1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عرب في تورينغن: حزب "البديل" لا يخيفنا!

عباس الخشالي
٣١ أغسطس ٢٠٢٤

عرب يعيشون بولاية تورينغن يراقبون الانتخابات المحلية، يرون في وصول حزب "البديل" المحتمل إلى حكم الولاية تهديدا، لكنهم "لا يشعرون بالخوف". DW عربية ترصد الأجواء عشية الانتخابات في ولاية فيها أكثر أجنحة حزب "البديل" تطرفا؟

https://p.dw.com/p/4k8KB
متظاهر في مدينة إيرفورت في حديث مع DW عربية، إذ يقول "هناك أسباب عدة لارتفاع حظوظ البديل، منها أنها يلعب على وتر انعدام العدالة في الرواتب بين طرفي البلاد، فالرأسمالية التي جاءت بعد عودة الشطر الشرقي إلى ألمانيا الاتحادية عام 1990، وعدت بتوزيع عادل للرواتب وهذا ما لم يحدث ويستغله البديل، رغم أن الحجة حقيقية وصحيحة لكن الاستغلال خاطئ.
تجمعات من اليسار والوسط ضد حزب البديل في قلب إيرفورت صورة من: Al-khashali/DW

"هناك قلق، لا خوف"، يقول محمد وهو يلعب مع ابنته الصغيرة. محمد لاجئ سوري يعيش في إيرفوت عاصمة  ولاية تورينغن . أما القلق فهو من وصول حزب "البديل من أجل المانيا" اليميني الشعبوي المصنف متطرفا في بعض ولايات ألمانيا، إلى السلطة في الولاية الصغيرة شرق ألمانيا. فنتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تقدمه قبيل الانتخابات المحلية للولاية التي تجري يوم الأحد (الأول من أيلول/ سبتمبر 2024).

إيرفوت يقطنها أكثر من 200 ألف ساكن، مدينة هادئة يقطع بلدتها القديمة جدول "غيرا" الصغير. في المساء تعج الحركة بالمطاعم والمقاهي والحانات ، يتحرك الناس بهدوء ملفت، فمن يتحرك في أزقة البلدة القديمة الضيقة يشعر بالراحة وهو يتحرك بين جدران التاريخ، فشرق ألمانيا كتب فصولا مهمة من تاريخ البلاد في العهود الماضية، ومارتن لوثر، رجل الدين الثائر على الكنيسة الكاثوليكية درس هنا في أحد جامعاتها فصلا دراسيا، وفي ساحة "آيغنر" وسط البلدة ينتصب تمثال له يقف السياح أمامه كي يلتقطون الصور.

جريمة الطعن في زولينغن

جريمة الطعن في زولينغن بولاية شمال الراين ـ ويستفاليا، والمشتبه بارتكبها لاجئ سوري رفض طلب لجوئه وتبناها تنظيم "الدولة الإسلامية"، ستترك أثرها لا محال على الانتخابات في ولايتي تورينغن و سكسونيا ،  فقد أعادت الجدل حول الهجرة والأمن  إلى الواجهة، وخلطت الأوراق أكثر "إنها هدية مقدمة لحزب البديل قبيل الانتخابات"، يقول رضوان، مغربي يعيش منذ عشرة أعوام في إيرفورت بعد أن كان يعيش 19 عاما في إيطاليا.

ترك البلاد المتوسطية خلفه وجاء إلى إيرفورت بالذات كي يوفر تعليما جيدا لأبنائه. يقول رضوان، "مرتكب الجريمة في زولينغن لا يمثل إلا نفسه"، ويشرح بالقول إن كل منا يتحمل جريرة أعماله، و"من يريد أن يخرب البيت الذي يسكنه فهذا شأنه لا شأن الساكنين الآخرين". رضوان لا يرى مناصا من الاستمرار في الحياة هنا، فقد هاجر الناس إلى هنا بحثا عن الهدوء.

في تورنغن  يعيش مليونان ونحو مئتي ألف، بحسب صحيفة "تورينغنير ألغيماينه" ويشكل الأجانب بحسب إحصائيات رسمية نحو 12,1 بالمئة منهم. ويحظى حزب "البديل من أجل ألمانيا" بشعبية في هاتين المقاطعتين التابعتين سابقا لألمانيا الشرقية السابقة، حيث حقق أفضل نتائجه منذ تأسيسه في عام 2013، بصفته مناهضاً لاعتماد اليورو قبل أن يعارض الهجرة.

شبان أفغان بملابس تقليدية في وسط مدينة إيرفورت
شبان أفغان بملابس تقليدية في وسط مدينة إيرفورت صورة من: Al-khashali/DW

 يتوزع  المهاجرون في تورينغن  على مدن وقرى الولاية الصغيرة، ويمثل الجزء الأعظم منهم اللاجئون الأوكرانيون الذي تركوا بلادهم منذ عامين بسبب الحرب الروسية على بلادهم، ومن يتجول في مقاهي ومحال إيرفورت يلاحظهم في كل مكان، ويلاحظ المحال التجارية بعناوين أفغانية وهندية وتايلاندية وعربية. وفي وسط المدينة يتجول ويلعب شباب صغار يتحدثون الأفغانية والعربية. إيرفورت مدينة متنوعة. في ساحة "فينغاماركت" حيث كنت أحاور رضوان، لفت انتباهي فتاة في مقتبل العمر ترتدي الحجاب تعمل في مقهى. أشار رضوان لي قائلا : "هل تراها ، تدرس وتعمل. قبل عام 2015 ، لم يكن في الحسبان أن تعمل فتاة مثلها في محل في إيرفورت". يوضح أن الأمور تغيرت " بدأ الناس هنا يتفهمون الاختلاف ويعلمون جيدا أن كثير من الوظائف لا مناص من أن يشغلها الأجانب". ويتابع بالقول إنه يعمل في شركة غذائية، أكثر موظفيها وعمالها من الأجانب، وهو يعمل كمدير فيها بجانب ألمان.

ما سبب تقدم حزب البديل؟

في كل ساحات المدينة تنتشر لوحات تشير إلى خطورة انتخاب حزب "البديل" ، يتجمع ألمان مناوئون للحزب في ساحاتها منذ أيام وحتى يوم السبت قبيل إجراء الانتخابات، فمن إين تأتي الأصوات المؤيدة لهذا الحزب اليميني الشعبوي الذي يصنف متطرفا في بعض الولايات الألمانية، خصوصا في ولاية تورينغن، حيث المرشح الرئيسي للحزب هو بيورن هوكه، أحد أبرز وجوه التطرف في ألمانيا؟

ترى دراسات أن حزب "البديل" يستغل "مخاوف الناس من الأجانب وينشر ادعاءات أن الأجانب يستحوذون على فرص العمل بدلا من الألمان"، ورغم أن جريمة الطعن في زولينغن حدثت في غرب البلاد (في ولاية شمال الراين – ويستفاليا)، إلا أن صداها وصل إلى شرقها. "ليستغل حزب "البديل" صدى الجريمة لصالحه"، بحسب وسائل إعلام ألمانية. فيما ترى صحف محلية في تورينغن إن "الخوف من تطور الحرب في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة" يقلق كثير من الناخبين "الناقمين على سياسة الحكومة الإتحادية". وينقل موقع "تورينغير 24" أن كبار السن الذين عاشوا في دولة ألمانيا الديمقراطية السابقة تحت الهيمنة السوفيتية، يرون أن التأثير الروسي هنا أوضح بكثير مقارنة مع غرب ألمانيا.

ترى أورزولا مونش، مديرة أكاديمية التربية السياسية في توتزينغ بالقرب من ميونيخ، أنه في شرق ألمانيا، يشكل الاستياء من الائتلاف الحكومي الذي كاد ينهار بسبب الخلافات المتكررة، ومن "حكومة أنغيلا ميركل السابقة، عاملا مهما للغاية". إن الشعور بالمعاملة كمواطنين من الدرجة الثانية والذي عززه التفاوت المستمر في الرواتب أو معاشات التقاعد منذ إعادة الوحدة الألمانية في عام 1990، سائد على نطاق واسع بين سكان شرق ألمانيا. وهذا ما يؤكده متظاهر في مدينة إيرفورت في حديث مع DW عربية، إذ يقول "هناك أسباب عدة لارتفاع حظوظ البديل، منها أنه يلعب على وتر انعدام العدالة في الرواتب بين غرب البلاد وشرقها، فالرأسمالية التي جاءت بعد عودة الشطر الشرقي إلى ألمانيا الاتحادية عام 1990، وعدت بالمساواة في الدخل، وهذا لم يحدث ويستغله البديل، رغم أن الحجة حقيقية وصحيحة، لكن الاستغلال خاطئ".

 كما يرى أن "البديل حزب فاشي عنصري يستغل العنصرية ضد الأجانب كي يخيف الألمان ويكسب أصوات الناس هنا، رغم أن الأجانب هنا يقومون بأكثر الأعمال صعوبة ولا يمارسها الألمان". ويوضح أن جريمة زولينغن منحت حزب البديل ومرشحه  بيورن هوكه  دفعه أكبر ، رغم أن من فعل الجريمة يمثل الفاشية الإسلامية لا المسلمين ولا الأجانب في ألمانيا".

هل يغادر الأجانب توريغن وسكسونيا قريبا؟

"أمر مستبعد أن أترك إيرفورت، فهي مدينة وادعة جدا"، يقول محمد، ويشير إلى أن هناك مثل سوري يقول "أينما ترزق، تلزق"؛ أي أبقى حيث يتوفر رزقك. محمد حاصل على ماجستير في الإدارة ويدرس الآن المعلوماتية ويخطط للعمل هنا في إيرفورت ويستبعد جدا تركه لولاية توريغن حتى ولو فاز "البديل" ، وسبب عدم خشيته من سيناريو وصول "البديل" إلى حكم الولاية، هو ثقته في أن ألمانيا دولة قانون و"رغم الأصوات التي تؤيد البديل، لكن هناك أصوات أكثر ضده، ولن يتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية في هذه الولاية مع أحزاب أخرى".

لوحات مؤيدة لبيرون هوكه زعيم حزب البديل في تورينغن وفوقها لوحة مناهضة له أمام تمثل للزعيم الإصلاحي الديني الألماني مارتن لوثر.
لوحات مؤيدة لبيرون هوكه زعيم حزب البديل في تورينغن وفوقها لوحة مناهضة له أمام تمثل للزعيم الإصلاحي الديني الألماني مارتن لوثر. صورة من: Al-khashali/DW

كذلك يرى رضوان أن الأمور مستقرة، ويوضح "حتى لو حكم هذا الحزب اليميني، لن ينجح، وسيواجه تحديات الحكم، فالخطابات عندما يكون حزب في صفوف المعارضة تختلف عنها حين تصل إلى السلطة". ويضيف "لكن الاختلاف في وجهات النظر مهم في الحياة السياسية ويجب وضع النقاط على الحروف أحيانا". وهو لا يرى نفسه خارج الولاية وخارج إيرفورت إلا بعد التقاعد، فهو يعمل، وأبنائه في المدارس وقريبا في الجامعات ولن يغادر حتى لو وصل "البديل" إلى حكم الولاية، "التعايش هنا قائم، هناك أربعة مساجد في المدينة للسنة والشيعة والأحمدية" والكل يعيش هنا بسلام، وألمانيا دولة قانون".

في أحدى جادات المدينة التقيت ثلاثة شباب من سوريا، أحمد في نهاية العشرينات يعمل في مجال البناء وخالد في شركة أمازون، أما الثالث فيدرس في المرحلة الإعدادية. اتفقوا على أن  البقاء هنا هو الاحتمال الوحيد ولا مجال لترك المدينة والولاية يقول الثلاثة بصوت واحد :" لم نشهد أي تصرف عنصري منذ مجيئنا إلى هنا، نعمل ونفعل ما بوسعنا وسنحصل على الجنسية". ثم يضيف أحمد: "ما حدث في زولينغن يتحمل صاحبه جريرته، أما نحن فجئنا هنا لنعيش بأمان هربا من القتل والحرب".

عباس الخشالي/ إيرفورت