مزارعو الحشيش في لبنان يتحدون الدولة
١٣ أغسطس ٢٠١٣علاماتُ الدهشة جليةٌ على وجهه عندما يتحدث حسّان العائد من أمستردام عما سمعه من صديقه الهولندي بشأن جودة الكوكايين اللبناني ويقول: "أنا لبناني مقيم في لبنان، أسافر بين الحين والآخر، ولم أكن أعرف بأن المخدرات اللبنانية المصدَرة هي الأغلى والأفضل عالميا من حيث النوعية".
ومن خلفية ما سمعه في هولندا يُبرّر حسان موقف مزارعي الحشيش ودفاعهم المستميت عن محاصيلهم ويقول: "إذا كانت عائدات المخدرات كبيرة بسبب جودة الإنتاج، فمن حق أي مزارع أن يدافع عن حقوقه"، غير أن طارق يخالفه في الرأي ويعتبر أن "من يملك المال لزراعة الحشيش يستطيع استثمار أمواله في قطاعات أخرى لا تفسد المجتمع".
وبين الرأي والرأي الآخر هناك مواقف عديدة، بعضها يحذر من حدوث صدامات جديدة بين الدولة والمزارعين قد تصل الى حد إطلاق النار، ومنها من يطالب بحلول جذرية لملف زراعة المخدرات وتطبيقها على الواقع.
من الاشتباك الأبيض إلى القذائف الصاروخية
الصدام بين مزارعي المخدرات والقوى الأمنية في لبنان يعود إلى خمسين عاما مضت، وقد عرفت منطقة البقاع وقرى غرب بعلبك صدامات متواصلة، حتى وإن اختلفت وسائل تعامل القوى الأمنية معها على مر السنين.
ويتذكر أبو فارس، المتقدم في السن وهوعالمٌ بشؤون مناطق زرع الحشيشة - كما يقول لـ DW عربية - إن اصطدام المزارعين مع رجال مكتب مكافحة المخدرات كان محصورا بداية في التشابك بالأيدي". ويضيف أنه "في الماضي، كانت النساء وكذا الأطفال يصيحون في وجه القوى الأمنية: "يا عسكر غَرِّبْ غرب، والى الحشيشة ما تْقَرِّب"، بينما في يومنا هذا تتحول الاشتباكات مباشرة إلى صدامات مسلحة"، حسب المتحدث.
بنظرة سريعة في السجلات الأمنية، يتضح أنه خلال الصيف الماضي، "سُجلت إشتباكات على محور بوداي -السعيدة- العلاق في قضاء بعلبك، فأصيبت سيارة للقوى الأمنية كانت تقل عناصر مكتب مكافحة المخدرات، كما أصيب ثلاثة من سائقي الجرارات الزراعية في بلدة "حوش بردى" في كمين نصبه لهم مزارعون ومعارضون لعملية إتلاف المحصولات، فضلا عن إطلاق قذائف صاروخية على الجيش اللبناني، وقد تمت تسوية القضية بعد زيارة قام بها وزير الداخلية مروان شربل إلى البقاع للمساهمة في خطة التهدئة".
جولة رسمية ولا نتائج؟!
بعض الفاعلين المؤثرين في منطقة البقاع وبعلبك إستبقوا خطواتِ الدولة اللبنانية، قبيل قيامها بإتلاف محاصيل المزارعين هذا العام، فاتصلوا بمسؤولين لبنانيين، لتأكيد مطالب أبناء المنطقة وتفادي أية مواجهة عنيفة.
رئيس بلدية اليمّونة محمد علي شريف، الذي اتصل برفقة وفد مع وزير الداخلية ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، ذكر في اتصال مع DW /عربية أن الوفد سلم المسؤولين لائحة بمطالب المزارعين، وأكد أنه لم يتحقق "أي وعد من وعود المسؤولين. ولذلك فإن غالبية البلدات في البقاع وبعلبك عمدت إلى زراعة الحشيشة هذا الموسم، في ظل غياب البدائل".
وأضاف رئيس البلدية: إن "المسؤولين يميّعون وعودهم، وهذه الوعود لا تقتصر على تعويضات مادية أو زراعات بديلة، إنما ترتبط بمقاربة الموضوع بعقلانية، وعَرِضِ إستراتيجياتٍ بديلة، كأن تقوم الدولة بدعم مشاريع صناعية وتجارية في البلدات، وتأمين فرص عمل لأبناء المنطقة". ويؤكد محمد علي شريف أنه "كلما قامت الدولة بواجباتها إلا وخضع الجميع للقوانين"، مضيفا أن "الحلَ في يد المسؤولين، لا في يد المزارعين الذين يحق لهم - برأيه - الدفاعُ عن حقوقهم كاملة".
ما يقوله رئيس بلدية اليونة، يُعقّب عليه مصطفى من عشيرة آل جعفر في بعلبك، ويقول لـ DW عربية: "لا عودة إلى الوراء، من يحاول القيام بإتلاف محصولنا من دون بدائل فسنقاتله"، متسائلا: "لماذا لم يتم منع هذه الزراعة في الربيع، حيث تكون الخسائر أقل؟"، ويشير إلى أن "الاستياء ينطلق من موقف المسؤولين الذين يهملون القضية إلى حين زراعة الأراضي، ثم لايتحركوا إلا للقيام بعملية الإتلاف"، ويشي المتحدث إلى أن "السلطات تقوم بإتلاف الحشيش في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، فيما يتم جمع المحصول في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر (أيلول) أو مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول)".
"تراخ وإنشغال بملفات أخرى"
يقول العارفون بملف المخدرات وزراعة الحشيش، إن ما يُعزز انتشار هذه المزروعات هو تراخي قبضة الدولة، وانشغال المسؤولين في أكثرَ من مكان بقضايا أمنية أخرى، وهنا تكمن المشكلة الأساسية في عدم القيام بمعالجة هذه القضية". ويشيرون إلى أن "بعضَ عشائر البقاع الشمالي تزرع مساحات واسعة في غرب بعلبك وفي دير الأحمر، وصولا إلى مرتفعات الهرمل، فضلا عن قرى سهل بعلبك، وتقدر المساحات المزروعة في تلك المناطق بـ 15 ألف دونم (1500 هكتار) ".
بالتوازي مع محاولة البحث عن حلول لملف زراعة الحشيش، فإن مكتب مكافحة المخدرات يعمل بشكل دؤوب لملاحقة المروجين والمتعاطين للمخدرات. وقبل أيام قليلة صدر عن مكتب المكافحة الأقليمي في الجنوب اللبناني بيان ذَكَرَ فيه أنه "بتاريخ 9/08/2013 ونتيجة للمراقبة والمتابعة الحثيثة على مدى شهرين، فقد قام المكتب بتوقيف أخطر المطلوبين للقضاء بتهم ترويج المخدرات".