1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قوارب مهاجرين عبرت المتوسط من لبنان إلى إيطاليا.. طريق جديد؟

٨ يوليو ٢٠٢٢

قوارب انطلقت من لبنان ووصلت إلى إيطاليا، رغم التشديدات الأمنية التي تفرضها السلطات اللبنانية على سواحلها. فكيف تمكن المهاجرون من قطع كل تلك المسافة والوصول بسلام؟ وهل يعني ذلك بروز طريق جديد في المتوسط؟

https://p.dw.com/p/4DlyD
قارب مهاجرين في البحر المتوسط (أرشيف)
قوارب مهاجرين تتوجه من الشواطئ اللبنانية إلى إيطاليا، فهل نشأ طريق جديد للهجرة عبر المتوسط؟صورة من: Bruno Thevenin/AP/dpa/picture alliance

يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة غير مسبوقة، صنفها البنك الدولي على أنها الأسوأ عالميا منذ أواسط القرن التاسع عشر، أدت إلى انهيار سعر صرف العملة المحلية وتدهور قيمتها الشرائية، وارتفاع حاد بأعداد العاطلين عن العمل ونسب الفقر.
انعكاسات الأزمة طاولت فئات كثيرة، في بلد يستقبل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وأجبرت الكثير من المقيمين فيه على البحث عن بدائل، تؤمن لهم الحياة الكريمة خوفا من مستقبل مجهول تماما، على رأسها الهجرة.

خلال الأشهر الماضية، تمكنت السلطات اللبنانية من إحباط عشرات محاولات الهجرة عبر سواحلها باتجاه الضفة الأوروبية من المتوسط. بيانات السلطات كانت تحدد أن من يتم اعتراضهم في غالب الأحيان كانوا من الجنسيتين اللبنانية والسورية، وجميعهم من الطبقات المصنفة "مسحوقة" حسب الأوضاع الاقتصادية الحالية في البلاد. معظم تلك المحاولات كانت تتم من سواحل البلاد الشمالية، تحديدا من مدينة طرابلس، والتي أيضا وفق تصنيف البنك الدولي، تعتبر أفقر مدينة مطلة على البحر المتوسط.

في الغالب كانت قوارب المهاجرين تبحر باتجاه قبرص، الجزيرة الأوروبية القريبة من لبنان، وحدود الاتحاد الأوروبي مع الشرق الأوسط. لكن بعد الاتفاق بين سلطات الجزيرة والجمهورية اللبنانية على إعادة المهاجرين الواصلين إلى سواحلها، بدأ المهاجرون بالبحث عن وجهات بديلة، كما بدأوا بتغيير أساليب بحثهم عن وسائل للهجرة إلى تلك الوجهات.

قوارب تمكنت من الوصول إلى إيطاليا
في 29 حزيران/يونيو، أنقذ خفر السواحل اليوناني أكثر من 170 مهاجرا في بحر إيجه كانوا يواجهون ظروفا ملاحية صعبة، انطلقوا على متن قارب صيد من لبنان قاصدين إيطاليا. ويوم الخميس 30 حزيران/يونيو، تمكن قارب يحمل حوالي 130 مهاجرا من الوصول إلى السواحل الإيطالية، كان قد انطلق قبل نحو أربعة أيام من سواحل طرابلس.

وفقا للصحافي عزام جابر، "معظم عمليات الهجرة الناجحة تتم دون اللجوء إلى مهربين. المهاجرون أنفسهم يجمعون الأموال من بعضهم ليتمكنوا في النهاية من شراء قارب ويجهزوه بكافة المعدات المطلوبة للرحلة (محركات، سترات نجاة، مياه شرب، أجهزة تحديد الموقع...). كل ذلك يتم بسرية تامة وبمعرفة المهاجرين المعنيين حصرا".

جابر أكد خروج نجاح أربعة قوارب انطلقت من طرابلس خلال حزيران/يونيو الماضي من الوصول إلى أهدافها، "ثلاثة فعليا وصلت إلى إيطاليا وواحد تم إنقاذ ركابه في اليونان. في الإجمال تمكن مهاجرون من الوصول إلى أوروبا، وأعتقد أن هذه الظاهرة ستتواصل في الأيام القادمة".

وكان مهاجر نيوز قد تواصل في وقت سابق مع أشخاص من سكان طرابلس ممن لديهم أقرباء أو أصدقاء تمكنوا من الهجرة، أجمعوا على فكرة أن سرية عمل المهاجرين هو العنصر الذي ساعدهم على إتمام خطتهم. بعضهم لم يكن على دراية بما كان أقرباؤه أو أصدقاؤه على وشك القيام به، أحدهم ويدعى علي، قال "صديقي لم يخبرني بنيته الهجرة، بحثت عنه في أرجاء المدينة خمسة أيام، لم أعثر عليه. لاحقا أرسل لي صورة له من إيطاليا. طبعا عاتبته لأنه لم يفصح لي عن نيته، لكني سعيد من أجله وأتمنى أن أتمكن أنا نفسي من اللحاق به".

"طبيعة القوارب المستخدمة لا تؤهلها للقيام بتلك الرحلات"
الخبير والمنقذ البحري في الدفاع المدني اللبناني محمد زين، قال لمهاجر نيوز إن هناك الكثير من المخاطر التي قد تعترض مثل تلك الرحلات بعد خروجها من المياه الإقليمية. وأورد زين أن "طبيعة القوارب المستخدمة لا تؤهلها للقيام بتلك الرحلات، فضلا عن كونها في معظم الأحيان تحتوي على حمولات زائدة، كوقود إضافي ومياه للشرب ومعدات إنقاذ".

وأكد زين أنه "داخل المياه الإقليمية، لا مخاطر حقيقة على القوارب، المخاطر تبدأ بالتراكم عند خروج القوارب للمياه الدولية. هناك لا يمكن التنبؤ بحالة البحر، إذ يمكن للأمواج في أي لحظة أن تثور وتضع ركاب القوارب في مواقف خطيرة للغاية. فضلا عن ذلك، يمكن للقوارب، إذا كانت تقاد من أشخاص بلا تجربة، أن تصطدم بعوائق صخرية طبيعية، ما سيعرض القارب بالضرورة لخطر الغرق".

توقيفات شبه يومية لشبكات تهريب
وسائل التواصل اللبنانية تناقلت أخبار عدة قوارب تمكنت من الوصول إلى السواحل الإيطالية مؤخرا، وأرفقتها بفيديوهات وصور للمهاجرين أنفسهم أثناء الرحلة في المتوسط وبعد وصولهم. مصدر أمني في مدينة طرابلس قال لمهاجر نيوز "نعلم أن هناك محاولات هجرة تمكنت من المغادرة باتجاه السواحل الأوروبية، ونعلم أن تلك المحاولات لن تتوقف. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القاهرة في البلاد تدفع بالكثيرين للهرب، ولكن هل هذا هو الحل؟".

المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته تحدث عن نشاط "شبه يومي للأجهزة الأمنية في تعقب وتوقيف أشخاص وشبكات مرتبطة بعمليات التهريب. اليوم (الخميس) تمكنت السلطات من توقيف أربعة أشخاص بجرم التحضير لعملية تهريب غير شرعية عبر البحر. هذا تم بفضل المراقبة الأمنية لتلك الشبكات، لكن لا يمكن القيام بذلك لدى أشخاص يقومون بأنفسهم بالتحضير للهجرة دون العودة للمهربين، كما لا يمكننا مراقبة كل الساحل من أجل اعتراض أي قارب منطلق من هناك".

"انعدام الأمل"
الناشط الاجتماعي محمد غزال اعتبر أن فعل الهجرة الحالي في لبنان "أمر طبيعي، في ظل الوضع الاقتصادي الضاغط على الفئات الفقيرة والمهمشة". غزال اعتبر أن المهاجرين المستهدفين بمجملهم هم من "العمال اليوميين الذين فقدوا أعمالهم بشكل جماعي مع اندلاع الأزمة الاقتصادية. وفي ظل انعدام برامج المساعدات الاجتماعية الرسمية، تصبح الخيارات أمام هؤلاء قليلة للغاية ونادرة، وربما تشكل الهجرة الخيار الوحيد المتاح أمامهم".

ولم يستبعد الناشط الاجتماعي أن يسعى من يتم اعتراضهم في المتوسط وإعادتهم إلى لبنان لأن يعاودوا الهجرة من جديد، "مع عدم تمكنهم من ضمان حصول أطفالهم على الطبابة والتعليم، فضلا عن إمكانية عدم تمكنهم من تأمين الطعام لعائلاتهم، لا يبدو أنهم أمام الكثير من الخيارات. معظم من تمت إعادتهم يسعون حاليا للهجرة من جديد. هناك حالة استسلام شاملة لديهم، فانعدام الأمل بأي تحسن على الأوضاع العامة في المستقبل يحولهم إلى مرشحين دائمين للهرب".

الهجرة هي الحل
أبو محمد، لاجئ فلسطيني من مخيم البداوي ووالد أحد المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى إيطاليا، قال لمهاجر نيوز إنه هو نفسه لم يعلم بنيّة ابنه الهجرة، "عرفت بذلك بعد انطلاقه. استشطت غضبا ومت خوفا عليه، المسافة إلى إيطاليا طويلة جدا والإبحار إلى هناك يحتاج خبرة. أحمد الله أنه وصل سالما وأتمنى له أن يحقق أحلامه".

وفقا لأبو محمد، باتت الهجرة المجال الوحيد المفتوح أمام الشباب الفلسطيني في لبنان. فمع انسداد الآفاق الاقتصادية عموما في البلاد، والمعاناة الخاصة التي كان يعيشها اللاجئون الفلسطينيون قبل الأزمة (الحرمان من حق العمل والتملك والحقوق المدنية)، "جعلت كل مشاريع هؤلاء الشباب في لبنان محكوم عليها بالفشل. ما الحل فإذا؟ أن يبقوا هنا ويتحولوا إلى سلعة بأيدي العصابات وتجار البشر أم أن يهاجروا إلى بلدان تحترم إنسانيتهم وتتيح لهم فرصا للتقدم؟".

بالعودة للقوارب التي تتمكن من الوصول إلى وجهتها، أورد المصدر الأمني أن السلطات "تعلم أن هناك أعدادا ضخمة تسعى للهجرة من لبنان، وهذا مفهوم ونقدّره، لكننا لن نتمكن من السماح بذلك. المأساة التي شهدتها سواحل طرابلس في نيسان/أبريل الماضي خير دليل على ذلك. كما أنه لدينا التزامات قانونية ودولية علينا الوفاء بها، ومنها ضبط سواحلنا ومنع الهجرات غير الشرعية عبرها".

شريف بيبي – مهاجر نيوز