1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

فيضانات ألمانيا جرس إنذار جديد للمشككين في التغير المناخي

حسن زنيند
٨ يونيو ٢٠٢٤

أظهرت الفيضانات الأخيرة جنوب ألمانيا، بما لا يدع مجالا للشك، الطبيعة وكأنها تنتقم من تدميرها المنهجي بفعل البشر، وهو الأمر الذي يضع ألمانيا والعالم أمام تحديات غير مسبوقة، فكيف يمكن مواجهتها؟

https://p.dw.com/p/4gmIO
مشهد من الفيضانات التي ضربت مدينة باساو في ولاية بافاريا
مشهد من الفيضانات التي ضربت مدينة باساو في ولاية بافاريا صورة من: Armin Weigel/dpa/picture alliance

تشهد ألمانيا في العقود الأخيرة وبشكل متزايد كوارث فيضانات متعددة. وقد أدى ذلك إلى تفاقم المخاوف من أن يكون تغير المناخ السبب الأهم في تكرار هذه الظاهرة، فقد تسببت الفيضانات المدمرة في نهري الإلبه والدانوب عام 2002 وفي ولاتي شمال الراين- ويستفاليا وراينلاند بالاتينات في يوليو/ تموز 2021 في معاناة إنسانية وأضرار اقتصادية كبيرة. وجاءت الفيضانات الحالية في جنوب ألمانيا، خصوصا في ولايتي بافاريا وبادن فورتنبرغ للتذكير بأن خطر هذه  الكوارثبات يتربص بالبلاد أكثر من أي وقت مضى. ويذكر أن ألمانيا تقع في منطقة مناخية معتدلة تتأثر بظواهر جوية مختلفة. فالأنهار مثل الراين والإلبه  والدانوبعرضة للفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة أو ذوبان الثلوج أو مزيج من الاثنين معاً. وتُظهر السجلات التاريخية أن الفيضانات ليست ظاهرة جديدة، ولكن كثافتها وتواتراتها ازدادت بشكل مطرد في العقود الأخيرة.

ولعل أحد الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة تكمن في زيادة غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب. ولهذا الاحترار عدة تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الطقس. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "شتوتغارتر تسايتونغ" الألمانية (الرابع من يونيو 2024) معلقة "يرتبط هطول الأمطار الغزيرة في الأيام الماضية، والذي أدى إلى فيضانات هائلة، خاصة في جنوب ألمانيا، فضلاً عن العدد المتزايد من الأيام الحارة بشكل لا يطاق في أشهر الصيف، بالانحباس الحراري العالمي. وقد استخدمت البلدان الغنية على وجه الخصوص الغلاف الجوي كمنطقة نفايات مجانية لانبعاثاتها من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في العقود الأخيرة (..) ولذلك، هناك حاجة إلى بذل جهود أكبر بكثير في مجال حماية المناخ، وخاصة من حيث الأسباب اقتصادية".

مناطق جنوب ألمانيا تداهمها فيضانات والسلطات تحث على المغادرة

ألمانيا ـ عوامل الاحتباس الحراري والفيضانات

يؤدي ارتفاع درجات حرارة الهواء إلى زيادة تبخر الماء، مما يؤدي إلى زيادة الرطوبة في الغلاف الجوي. ويمكن أن تؤدي هذه الرطوبة الإضافية إلى هطول الأمطار بشكل أكثر كثافة وتواتراً. كما أن أنماط هطول الأمطار المتغيرة، يمكن أن يكون من نتائج تغير المناخ، فقد تشهد بعض المناطق زيادة في هطول الأمطار الغزيرة، بينما قد تعاني مناطق أخرى من الجفاف. إضافة إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر يمكن أن يكون سببه ارتفاع درجة حرارة المحيطات وذوبان الجبال الجليدية ما يجعل المناطق الساحلية أكثر عرضة لهبوب العواصف.

وفي ألمانيا، يتجلى تأثير تغير المناخ بشكل خاص في شكل تغير أنماط هطول الأمطار وزيادة في الظواهر الجوية المتطرفة. وتشير الدراسات التي أجرتها هيئة الأرصاد الجوية الألمانية (DWD) وغيرها من المؤسسات العلمية إلى زيادة تواتر وشدة هطول الأمطار الغزيرة. وهذا عامل مهم يمكن أن يساهم في حدوث الفيضانات، حيث يمكن أن يؤدي هطول الأمطار الغزيرة إلى توجيه كميات كبيرة من المياه إلى الأنهار والجداول خلال فترة زمنية قصيرة. وتعد كارثة الفيضانات التي وقعت في عام 2021 مثالاً على مثل هذا الحدث. فقد تسبب هطول الأمطار الغزيرة في فيضان الأنهار والجداول المائية الصغيرة على ضفافها ومناطق واسعة مجاورة خلال فترة زمنية قصيرة. ومما يعزز الصلة بين هذه الظواهر الجوية المتطرفة وتغير المناخ زيادة كمية المياه في الغلاف الجوي وتغير أنماط تدفق التيارات الهوائية.

التداعيات السياسية المحتملة للفيضانات

لم تتسبب كارثة الفيضانات الأخيرة بإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية والممتلكات الخاصة فحسب، بل يمكن أن تكون لها عواقب سياسية بعيدة المدى. ويواجه الائتلاف الحاكم في برلين على وجه الخصوص تحديات تتراوح بين التعامل مع الأزمة بشكل فوري والاستراتيجيات السياسية طويلة الأمد. على المستوى الآني، فالإدارة الفعالة للكارثة وسرعة تقديم المعونة والدعم للمناطق المتضررة أمر بالغ الأهمية. فالاستجابة السريعة والفعالة يمكن أن تعزز ثقة السكان في الحكومة، في حين أن التأخير أو سوء الإدارة يمكن أن يكون له تأثير عكسي. وهنا يجب أن تثبت الحكومة الاتحادية الحالية، التي تتألف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، أنها قادرة على التصرف بفعالية في أوقات الأزمات.

صنع في ألمانيا - إنقاذ المناخ ومعاناة المزارعين

لقد وعد المستشار أولاف شولتس بالمساعدة في مواجهة الكارثة المأساوية بقوله: "إن قوى الطبيعة عظيمة وقوية ويمكن أن تسبب دمارًا كبيرًا (..) سنبذل كل ما في وسعنا، بما في ذلك استخدام الإمكانيات التي توفرها الحكومة الاتحادية، لضمان تقديم المساعدة بسرعة". وبهذا الصدد كتب موقع "شبيغل أونلاين" (في السابع من يونيو/حزيران) معلقا: "سواء كان الأمر يتعلق بالحرب أو الجائحة أو العواصف أو الجفاف أو فيضانات ناتجة عن تغير المناخ أو هجومًا إلكترونيًا تخريبًا، تبدو ألمانيا مهددة بأزمات وكوارث متعددة، كما أظهرت ذلك الفيضانات في جنوب البلاد مرة أخرى. لا يكفي الاعتماد على الجيش الاتحادي كوعد سياسي بالحماية. إن التحدي الحقيقي يكمن في تنوع الأزمات الجديدة. كيف يمكن للبلاد أن تصبح قادرة على الصمود بشكل كامل؟ هذا هو السؤال الحاسم. إنه تحدٍ هائل. إن التحول العسكري هو مجرد عملية إحماء قبل القفزة الكبرى. لكن الحكومة لم تبدأ العمل الحقيقي بعد".

شركات التأمين تنتقد سياسة الحماية من الفيضانات

قال أوليفر هاونر، رئيس قسم الوقاية من الخسائر في الاتحاد الألماني للتأمين (GDV) في برلين (السادس من يونيو) في تصريح للنسخة الألمانية من وكالة "د.ب.أ": "علينا طرح بعض الأسئلة غير السارة". وضرب مثالاً على ذلك بتسربات وانهيار بعض السدود التي يعتقد GDV أنه كان من الممكن تفاديها. "سد ينكسر بعد يومين من هطول الأمطار، (..) يجب أن تتم صيانة السدود، فالسد هيكل وقائي وليس جدارًا ترابيًا ملقى على الأرض يمكن إهماله لمدة عشرين عامًا". وتنتقد شركات التأمين عدم وجود سياسة حقيقية للوقاية من الفيضانات منذ سنوات. وحسب أرقام الجمعية العامة الألمانية للتأمين ضد الفيضانات، يوجد أكثر من 320 ألف منزل في المناطق المعرضة للفيضانات.

وعلى الرغم من ترحيب الجمعية باقتراح رئيس الوزراء البافاري ماركوس سودر (الاتحاد الاجتماعي المسيحي) بعقد مائدة مستديرة مع شركات التأمين، إلا أنه كان من الممكن أن تتم هذه المحادثات قبل ذلك بكثير. وقال هاونر: "لقد انتظرنا ثلاث سنوات للجلوس على طاولة المفاوضات".  ولقد تجدد الجدل، بسبب الفيضانات الحالية، حول إدخال التأمين الإجباري على المخاطر الطبيعية، والذي سيغطي الفيضانات والفيضانات المفاجئة. وتؤيد الولايات الفيدرالية الـ 16 هذا الأمر، لكن شركات التأمين تعارضه بسبب التكاليف الباهضة المتوقعة. في فرنسا، هناك تغطية إلزامية للأخطار الطبيعية بمشاركة الدولة. ولا تعتبر شركة GDV النموذج الفرنسي مثالاً مناسباً: "النظام يعاني من عجز، والنظام غير مستقر"، كما تقول نائبة المدير العام أنيا كيفر- رورباخ. وفقًا لـ GDV، وتتدخل الدولة في فرنسا أيضًا بضمانات غير محدودة في حالة الكوارث الطبيعية الكبرى لجميع الخسائر التي لا يغطيها صندوق الكوارث الطبيعية هناك.

قلق الألمان من الارتفاع المطرد لتكاليف الفيضانات

أظهر استطلاع أجرته شركة "آر + في" للتأمين مطلع مايو/ أيار 2024 ، أي قبل حدوث الفيضانات الحالية في جنوب ألمانيا، أن 87 بالمائة من الألمان يؤيدون زيادة الاستثمار الحكومي في الحماية من الفيضانات. وأيد نحو ثلثي المواطنين اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف البناء في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات. وأظهر الاستطلاع أن الألمان يرغبون في مزيد من الحماية من عواقب الظواهر الجوية المتطرفة، موضحين في الوقت نفسه أنهم على استعداد لإنفاق أموال على الوقاية. وذكر 55 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع أنهم على استعداد لإنفاق أموال على تدابير الحماية من سوء الأحوال الجوية. وقال 28 بالمائة من الألمان إنهم اتخذوا بالفعل إجراءات وقائية، والتي شملت تدابير وقائية ضد تسرب المياه، مثل وضع عتبات أمام السلالم، أو تركيب صمامات لمنع تدفق عكسي للمياه في المواسير.

وتشير التبعات المالية للفيضانات الحالية إلى أن الدولة لا تملك الموار المالية اللازمة لمواجهة هذه الكارثة كما كان عليه الأمر في السابق. وبهذا الشأن كتبت صحيفة "تاغس أنتسايغر" السويسرية الناطقة بالألمانية (السابع من يونيو) بأنه "لا توجد حتى الآن تقديرات للعواقب المالية، لكن المبالغ قد تكون هائلة. على سبيل المقارنة: في عام 2021، أنشأت الحكومة الألمانية صندوقًا خاصًا بقيمة 30 مليار يورو بعد الفيضانات المفاجئة في راينلاند بالاتينات ومنطقة أيفل لمساعدة الأفراد والبلديات المحلية. (.) ومع ذلك، من الصعب حاليًا تخيل أن تتدخل الحكومة الفيدرالية مرة أخرى بشكل شامل كما فعلت قبل ثلاث سنوات. فمنذ أن حظرت المحكمة الدستورية الفيدرالية العام الماضي، ما يسمى بالصناديق الخاصة الممتدة على سنوات إلى جانب الميزانية العادية التي تتعارض مع كبح الديون، أصبحت مثل هذه المساعي تخضع لقيود أكثر صرامة. ومع ذلك، تعاني الدولة بالفعل من نقص كبير في الأموال منذ صدور حكم المحكمة العليا، وهنا تقول الصحيفة: "لا يزال يتعين توفير ما لا يقل عن 30 مليار يورو لميزانية عام 2025. ولطالما احتدمت معارك التوزيع بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، بل إنها تهدد بتمزيق الحكومة".

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات