نشر قوات الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا.. تحديات كبرى!
١٩ فبراير ٢٠٢٥في ظل تهديد الولايات المتحدة بخفض أو قطع دعمها لكييف، وعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يسارع الأوروبيون إلى توفير ضمانات أمنية للبلاد التي مزقتها الحرب.
قالت المملكة المتحدة، وهي قوة دفاعية غير تابعة للاتحاد الأوروبي في الحلف، إنها مستعدة لإرسال قوات إلى أوكرانيا لردع روسيا، كما كتب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مقال رأي على صحيفة التلغراف البريطانية، أن المملكة المتحدة "مستعدة للعب دور قيادي" في الدفاع علىأوكرانيا وأمنها.
كانت فكرة نشر قوات أوروبية على الأرض في أوكرانيا قد طرحت من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأول مرة العام الماضي. ويقول الخبراء إنها بدأت أخيرا تكتسب دعما، على الرغم من أن جدواها لا تزال غير مؤكدة.
من الذي قد يساهم في إرسال "قوة حفظ السلام"؟
أشار العديد من القادة الأوروبيين إلى أن وجود القوات الأوروبية على الأرض في أوكرانيا لن يصبح ممكنا إلا بعد اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، ويتفق الخبراء مع هذا الرأي.
وقال لورانس فريدمان، المؤرخ العسكري في حوار مع DW: "مزال الوقت مبكرا، لا يمكن أن تكون هناك مثل هذه القوة على الأرض بدون اتفاق سلام مستدام". وأضاف "لا ينبغي أن نطلق عليها قوة حفظ سلام، والتي من المفترض أن تكون محايدة، إنها في واقع الأمر قوة رادعة، مصممة لردع روسيا أو معاقبتها إذا انتهكت الاتفاق".
لقد أيدت فرنسا وبريطانيا الفكرة، كما أعربت السويد عن استعدادها لإرسال قوات بمجرد إرساء السلام. وقال خبراء إن تحالفا من الدول الأوروبية الراغبة في إرسال قوات إلى أوكرانيا قد يتشكل، ولكن خارج مظلة حلف شمال الأطلسي.
لكن، تظل الدول الأوروبية الرئيسية مترددة بشأن اتخاذ قرار نهائي، وكان المستشار الألماني أولاف شولتز غير متحمس للفكرة، على الرغم من أن المنافس الرئيسي لحزبه، أشار أنه مؤيد لها.
كانت بولندا من بين أقوى المؤيدين لأوكرانيا، لكنها تمتنع بوضوح عن نشر جنود بولنديين، وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك للصحفيين: "لا نخطط لإرسال جنود بولنديين إلى أراضي أوكرانيا. سنقدم الدعم اللوجستي والسياسي للدول التي قد ترغب في تقديم مثل هذه الضمانات في المستقبل".
كم عدد القوات المطلوبة للحماية؟
حتى لو كانت هناك إرادة سياسية، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الحلفاء سيكون لديهم القدرة على توفير الجنود الكافين لحراسة حدود أوكرانيا.
"المعضلة التي يواجهها الأوروبيون هي: من أين يحصلون على تلك القوات؟ لأن سحبها من الحدود مع روسيا يجعلها عرضة للخطر"، حسب تحليل رافائيل لوس، الخبير في الشؤون الأمنية ضمن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
صرح أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، قائلا "إن أوروبا ستحتاج إلى 50 إلى 100 ألف جندي".
لكن حتى الآن، لم تعط أي دولة من بين الدول التي أبدت استعدادها للمشاركة في مثل هذه الخطة أي فكرة عن عدد القوات التي ترغب في إرسالها.
وفقا لفريدمان، يمكن للمملكة المتحدة أن تقدم ما يصل إلى 10 آلاف جندي كحد أقصى. وأوضح قائلا "تقييمي التقريبي هو أنه ستكون هناك حاجة إلى 100 ألف جندي على الأقل. إن قوة أصغر حجما قد تتعرض للاجتياح، وعندها ستواجه أزمة أكبر. هناك حاجة إلى أعداد تأخذها روسيا على محمل الجد".
ولكن تجميع عشرات الآلاف من الجنود لإرسالهم إلى منطقة صراع محتملة هو مهمة سياسية مثيرة للنقاش. بالنسبة لرفائيل لوس: "إن الجنود على الأرض يواجهون تهديدا، كما تواجه البلدان التي ستنشرهم تهديدات أيضا، وخاصة الاغتيالات، وسوف يختبر بوتين الصفقة".
كما أن بلدان الاتحاد الأوروبي تفتقر للقوى البشرية الكافية لتحقيق خطط الدفاع الخاصة بحلف شمال الأطلسي لحماية الدول الأعضاء في حالة وقوع هجوم روسي. كانت ألمانيا تدرس ما إذا كان ينبغي لها إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، لتجنيد عدد أكبر في البلاد.
وأضاف لوس "بحلول الصيف، سوف يبلغ حلف شمال الأطلسي الحكومات بأهداف القوات"، وذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية، في يونيو/حزيران أن ألمانيا قد تحتاج إلى "ما يزيد عن 272 ألف جندي "لتنفيذ الخطط". وقال لوس إن "العدد الحالي للقوات المسلحة الألمانية هو 181 ألف جندي، وكان الهدف هو الوصول إلى 203 آلاف بحلول عام 2031".
ما الحاجة لموافقة الولايات المتحدة؟
يرى الخبراء أن الأوروبيين لا يحتاجون إلى موافقة الأمم المتحدة لنشر مثل هذه القوة، وأن السعي للحصول على موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد يزيد الأمور تعقيدا، لأن أي قرار سوف تعارضه روسيا والصين، سيكون مصيره الفشل.
ولكن موافقة الولايات المتحدة مطلوبة بشدة، وإن كانت بشكل غير مباشر، لجعل مثل هذه القوة الرادعة فعالة. خلال تواجده في أوروبا الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إن حلف شمال الأطلسي لن يشارك في أي قوة ردع من هذا القبيل، ولكنه ترك الباب مفتوحا أمام الأوروبيين.
وأشار كل من فريدمان ولوس إلى أنه قد يكون هناك مجال ما للحصول على المساعدات الأميركية غير المباشرة، مثل الدعم اللوجستي والغطاء الجوي.
وأضاف فريدمان أن الدعم الأميركي مطلوب "لنقل القوات وتزويدهم بالإمدادات"، باستخدام طائرات هليكوبتر نقل كبيرة. وقال إن الولايات المتحدة قد تقدم أيضا معلومات استخباراتية بالغة الأهمية من خلال الاستطلاع المتفوق عبر الأقمار الصناعية. وقال إن الأوروبيين يعتمدون على الولايات المتحدة في "مجموعة أوسع من الإمكانيات التي لا تتوفر لديهم".
طلب كيث كيلوغ، مبعوث ترامب إلى أوكرانيا، من الأوروبيين تقديم عدد محدد من القوات والأصول التي سينشرونها في مثل هذه المهمة لحفظ السلام. والتقى برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الثلاثاء في بروكسل.
وأوضح مركز أبحاث SWP الألماني: "أن استطلاع رأي حديث في ألمانيا كشف أن 59 بالمئة من المستجوبين يؤيدون نشر الجيش الألماني رفقة قوات أوروبية أخرى، لضمان وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا"، ولكن ليس بدون دعم أمريكي.
وقال كيلوغ "ترفض جميع الدول الأوروبية تقريبا مثل هذه المهمة دون مشاركة الولايات المتحدة، على اعتبار أنها محفوفة بالمخاطر". ولفت الانتباه إلى إن "الدور القيادي البريطاني الفرنسي ليس كافيا بالنسبة لمعظم الأوروبيين".
إن روسيا تحتاج قبول الفكرة كجزء من اتفاق السلام الشامل.، ولعل أحد الاقتراحات هو إدراج القوات التركية بين قوات حفظ السلام. لقد لعبت تركيا دورا متوازنا طوال فترة غزو روسيا لأوكرانيا، وظلت داعمة لها لكونها عضوا في حلف شمال الأطلسي.
بالنسبة لفريدمان "تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، وربما يمكنها توفير أعداد أكبر، كما قد يجد الروس الأمرا مقبولا".
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة