترشحاتهم من الانتخابات إذا قاموا بذلك.
أما نجوى همامي، مراسلة قناة بي بي سي في تونس فقد وجدناها في شوارع العاصمة تونس تواكب تطورات الحملات الانتخابية وتحاور المرشحين والمواطنين في الشارع التونسي. لكنها اعترفت لدويتشه فيله أن قرار منعها ومنع المراسلين من الحديث مع المرشحين قد عطل عملها وحصر حريتها وعاد بذاكرتها لما عاشته من سنوات التضييق على الإعلام والإعلاميين في تونس، وقالت "من الغريب أن تتخذ الهيأة المستقلة للانتخابات مثل هذا القرار"، لاسيما في وقت تتجه فيه أنظار العالم إلى انتخابات تونس معتبرة أن هذا القرار يعد "نوعا من التضييق على حرية التعبير في صيغة جديدة".
إنجاح المحطة الانتخابية يفترض إقصاء الإعلام الأجنبي من الحديث مع المرشحين
"نحن نعلم أن الانتخابات في تونس هي محط اهتمام العالم لأنها أول عملية انتخابية ستقع في بلد عربي شهد ثورة قبل مجمل بقية الدول العربية الأخرى. لكن قرار منع الصحافة الأجنبية يتنزل ضمن حماية المجتمع التونسي من تصرفات مؤسسات إعلامية من قبيل التدخل في الشؤون الداخلية لتونس وتجاوزا لسيادتها". هكذا فسر بوبكر بالثابت، الكاتب العام للهيأة المستقلة للانتخابات، ما أقدمت عليه الهيأة من تبني قانون منع الصحافيين للمؤسسات الأجنبية من إجراء حوارات والحديث مع المرشحين للانتخابات التأسيسية في تونس. لكن هذا التحجير لا يعني، على حد تعبير بالثابت ،عدم حق الصحافة الوطنية والعالمية في التغطية للعملية الانتخابية وللنفاذ للمعلومة .
ويفسر بوبكر بالثابت اتخاذ القرار بأنه "رغم الثقة العالية في وسائل الإعلام المحترفة وكبرى الدور فإن هذا لا يمنع أن شكلا من أشكال توجيه الناخب هو التركيز على طرف دون آخر كالإخلال بالمبادئ العليا وتكافؤ الفرص التي تستطيع الهيأة العليا للانتخابات مراقبتها وتتبعها بالنسبة للصحافة الوطنية في حين لا تستطيع أن تفعل ذلك بالنسبة للصحافة الأجنبية. لأن وسائل الإعلام التونسية تخضع لسلطة إدارية يمكن تتبعها جزائيا، الأمر الذي قد لا يتوفر بالنسبة لوسائل الإعلام الأجنبية. نحن نخاف أن تنقل كل جهة إعلامية سياستها التحريرية على حساب مصلحة إنجاح الانتخابات في تونس". من ناحية أخرى اعترف بوبكر بالثابت الكاتب العام للهيأة العليا المستقلة للانتخابات أن عدة مسائل متعلقة بالقانون الانتخابي لم تأخذ حظها من النقاش الجاد والمعمق وأنها جاءت بطريقة متسرعة لكنه يعتبر أن الوقت قد فات لاتخاذ إجراءات جديدة في هذا السياق مثل التراجع عن القرار.
أما نجيبة حمروني، نقيبة الصحافيين التونسيين وعضو في الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي فقد فسرت موافقتها على القانون في حديث لدويتشه فيله قائلة " هذا القرار لا يسمى حرمانا أو إقصاء للإعلاميين مثل ما ذهب الكثيرون إلى ذلك، إنه قرار منظم للقانون الانتخابي فحسب ويدخل ضمن حماية مصلحة الوطن". وتضيف حمروني في نفس السياق "نظرا لضيق الوقت صادقنا على مثل هذا القرار لأننا لا نملك الآليات اللوجستية والمادية لمراقبة عمل الإعلام الأجنبي خلال فترة الانتخابات ووضع ضوابط للقنوات والوسائل الإعلامية الأجنبية".
مبروكة خذير – تونس
مراجعة: طارق أنكاي