من يؤخر الحسم العسكري في الفلوجة ؟
٦ فبراير ٢٠١٤هرعت مع من هرع من المتسوقين وأصحاب المحال التجارية في الشورجه والسوق العربي صوب شارع الجمهورية وسط بغداد في ثمانينيات القرن الماضي . ابحث عن مكان بين جموع من المواطنين اصطفوا على جانبي الشارع ، تسمرت عيون الجميع صوب سيارات حمل عسكرية مكشوفة ، كانت محملة بأشخاص مكبلين بالأصفاد بانت عليهم علامات الإعياء ، رؤوس اغلبهم مطرقة صوب الأرض ، منهم من تعدت أعمارهم الستين عاما ، بين كل مجموعة سيارات حمل تمر سيارة دفع رباعي تحمل مكبر صوت معلنة : "هؤلاء هم أسرى جيش الخميني الصفوي ".
في المساء بثت تلفزيون بغداد تقريرا عن قافلة الأسرى ، كانت قد مرت بأغلب شوارع بغداد الرئيسية باستعراض قوة مهين بعيدا عن تعاليم الإسلام وعن الضوابط والقوانين والمعاهدات الدولية ، التي توجب معاملة الأسرى معاملة لائقة.
بعد قمع الانتفاضة تكرر المشهد ، لكن هذه المرة مع المنتفضين الثوار، حينها حشروا بسيارات حمل جالت مراكز مدنهم ، بعدها سارت إلى المعتقلات في الرضوانية وغيرها من أمكان الاحتجاز.
سيارات داعش تستعرض أسرى الجيش العراقي
بالأمس سيارات الحمل العسكرية محملة بأسرى إيرانيين ومنتفضين عراقيين ، واليوم سيارات الحمل التابعة لداعش محملة بأسرى من "جيش المالكي الصفوي" .لقد استعرضوا بجنودنا الأسرى المغدورين في شوارع الفلوجة ، الفاعل في كل المرات واحد.
في استعراض بسيط لأسماء ووجوه من اسر الجنود العراقيين في الفلوجة يقفز اسم عبد الله الجنابي، "والي" الفلوجة الحالي ورئيس ما كان يسمى "مجلس شورى المجاهدين" سابقا . الجنابي كان ضباطا في جهاز الأمن الخاص الصدامي ، كان مكلفا بنشر الوهابية في مدن الشيعة بعد قمع انتفاضة العام ١٩٩١. من يقود مجاميع داعش وينسق هجماتهم هم ضباط سابقون في حرس صدام الجمهوري.
بعد المواجهة الأولى بين الأمريكان و"المقاومين" في الفلوجة ، أول مطالب "المقاومين" لم تكن مطالب خدمية لسكان المدينة ، لم يطالبوا بجلاء من كانوا يسمونهم قوات الاحتلال .أرادوا مطلبا رئيسيا هو إعادة الضباط السابقين ، شكلوا فوجا كل ضباطه وآمرهم من ضباط الحرس الجمهوري السابقين ، ممن نقعت أيديهم بدماء المنتفضين ضد صدام ، لولا الموقف الحاسم ، الذي وقفته كل القوى الوطنية بوجه الأمريكان آنذاك "لعادت حليمة إلى عادتها القديمة".
"الخسائر المنظورة ولقطاء الارهابيين "
كلما طالت فترة الحسم العسكري في الفلوجة تزداد الخسائر المنظورة وتبرز بعد حين خسائر غير منظوره ، يكفي ان ملف أكثر من ثلاث آلاف طفل لقيط من الذين ولدوا بعد سيطرة تنظيم القاعدة على الرمادي ومدنها لم يطوى ولم يجد حلا بعد ، لان جل هؤلاء الأطفال لا يعرفون عن آبائهم شيئا .كلما طالت مدة وجود مقاتلين أجانب وعرب في الفلوجة ، كلما زادت احتمالات ولادة المزيد من هؤلاء الأطفال ، الذين يدفعون ضرائب ذنوب وجرائم لم يرتكبوها.
بالأمس القريب خطفوا احد عشر امرأة عراقية صوب الصحراء بحجة عدم "ارتداء الحجاب ." و"الحبل على الجرار" كما يقولون .
لان "المجاهدين" ومن يدور في فلكهم يبتكرون مسميات ومبررات شرعية لكل جرائمهم فان الأطفال اللقطاء ، الذين خلفوهم في كل المناطق ، التي سيطروا عليها لمدد طويلة يسمونهم "أبناء المهاجرين". "خوش مهاجرين وأحلى أنصار" !.
الحسم العسكري المبكر يجنب العراق وقواته الأمنية وجيشه الخسائر والاستنزاف واحتمالات تمدد الأزمة إلى أماكن أخرى ..
يكفينا للآن ان مدنا ومحافظات كاملة لم نسمع عنها وعن مسؤوليها وحتى اغلب نوابها أنهم قدموا ولو تهنئة أو ابدوا مشاعر فرح بفوز المنتخب الاولمبي. هذه علامة بسيطة من علامات شرخ سيتعمق كلما طالت فترة الحسم العسكري وازدادت الخسائر والمعاناة .
من يؤخر الحسم العسكري في الفلوجة سيكون مسؤولا عن كثير من التداعيات التي ستحصل والدماء التي ستسيل.
"الثوم لا يفقد رائحته حتى لو غسل بماء الورد "