صحف أوروبية: شبح الخوف من الهجرة يدفع النمسا إلى أقصى اليمين
١٦ أكتوبر ٢٠١٧منحت نتائج أولية لانتخابات برلمانية جرت الأحد (15 أكتوبر/ تشرين الأول 2017) في النمسا حزب الحرية اليميني المتطرف تفويضاً لدخول محادثات تشكيل ائتلاف مع زعيم حزب الشعب المحافظ الشاب سيباستيان كورتس الذي لم يتمكن من تحقيق أغلبية برلمانية.
لكن زعيم حزب الشعب سيباستيان كورتس لم يستبعد أي خيار، وبالتالي فإن قيام ائتلاف بين حزبه المسيحي الديموقراطي وحزب الحرية اليميني المتطرف يبدو الاحتمال الأكثر ترجيحاً. وفي هذا السياق كتبت صحيفة "تاغسشبيغل" الصادرة في برلين:
"لا يحق لأحد أن يتعجب، فالمنافسة المحتدمة خلال انتخابات الرئاسة بين فان دير بيلين واليميني الشعبوي هوفر في السنة الماضية كشفت إلى أي اتجاه تنزلق البلاد. وكورتس أمعن النظر بدقة إلى ذلك، فكانت حملته الانتخابية والنتيجة التي أحرزها مثيرين للاهتمام. فقد غيَّر بناء حزب الشعب في النمسا بأسلوب (الرئيس الفرنسي) ماكرون إلى حركة ديناميكية: الابتعاد عن التوجهات التقليدية للمسيحية الديمقراطية إلى الهامش اليميني الذي يتحول في النمسا أكثر فأكثر إلى الوسط السياسي. خطر الإسلام المفترض وتأمين الحدود الوطنية والنظام الاجتماعي إضافة إلى الحفاظ على الهوية النمساوية ـ مواقف كورتس وحزب الحرية اليميني لا تختلف عن بعضها في الغالب إلا في التفاصيل، فتحالف الطرفين الذي بات الآن أكثر احتمالاً، سيحول هذه الوعود الانتخابية إلى ممارسة سياسية: شعبوية مراوغة لسوء حظ أوروبا".
من جانبها قالت الأمينة العامة للحزب الديموقراطي المسيحي اليزابيث كوستنغر "سنشكل ائتلافاً للسنوات الخمس المقبلة مع الحزب الذي سيسمح لنا بتحقيق اكبر قدر من التغيير في هذا البلد". لكن صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية لها رأي آخر، إذ كتبت تقول:
"الدرجة التي وصل إليها إنهاك حزب الشعب والاشتراكيين الديمقراطيين حقاً، تظهر في أنهم تخلوا بشكل كبير عن مقارعة حزب الحرية في المضامين. فالحزب الاشتراكي الديمقراطي حاول في نهاية الحملة الانتخابية التركيز على موضوع العدالة الاجتماعية وحذر من شبح ائتلاف بين حزب الشعب المحافظ النمساوي وحزب الحرية اليميني المتطرف. إلا أن حزب الشعب بزعامة سيباستيان كورتس ركز على نوع من التحول من خلال التقارب، الذي يمكن أن نسميه ببساطة اقتباس الموضوعات وحزب الشعب، وبالتالي تحول حزب الشعب إلى الشعبوية اليمينية في المقام الأول. وثمن ذلك باهظ، لأن اليمينيين لا يمكن إيقافهم إلا بعرض بدائل واضحة للناخبين."
أما صحيفة "دير شتاندارد" النمساوية فكتبت تعليقاً جاء فيه:
"التحالف بين حزب الشعب المحافظ النمساوي وحزب الحرية اليميني المتطرف ليس فقط ممكناً، بل ومحتملاً، نظراً للحملة الانتخابية المفعمة بالكراهية التي قادها الحزبان الاشتراكي وحزب الشعب ضد بعضهما البعض. فغالبية دستورية بين حزب الشعب المحافظ النمساوي وحزب الحرية اليميني المتطرف ليست بعيدة كثيراً. وهذا هو الخبر الأكثر إنذاراً في هذا الأحد الانتخابي، فتغييرات دستورية عميقة أصبحت فجأة ممكنة عندما نعرف تعاطف حزب الحرية وكذلك سيباستيان كورتس مع فيكتور أوربان وسياسته. وزعيم حزب الحرية شتراخه أعلن عن تطلعه للتقارب مع دول الاتحاد الأوروبي في الشرق التي لم تتألق من خلال تضامن داخل الاتحاد الأوروبي".
من جانبها سلطت صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ" الضوء على نتيجة الانتخابات التشريعية في النمسا وكتبت في تعليق تقول:
"كيفما كان الحال فإن انتصار لائحة كورتس يشكل فرصة للنمسا حيث مات نموذج الائتلاف الكبير بين المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين. وهذا ما أظهره الجمود السياسي للسنوات الأخيرة وكذلك المواجهة بين كورتس والمستشار كيرن خلال الحملة الانتخابية. الكثير من أفكار كورتس ـ إدارة أكثر فاعلية وتخفيف ضريبي ومشاركة أكثر للشعب ـ هي أفكار صحيحة، لكنها في الغالب ليست جديدة. والفشل تجلى دوما في التنفيذ... فالآمال المعلقة على كورتس هي كبيرة مثل إمكانية خيبة الأمل".
صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية الصادرة بروما علقت على نتيجة الانتخابات التشريعية في النمسا، وكتبت تقول:
"النمسا أحد أغنى وأسعد البلدان الأوروبية يميل إلى اليمين مطارداً بأشباح الخوف المنسوج ذاتياً. والآن يمكن للبلاد أن تبتعد عن بروكسل وتقترب من وارسو وبودابست والتقوقع في الدائرة الأنانية الأوروبية المتحدة تحت اسم "مجموعة فيزغراد" أي بلدان أوروبا الوسطى الصغيرة المتآخية في رفض روحي وسياسي للعالم المتغير... فالبلد الذي تفرزه صناديق الاقتراع يبدو مهووساً بشبح الهجرة والرغبة الخيالية في إغلاق الحدود الوطنية والانتقال إلى العزلة الذهبية".
صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية اعتبرت أن حزب الشعب المحافظ وحزب الحرية اليميني المتطرف يسبحان فوق الموجة ذاتها، وكتبت تقول:
"يبدو أن النمساويين تعبوا من هذا الائتلاف الكبير الذي استمر سنوات طويلة بين الاشتراكيين الديمقراطيين والمحافظين. ليصبح التحالف بين المحافظين واليمين المتطرف ممكناً. الحزبان لا يطيق الواحد منهما الآخر، لكنهما يسبحان فوق نفس الموجة المعادية للاجئين، فحزب الحرية انتقد زعيم حزب الشعب المحافظ سيباستيان كورتس بانتقاء موضوعاته في الحملة الانتخابية. لكن في النهاية يبقى الحزبان بمواقفهما على الخط ذاته".