محطات في حياة مبارك.. الطيار الحربي الذي حكم مصر 30 عاماً
٢٥ فبراير ٢٠٢٠توفي الرئيس المصري الأسبق حسني مباركعن عمر ناهز الـ91 عاماً بعد تلقيه علاجاً في وحدة للرعاية المكثفة إثر جراحة خضع لها. وقال نجله علاء مبارك أن والده توفي صباح الثلاثاء.
من جانبه قال مصدر عسكري لرويترز إن الرئيس الأسبق، وهو ضابط سابق في سلاح الطيران، ستقام له جنازة عسكرية لكن التوقيت ما زال غير واضح بعد. لكن مصدرا من أسرة مبارك أنه سيتم تشييع الجثمان غداً الأربعاء من مسجد المشير طنطاوي بالتجمع الخامس شرق القاهرة.
ونعت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية اليوم الثلاثاء (25 شباط فبراير 2020) الرئيس الأسبق حسني مبارك في بيان قائلة "تنعي القيادة العامة للقوات المسلحة ابناً من أبنائها وقائداً من قادة حرب أكتوبر".
من الكلية العسكرية إلى سدة الحكم
ولد محمد حسني مبارك في الرابع من أيار/مايو 1928 في عائلة من الطبقة الريفية المتوسطة في دلتا مصر، عندما كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني وكانت بريطانيا تسيطر على قناة السويس.
ودخل الكلية الجوية حيث تخرج منها عام 1950 وأمضى أكثر من عامين في الاتحاد السوفيتي السابق بعد ذلك بعشر سنوات للتدريب على قيادة القاذفات. وعندما دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية جانباً كبيراً من سلاح الجو المصري في حرب الأيام الستة عام 1967 أصبح مديراً للكلية الجوية وتم تكليفه بإعادة بناء القوات الجوية. وتدرج في المناصب العسكرية إلى أن أصبح قائداً للقوات الجوية عام 1972. وكان له دور بارز في حرب 1973 ضد إسرائيل.
في نيسان/ أبريل 1975 اختاره الرئيس الراحل أنور السادات، الذي خلف جمال عبد الناصر في الحكم عام 1970، نائبا له بعد أن رأى فيه تابعاً مخلصاً، ليتولى الرئاسة خلفاً له في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1981 إثر اغتيال السادات بأيدي الإسلاميين في السادس من الشهر نفسه. أثناء رئاسته أمر مبارك الجيش بالتدخل لقمع تمرد في الثمانينات وأصلح العلاقات مع الدول العربية بعد السلام الذي أبرمه السادات مع إسرائيل. وفي 1989 عادت مصر إلى جامعة الدول العربية وعادت الجامعة إلى مقرها في القاهرة.
وسرعان ما أصبح شريكاً مهماً للغرب بعد توليه منصبه، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى جهود الوساطة التي بذلها في نزاع الشرق الأوسط وتمسكه بمعاهدة السلام مع إسرائيل التي كان السادات قد أبرمها برعاية أمريكية. وضمنت الأموال الأمريكية عدم خروج مصر عن مستوى معين من الكياسة في التعامل مع إسرائيل ولعب مبارك دور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين لسنوات.
ورفع مبارك العلم المصري على طابا في جنوب سيناء عام 1989، معلناً بذلك استرجاع مصر سيناء كاملة من إسرائيل.
إطاحة ومحاكمات
وحكم مبارك مصر 30 عاماً، في فترة هي الأطول لأي رئيس مصري آخر حتى الآن. وجابه مبارك المتطرفين الإسلاميين في مصر بقبضة من حديد، إذ تم خلال حكمه إلقاء القبض على الكثير من المتطرفين أو من يشتبه في تطرفهم وزجهم بالسجون باستخدام الأساليب الاستبدادية، وخاصة في الطبقات الدنيا من المجتمع المصري. ما أتاح لجماعة الإخوان المسلمين اكتساب نفوذ وتأثير متزايدين بين هذه الشرائح الاجتماعية. وظل عنف الإسلاميين في الداخل، بما في ذلك اعتداءات على مواقع سياحية ومنتجعات مطلة على البحر الأحمر، تبريراً للدولة البوليسية. وفي 1995 نجا مبارك من عدة محاولات اغتيال عندما أطلق مسلحون إسلاميون النار على سيارته خلال زيارة إلى إثيوبيا.
وبحلول 2010 كان الحزب الوطني الديمقراطي يشعر بثقة كافية في حصانته فأعلن فوزه بنسبة 90 في المئة من مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن استبعاد الإخوان المسلمين من المجلس. بيد أن حكمه الاستبدادي وقمع حرية الرأي، إضافة إلى تفشي الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والإصلاحات البطيئة، أثار استياء المصريين، ليخرج عليه جيل الشباب بشكل خاص في احتجاجات حاشدة بإطار ما يُسمى بـ" الربيع العربي" عام 2011، إلى أن أُطيح به بعد نحو 18 يوماً بثورة 25 يناير 2011. وألقي القبض عليه في أبريل/ نيسان 2011 بعد شهرين من تنحيه عن الحكم، وبقي نزيل السجن والمستشفى العسكري إلى عام 2017 الذي شهد الإفراج عنه بعد تبرئته من تهم وجهت إليه في قضية قتل المتظاهرين خلال الثورة.
وصدر حكم على مبارك بالسجن المؤبد (25 عاماً) في عام 2012 لإدانته بالتآمر لقتل 239 متظاهراً خلال الحركة الاحتجاجية التي استمرت 18 يوماً.
لكن محكمة النقض، وهي أعلى محكمة مدنية مصرية، أمرت بإلغاء الحكم على مبارك ومسؤولين كبار آخرين في قضية قتل المتظاهرين وإعادة محاكمتهم أمام دائرة أخرى في محكمة جنايات القاهرة التي قضت بإسقاط التهم عنهم. وصدر الحكم ببراءة مبارك في قضية قتل المتظاهرين في عام 2017.
إسقاط التهم بالتدريج
ومع ذلك صدر على مبارك وابنيه علاء وجمال حكم نهائي بالسجن ثلاث سنوات لإدانتهم باستخدام أموال مخصصة لبناء وصيانة قصور الرئاسة في بناء مساكن ومكاتب خاصة بهم. ويرى كثير من المصريين الذين عاشوا في عهد مبارك، أن حكمه كان استبدادياً ومحابياً لرجال الأعمال.
وعقب الإطاحة به أُجريت أول انتخابات ديمقراطية في مصر وفاز برئاسة الدولة العضو القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي. لكن مرسي لم يحكم سوى عام واحد ثم أُطيح به في عام 2013 وسط احتجاجات حاشدة على حكمه وتردي الأوضاع الاقتصادية للبلد. وقاد الإطاحة به قائد الجيش عبد الفتاح السيسي رئيس مصر الآن.
وبعد سلسلة من المحاكمات تم إسقاط تهم الفساد بالتدريج عن الشخصيات البارزة في عهد مبارك ثم أثارت قوانين جديدة مقيدة للحريات السياسية مخاوف النشطاء من أن النظام القديم قد عاد.
وخلال جلسات محاكماته أصر مبارك على أنه بريء من أي تهم وأن "التاريخ سيحكم بوطنيته وأنه خدم بلاده بإخلاص"، بعد أن قال إنه لن يفارق مصر إلى أن يدفن في ترابها.
ع.غ