من المسؤول عن "تنامي ظاهرة العداء للمسلمين في ألمانيا"؟
٢٧ نوفمبر ٢٠١٠حين يسأل بكر ألبوغا، المتحدث السابق باسم لجنة التنسيق للجمعيات الإسلامية في ألمانيا، عما إذا كان يعتقد بأن ظاهرة العداء للمسلمين في البلاد تتنامى حقاً، يجيب متسائلاً: ماذا تسمي إذن تعرض أكبر مساجد العاصمة الألمانية برلين لأربعة اعتداءات خلال فترة قصيرة إذا لم يكن عداءً للمسلمين؟ ويضيف ألبوغا، العضو البارز في الاتحاد الإسلامي التركي في ألمانيا، في حوار مع دويتشه فيله، بأن المسلمين في ألمانيا يمرون بظروف صعبة في هذه الأيام إذ أضحوا هدفاً للمتطرفين اليمنيين الذين باتوا لا يتورعون عن استخدام "العنف ضدهم وضد مساجدهم".
وكانت عدة شخصيات إسلامية ألمانية قد شكت مما وصفته بتنامي ظاهرة العداء للمسلمين في ألمانيا مؤخراً إثر تعرض بعض المساجد لاعتداءات وكذلك قيام مجموعات يمينية متطرفة بتنظيم حملات منظمة ضد المسلمين ورموزهم في ألمانيا. فقد كشف رئيس الجالية التركية في ألمانيا كينان كولات بأنه شخصياً بات هدفاً لحملات في الفيسبوك بالإضافة إلى تلقيه لعشرات من الرسائل الإلكترونية التي تهدده بالطرد من البلاد. كما أضاف كولات بأن المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا يتلقى تهديدات مماثلة من قبيل أن "استئصالكم من ألمانيا بات قريبا"، وغير ذلك من التعبيرات العدوانية.
صمت الساسة الألمان
وفي هذا الإطار وجه بعض قادة المسلمين في ألمانيا انتقادات إلى "الساسة الألمان بسبب صمتهم تجاه ما يتعرض له المسلمون من مظاهر العداء"، كما صرح بذلك رئيس المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا أيمن مزيك. كما أعرب بكر ألبوغا، لدويتشه فيله، عن دهشته أيضا لـ"عدم إقدام الساسة الألمان على إدانة هذه الاعتداءات، علماً بأنهم يسارعون إلى إطلاق التصريحات في ظروف وحوادث أقل أهمية". وبدوره يقر الباحث والأكاديمي اللبناني المقيم في برلين رالف غضبان، المعروف بانتقاداته للجمعيات الإسلامية في ألمانيا، بوجود "أجواء معادية للمسلمين في ألمانيا".
ويضيف غضبان، الأستاذ في الكلية الإنجيلية في برلين، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "العنف الذي ظهر مؤخراً في ألمانيا مقلق جداً وهو يختلف نوعياً عن موجة العداء العادية، التي كانت وما زالت موجودة في مختلف المجتمعات الأوروبية". ويرفض غضبان الربط بين مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني في قاعة محكمة بمدينة دريسدن بشرق ألمانيا، قبل أكثر من عام، وبين الاعتداءات التي تعرضت لها بعض المساجد والمراكز الإسلامية في ألمانيا مؤخراً، لأن "مقتل الشربيني حادث فردي يقف وراءه شخص غير سوي، في حين أن ما يحصل الآن هو ظاهرة عامة". فـ "استهداف مسجد برلين، الذي يزوره الألمان بكثرة ويمثل نموذجاً للتسامح دليل على أن هناك تحولاً نوعياً خطيراً قد حدث ويجب التصدي له".
" الإعلام يساهم في تغذية ظاهرة العداء للإسلام"
أما الباحث والمستشرق الألماني لوتز روغلر فيرى بأن ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين ليست وليدة اليوم ولا علاقة لها بتحذيرات وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير من احتمال تعرض ألمانيا لهجمات إرهابية، بل تعود إلى اعتداءات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام ألفين وواحد وما رافقها من نقاشات في وسائل الإعلام منذ حوالي عشر سنوات. ويضيف روغلر، في حوار مع دويتشه فيله، بأن هناك تراكمات لبعض المشاكل التي نشأت في العقود الثلاثة الماضية داخل المجتمع الألماني وخصوصاً فيما يتعلق بالاندماج من جهة، ومشكلة التنظيمات الإرهابية المنسوبة للإسلام من جهة أخرى.
ويعرب روغلر عن اعتقاده بأن طريقة تناول وسائل الإعلام لهذه القضايا تساهم في إشاعة جو من العداء للإسلام؛ إذ يجري تضخيم بعض المشاكل "وتعميمها على جميع المسلمين أو الجزء الأكبر منهم وكأنهم مسؤولون عن هذه الاعتداءات الإرهابية". كما يتهم روغلر بعض السياسيين الألمان باستغلال هذه الحوادث والاستفادة من هذا "المناخ الإعلامي لتبرير وتمرير بعض الإجراءات السياسية التي ستؤدي في النهاية إلى تضييق هوامش الحريات في المجتمع".
الثقافة الذكورية واستعداد الشباب المسلم للعنف
كما يتهم روغلر بعض المسؤولين الألمان، وخصوصاً وزيرة شؤون الأسرة كريستينا شرودر، بـ "أسلمة المشاكل الاجتماعية وذلك في محاولة لإضفاء طابع ديني أو ثقافي على قضايا ذات طبيعة اجتماعية"، وذلك في إشارة إلى تصريحات للوزيرة المحافظة اتهمت فيها الشباب المسلم بأنه "أكثر استعداداً للعنف من غيره بسبب ثقافته الذكورية". فلجوء الوزيرة إلى مثل هذه الاتهامات "دليل واضح على التهرب من مسؤولية الفشل عن سياسة الاندماج التي تطبقها الحكومات الألمانية منذ أكثر من ثلاثة عقود، عبر التركيز على جزء من المهاجرين، أي على المسلمين من العرب والأتراك".
ويشدد روغلر على أن تصريحات الوزيرة "تصب الزيت على نار الأجواء المعادية للمسلمين في ألمانيا بدلاً من أن تتصدى لها"، وهو ما يرفضه رالف غضبان الذي يتحدث عن "وجود نقمة لدى الألمان على المسلمين لأنهم لا يفهمون عدم استعداد هؤلاء للاندماج في مجتمعهم". ويتهم غضبان المسلمين بأنهم لم "يستفيدوا من أجواء الانفتاح الذي حصل في ألمانيا منذ بداية تسعينات القرن الماضي". فبينما كانت "السلطات الألمانية مسؤولة، في السابق، عن عدم تشجيع المسلمين على الاندماج، تقع المسؤولية اليوم على عاتق هؤلاء (المسلمين) وجمعياتهم".
أحمد حسو
مراجعة: عارف جابو