مواقف الغرب من توسيع البريكس: بين الخشية وعدم الاكتراث
٢٦ أغسطس ٢٠٢٣ربما لا ترى الولايات المتحدة الأمريكية في خطط مجموعة البريكستهديداً جدياً. وربما يكون تقليل واشنطن من أهمية التوسع المخطط للمجموعة ليشمل إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا والأرجنتين مجرد جزء من الاستراتيجية السياسية الأمريكية. فعلى أية حال، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن مجموعة البريكس ليست منافساً جيوسياسياً للولايات المتحدة. وأضاف في إفادة صحفية "هذه مجموعة متنوعة من الدول.. لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة".
ومن الواضح أيضاً أن البيت الأبيض يحاول تهدئة الأمور وعدم التنديد بصوت عالٍ بمبادرة توسيع بريكس وعدم اعتبارها كهجوم مباشر على مكانة الولايات المتحدة كسيدة للعالم. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إنه من أجل الحفاظ على السلام والأمن العالميين، ستواصل الولايات المتحدة العمل مع شركائها وحلفائها "على المستويات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف". وأضاف أن الولايات المتحدة مقتنعة بأن كل دولة حرة في اختيار شركائها الذين تتعاون معهم.
وتفضل واشنطن التركيز على اجتماع القمة الثامن عشر لدول مجموعة العشرين في نيودلهي بعد أسبوعين. وستكون دول البريكس الخمس ممثلة هناك، بالإضافة إلى الأعضاء الجدد المحتملين الأرجنتين والمملكة العربية السعودية، لكن لا الإمارات العربية المتحدة ولا مصر ولا إثيوبيا ممثلة في قمة مجموعة العشرين، وقبل تلك الدول، العدو اللدود: إيران. وقال البيت الأبيض إن الدول الغربية تأمل في تحقيق "نتائج قوية" في اجتماع نيودلهي، بحيث يظهر دور مجموعة العشرين باعتبارها "المنتدى الأهم للتعاون الاقتصادي".
"مجموعة البريكس هي تحالف اقتصادي في المقام الأول"
وعلى الجانب الآخر، فإن العديد من الدول الغربية تكاد تكون متحفظة بشكل واضح بشأن مركز القوة الجديد المحتمل لمجموعة البريكس. وهنالك عدد قليل فقط من وسائل الإعلام هو من يتخلى عن التحفظ، ويقوم بالتعبير، ربما، عما قد تفكر فيه العديد من الحكومات خلف الأبواب المغلقة. وعلقت صحيفة أفتنبوستن النرويجية قائلة إن مجموعة البريكس "أصبحت نادياً عالمياً للقادة المستبدين والرجعيين، في وجود الصين وروسيا على رأسها". وأضافت الصحيفة أن شعوب هذه الدول تستحق الأفضل.
وتذهب صحيفة "NRC" الهولندية خطوة أبعد من ذلك فكتبت تقول: "دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات فقط للانضمام للمجموعة يمثل نكسة للصين. وعلاوة على ذلك، فإن جنوب أفريقيا شددت أيضاً على أنه ’من الخطأ تماماً’ اعتبار مجموعة البريكس منتدى مناهض للغرب. أمّا أن تكون المجموعة بديلاً لمجموعة السبع، كما ترغب الصين، فهذا لم يحدث بعد".
وتضيف صحيفة "NRC" أن إصدار عملة مشتركة خاصة بالمجموعة، كما تسعى البرازيل جاهدة لتحقيقه، ليست مسألة واقعية مادامت الاختلافات الاقتصادية بين دول المجموعة كبيرة جداً. وتابعت الصحيفة: "في عالم متعدد الأقطاب، تتوخى العديد من دول العالم الجنوبي الحذر بشأن وضع كل الرهانات على حصان واحد. لكن لا ينبغي الاستهانة برمزية التعاون بين دول الجنوب. في النهاية مجموعة البريكس هي في المقام الأول تحالف اقتصادي وستظل كذلك".
ولكن أين ألمانيا؟
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تتعامل مع الموضوع على مبدأ أن توسيع مجموعة بريكس ليس نهاية العالم، وأنه من المباح والمشروع أيضاً ونحن في عام 2023، في عالم تحكمه العولمة، أن تتطلع الدول في كل الاتجاهات بحثاً عن مصالحها. وقالت بيربوك: "في هذه الأوقات، تشعر جميع دول العالم بمدى أهمية التعاون والشراكة. ويجب على كل دولة أن تسأل نفسها على الدوام: ما هي الشراكة التي تناسب قيمها ومصالحها بشكل أفضل؟ وأيها الذي سيفيد أكثر على المدى الطويل؟"
ومن الواضح أن استراتيجية ألمانيا هي: الترحيب بالجميع، وعدم المخاطرة، والتأكيد على أن باب برلين مفتوح دائماً لجميع أعضاء البريكس الجدد، ففي نهاية المطاف، هناك قنوات اتصال مع الجميع، باستثناء إيران، حسب بيربوك. وقد دافعت وزيرة الخارجية الألمانية بشدة عن التعاون مع الأعضاء الجدد في المجموعة التي تضم اقتصاديات صاعدة. وقالت بيربوك في العاصمة الألمانية برلين (الخميس 24 أغسطس/ آب 2023)، إنها لا تشاطر الرأي الذي تتم مناقشته في الرأي العام في بلادها ومفاده بأن التقاء دول البريكس يمثل مشكلة، مشيرة إلى أن لكل جهة الحق في أن تختار اجتماعاتها بنفسها وبحرية سواء كان ذلك على مستوى الأوروبيين أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو مجموعة العشرين.
الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍ كبير
ومن المفارقات أن راينهارد بوتيكوفر، وهو أحد أعضاء حزب بيربوك (حزب الخضر)، تحدث بصراحة بخصوص نتائج قمة البريكس في جنوب أفريقيا. وقال منسق السياسة الخارجية لكتلة أحزاب الخضر الأوروبية في برلمان التكتل إن "قمة البريكس سجلت حقائق تاريخية. وهذا سيزيد بشكل كبير من الثقل الدولي لبريكس، حتى ولو كانت هناك اختلافات مهمة بين الأعضاء. ومن خلال عملية التوسيع ستتغير شخصية البريكس أيضاً وسوف تتزايد هيمنة الصين، وستصبح مجموعة البريكس مجموعة استبدادية بشكل واضح".
ويقر راينهارد بوتيكوفر بصحة الرأي القائل إن مجموعة البريكس ليست مجموعة متجانسة، وهو ما ينعكس أيضاً في موقفها تجاه الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا، إلا أن أعضاءها بدوا متحدين في موقفهم "المناهض للغرب". ويتابع بوتيكوفر: "مجموعة البريكس كانت دائما غير غربية (الهوى)؛ والآن تتحول اللهجة (الخاصة بالمجموعة) إلى (لهجة) المواجهة".
ويحذر السياسي بالبرلمان الأوروبي من أن الاتحاد الأوروبي يواجه الآن تحدياً هائلاً ويقول: "ليس لدينا وقت طويل لإثبات أن أوروبا تريد أن تكون شريكاً موثوقاً وعادلاً للدول الفقيرة والنامية. وإذا لم ينجح ذلك، فقد تصبح البريكس ملاذا لكثير من هذه البلدان".
أوليفر بيبر/ ص.ش