مصر: حملة اعتقالات جديدة لمعارضين.. ما الذي يخشاه النظام؟
٢٤ أغسطس ٢٠١٨حملة اعتقالات جديدة تطال نشطاء وشخصيات مرموقة في مصر. السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق والحاصل على نوط الشجاعة من الدرجة الأولى عن دوره في حرب اكتوبر تشرين ثان 1973، الدكتور يحي القزاز استاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي ووكيل مؤسسي حزب التيار الشعبي (تحت التأسيس) وآخرون، جميعهم ألقي القبض عليهم في توقيت متزامن ووجهت لهم اتهامات مختلفة:
<iframe src="https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fkhaled.ali.72%2Fposts%2F1455651841246836&width=500" width="500" height="236" style="border:none;overflow:hidden" scrolling="no" frameborder="0" allowTransparency="true" allow="encrypted-media"></iframe>
وكان السفير معصوم مرزوق قد أطلق مبادرة أسماها "تعالوا إلى كلمة سواء"، طالب فيها بعمل استفتاء شعبي على استمرار نظام الرئيس المصري السيسي، وفي حالة رفض النظام فإنه يدعو الشعب والسياسيين للتجمع يوم الحادي والثلاثين من أغسطس بميدان التحرير لبحث الخطوات المستقبلية:
<iframe src="https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FMasomMarzokForEgypt%2Fposts%2F452403018608266&width=500" width="500" height="707" style="border:none;overflow:hidden" scrolling="no" frameborder="0" allowTransparency="true" allow="encrypted-media"></iframe>
حملة الاعتقالات الأخيرة.. مغزى التوقيت
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا جرت حملة الاعتقالات الآن بعد أن أمسك النظام المصري بمقاليد الأمور بقبضة أمنية شديدة؟
الدكتور حسن نافعة استاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في مقابلة مع DW عربية إن النظام لم يكن يريد ردود فعل صاخبة على اعتقال هذه الشخصيات، ولذلك ربما اختار وقت عيد الأضحى، "والأكثر ترجيحاً هو أنه استغرق وقتاً في الإعداد لترتيب القضايا والحيثيات التي تبرر عمليات الاعتقال، فما بين مبادرة السفير معصوم مرزوق وبين وقت القبض عليه مر نحو شهر وهو وقت كاف لترتيب القضية وحيثياتها".
إغلاق للمجال السياسي؟
يصر الرئيس المصري في كل خطاباته على التأكيد بقبوله للمعارضة، كما يؤكد الإعلام المصري على أن المجال السياسي مفتوح وأن حرية الرأي يكفلها الدستور المصري والقوانين، لكن واقع الخلاف يشي بخلاف ذلك.
محمود إبراهيم مدير مركز الاتحادية للدراسات أكد في مقابلة مع DW عربية أن المجال العام لم يغلق وإنما يعاد ترتيبه وأن هذه لحظة ممتدة من 25 يناير والتي نتج عنها فوضى ظلت مصر تعاني لفترة طويلة منها. وقال إبراهيم إن "هذه هي لحظة لتأسيس عهد الرئيس السيسي وجزء من هذا التأسيس إبعاد كل من ساهم في تخريب مصر على مدار الأعوام الستة الماضية ومن البديهي ألا يكون لهؤلاء مكان في المشهد الحالي الذي يؤسس بوجوه جديدة."
لكن حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يرى أن النظام لا يوجد لديه أي داع للقلق لكنه يرغب وبشدة في منع وجود أي هامش للمعارضة أو الاختلاف وأنه لن يقبل من أي فرد المجتمع المصري إلا أن ينضوي بالكامل تحت لواء النظام ويوافق على كل سياساته وإلا فعليه أن ينتظر الاتهام إما بأنه عضو في الإخوان أو أنه يتعاون مع منظمة إرهابية، "فالنظام لم يعد يحتمل أدنى قدر من الاختلاف وليس أمام أحد إلا الاصطفاف خلف السيسي وأن يكون كل المجتمع المصري على قلب رجل واحد، فالقضية هي أن النظام لا يريد أبداً وجود مجال عام وليس هناك إلا مبدأ: إما معنا أو ضدنا".
التعبير عن الرأي .. جريمة في مصر؟
اعتقلت السلطات المصرية الكثير من الأشخاص صنفتهم منظمات حقوقية داخل وخارج مصر على أنهم سجناء رأي. وجهت لهؤلاء تهم عديدة اشتركوا في اثنتين منها هما الانضمام إلى أو دعم جماعة إرهابية والترويج لأخبار كاذبة. فما مدى قانونية احتجاز هؤلاء وفق هذه التهم؟
يقول زياد العليمي المحامي والحقوقي المصري إنه بالنسبة للسفير معصوم مرزوق فإن الواقعة المادية الوحيدة هي البيان الذي أصدره والذي استند فيه إلى تصريحات رئيس الدولة نفسه الذي قال إن الناس لو أرادت أن يترك الحكم فسيفعل، واعتمد على المادة 157 من الدستور ، "فلو أن الاتهام متعلق بالدعوة للتظاهر فمن حق السفير معصوم مرزوق التقدم قبل تنظيم المظاهرة بثلاثة أيام بطلب وفق قانون التظاهر المعيب غير الدستوري، بالتالي حتى إن كان هناك جريمة وهي الدعوة للتظاهر فهي دعوة مستقبلية لم يتم اتخاذ الإجراءات لتنظيمها ما يعني أن ما حدث هو حساب على النوايا ليس على الأفعال ".
ويختلف معه محمود ابراهيم مدير مركز الاتحادية للدراسات والذي قال لــ DW عربية إن التعبير عن الرأي متاح في مصر شريطة ألا يتم إعطاء شرعية أخلاقية لأفعال الإخوان أو الدعوة لعودتهم ولا المطالبة بإسقاط النظام ولا محاولة تقويض شرعيته بالتحريض على قضايا اقتصادية وخلافه، "ومن كان يريد أن يعبر عن رأيه في سياسات عامة أو قضايا اقتصادية دون تلويح بأن هناك فوضى أو أن النظام سيسقط أو يجب إسقاطه أو انتظروا القادم فهو أسوأ وكل ما إلى ذلك من تعبيرات غير مقبولة فالمجال مفتوح أمامه، فحرية الرأي والتعبير في مصر متاحة حتى لو عليها بعض القيود في هذه اللحظات".
دعوات .. "هدامة"
لكن هناك من يرى أن حرية التعبير قد يتخذها البعض مطية لتحقيق أغراض قد تنتهي بسقوط النظام أو إثارة الفوضى. محمود إبراهيم مدير مركز الاتحادية للدراسات يرى أن "دعوات على نسق ما دعا إليه السفير معصوم مرزوق تبدو في ظاهرها سياسية وسلمية لكنها في الحقيقة هي نفس دعوات 25 يناير وهي في حقيقتها محاولات لتقويض شرعية النظام والانقلاب على الدستور".
وأعرب إبراهيم عن قناعته بأن "المسألة فيها اجتماعات وتنسيقات مع جماعة الإخوان وهذا أمر غير مقبول فكيف يمكنك أن تتصور أنك لمجرد قيامك بمثل تلك الدعوة على فيسبوك أنك ستنجو؟.. هذا غير صحيح فمصر في ظروف استثنائية وحتى الرئيس نفسه لم ينطق على مدار فترة حكمه بأن مصر دولة ديمقراطية وقال من قبل وفي فترة حكم مرسي أن الجيش إذا تدخل في الحياة السياسية فستكون الأمور صعبة مستقبلاً وسيكون لذلك ثمن، واعتقد أن مسالة حبس هؤلاء تتجاوز فكرة منع التعبير عن الرأي سلمياً فالأمور يجب أن تؤخذ بحسم في هذه الأوقات".
أين المعارضة المصرية؟
لا تخلو مواقع الانترنت من مقالات ومنشورات تحوي اتهامات متبادلة بين أطياف المعارضة المصرية، فالكل يلوم الكل والكل يعتب على الكل. هذا ما يتفق معه الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية لكنه يضيف بأن المعارضة المصرية بجانب خلافاتها العميقة فهي فعلاً خائفة من حملات الملاحقة والتخوين المستمرة والتي لم تترك لها أي مجال للعمل وفق القانون. وأضاف بأن هذا الخوف لا يجب أن يمنع التنسيق أو التشاور بين أطيافها على اختلاف وجهات نظرها، "فهناك أمراض كثيرة أصابت قوى المعارضة وعليها أن تتخلص منها أولاً إذا كان لها أن تقوم بالدور المطلوب منها في هذه الأوقات العصيبة".
ويضيف أستاذ العلوم السياسية قائلاً: "الكرة الآن في الحقيقية في ملعب قوى المعارضة والتي هي للأسف غير قادرة على التنسيق فيما بينها ما يجعل النظام لا يشعر بأي نوع من القلق تجاهها".
مخاوف من اهتزاز الثقة في القضاء
في التقرير الصادر عام 2016 عن مشروع العدالة العالمية، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة متخصصة في قضايا السياسة القانونية، جاءت مصر في المركز 110 من أصل 113 دولة على مؤشر سيادة القانون.
يقول زياد العليمي المحامي والحقوقي إن كل التحقيقات التي جرت مؤخراً مع سياسيين أو نشطاء من القوى المدنية وجهت لهم تهم الانضمام لجماعة إرهابية والترويج لأفكارها، لكن في ملفات التحقيقات لا توجد أي إشارة لاسم هذه الجماعة ولا ماهيتها ولا وسيلتها لهذا الإرهاب أو أدواتها وهل اسمها مدرج في قوائم التنظيمات الإرهابية أم لا "وهناك أشخاص في السجون لعام وأكثر متهمين بالانضمام لجماعة إرهابية ولا يعلم أحد ما اسم هذه الجماعة ".
يضيف العليمي ان الحقوقيين في مصر يخشون كثيراً من فقدان المواطن المصري للثقة في أدوات العدالة ففي هذه اللحظة سيبدأ الناس في الحصول على حقوقهم بأنفسهم وهذا هو الخطر الحقيقي على الدولة وقد يسبب انهيارها "ويمكننا أن نلاحظ بسهولة بوادر هذا الأمر من ازدياد معدلات العنف في الشارع وارتفاع معدلات الجريمة".
وتابع قائلا إن وجود قمع هائل وأساليب غير قانونية في التعامل مع الناس سيدفعهم في وقت ما إلى الانفجار، فحالة مثل احتجاز زوجة وطفلين لشخص يريد الأمن القبض عليه بهدف الضغط عليه لتسليم نفسه أمر خارج عن كل الأعراف والقوانين تماماً وبالتالي كسر قواعد القانون يمثل خطراً شديداً على ثقة المصريين في العدالة كما أن أوضاع السجون تبعث على الفزع فهناك الكثير من الشباب الذي اعتقل خلال عمليات القبض العشوائي ونتيجة لتواصلهم مع الإرهابيين والدواعش في السجون تحولوا بدورهم إلى دواعش، فما الرسالة التي يرسلها النظام إلى الناس وكيف يتوقع أن يستمر في هذا المسلك دون حدوث انفجار شعبي؟"
ع.ع.ح