1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رأس "قديس أسود" على شعار مدينة يخلق الجدل حول العنصرية

٢٤ يوليو ٢٠٢٠

انتقل الجدال الذي فتحته الاحتجاجات المناهضة للعنصرية حول العالم، إلى أسماء وشعارات بعض الأماكن في ألمانيا. شعار مدينة كوبورغ يحمل صورة "قديس أسود"، يثير نقاشا بين رمزيته للعنصرية وتقدير المدينة لقديسها؟

https://p.dw.com/p/3flnw
شعار مدينة كوبورغ في بافاريا.
الشعار يرمز إلى القديس موريس، وهو فارس مسيحي أسود، أعدم بسبب إيمانه.صورة من: DW/C. Küfner

في الأيام المشمسة في شهر يوليو/ تموز، تبدو ساحة سوق مدينة كوبورغ الألمانية شبيهة إلى حد ما بطاولة احتفال ذات تفاصيل متناغمة مع بعضها البعض. تصطف المنازل المرمّمة على طول جوانب الطريق مثل ضيوف ببدلات أنيقة وجذابة، في حين تتوج الواجهات الرائعة التي تزين مبنى بلدية المدينة طرفي الطريق مثل المضيفين الواقفين في انتظار استقبال الضيوف. ويضاف إلى هذه هذه اللوحة ذلك الصوت الهادئ المنبعث من بعض النوافير المتدفقة المترامية على أطراف الساحة المعبدة.

صيف مدينة كوبورغ كان سيبدو لطيفاً، لولا الجدل حول شعارها الذي بات يعكر الأجواء في الوقت الحالي. تواجه المدينة البافارية انتقادات ضد شعارها الذي يحمل صورة تعرف بـ  "كوبورغر مور". ويُظهر هذا الشعار رأس رجل أسود ذا ملامح إفريقية من شفاه سميكة وفك سفلي قليل البروز وشعر مجعد وقرط أذن كبير الحجم. يمكن رؤية هذا الشعار في كل مكان في المدينة تقريباً، على الواجهات واللافتات، على بعد كل بضعة أمتار وحتى على أغطية بالوعات الصرف الصحي بالمدينة .

لم تبدي بلدية مدينة كوبورغ استعدادها لمناقشة هذا الموضوع، ورفض رؤساء المدينة إجراء مقابلات حول الجدل القائم عن مصطلح "مور". 
مركز مدينة كوبروغ في بافاريا حيث دار البلدية. صورة من: Imago Images/P. Schickert

تمثيل الصور النمطية في الشعارات

 تنتقد يوليان ريثر وأليشا أرشي، هذا الشعار الذي ترى كل منهما أنه تمثيل عنصري قائم على الصور النمطية التي تعود للحقبة الاستعمارية.الفتاتان تعيشان في برلين، لكنهما من منطقة فرانكونيا العليا وأطلقا عريضة عبر الإنترنت في يونيو/ حزيران يطالبان فيها بتغيير شعار المدينة.

 تقول أليشا أرشي إن الصورة تتجاهل حقيقة اختلاف السود، وتوحي بدلاً من ذلك على "شيء غريب، وعلى الوحشية.إنه تمثيل عنصري ويجب عدم السماح باستمراره في الوقت الحالي".

وجهة نظر أيدها العديد من سكان مدينة كوبورغ عن طريق إشارة هز الرأس أو الإيحاء بعدم استعياب الفكرة. فيما اعتبرت سيدة أن الفتاتين من برلين ربما قد يكون لديهما الكثير من الوقت للتفكير في الأمر بهذا النحو. فيما اعتقد آخر أن كلمة "مور" تنتمي إلى كوبورغ وأنه يجب أن يبقى على هذا النحو. أما نبرة صوت مجلس المدينة، فلم تبتعد كثيرا عن النبرة الدبلوماسية، إذ اعتبر الجدل الحالي حول شعار المدينة بأنه جدل بأكمله "لا معنى له في حالة مدينة كوبورغ، لا يمكن للمرء أن يتحدث هنا عن العنصرية. بل على العكس من ذلك، فإن الرجل الأسود باعتباره قديس المدينة هو علامة على التقدير والتكريم".

 تقدير أم عنصرية؟

في مدينة كولونيا يحمل أحد شوارعها اسم "Mohrenstrasse" ، وفي مدينة أوغسبورغ والفندق الذي يقع بالمدينة ويحمل اسم "Drei Mohren" ، في ماغدبورغ صيدلية مورين. وقائمة الأسماء لا تزال طويلة.
محطة مترو الأنفاق في برلين تحمل اسم يعود إلى مصطلح يعتبرعنصريا. صورة من: picture-alliance/Geisler-Fotopress/S. Kanz

 المؤرخ هوبرتوس هابيل يتحدث أيضاً عن التقدير والتقديس. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في دراسة الرموز والثقافة التاريخية في كوبورغ ودراسة تاريخ مصطلح "مورين" الذي كان يطلق على السود في القرون الوسطى والذي يعتبر عنصريا الآن. الشعار يرمز إلى القديس موريس، وهو فارس مسيحي أسود، أعدم بسبب إيمانه. وبحسب هابيل، فإن كلمة "مور" في شعار المدينة لا بأس بها بهذا المعني وتقديم رجل أسود كرمز للمدينة هو أمر "جيد  لأنه يعبر عن التقدير والاحترام لهذا القديس". لكن يري هابيل أنه لا يمكن الحديث عن التقدير "إن استخدمت صورة عنصرية من أجل ذلك" ، هو ما يتناقض مع وجهة نظر أليشا أرشي التي ترى أن مظهر موريس تغير بشكل متكرر مع مرور الوقت. ربما لم يكن رجلاً أسودا أيضاً، إذ يقال أن أصل القديس يعود إلى صعيد مصر. فقط في العصور الوسطى ساد تمثيل موريس على هيئة رجل أسود في أوروبا وظهر في شعار مدينة كوبورغ في نهاية القرن السادس عشر. والشكل الحالي الذي يبدو عليه الشعار اليوم يعود إلى خمسينيات القرن الماضي فقط.

 الجدل إنتقل إلى العديد من المدن

 التاريخ والصور النمطية، والوعي بالتقاليد والخطاب العنصري، كل هذا اجتمع في النقاش حول مصطلح Mohr "مور".الموضوع لا يأخذ منحى متصاعد في كوبورغ فقط ، بل انتقل النقاش الذي أثارته الاحتجاجات العالمية المناهضة للعنصرية في جميع أنحاء العالم، الآن  إلى الأسماء العنصرية في العديد من المدن: في مدينة برلين تحمل محطة مترو الأنفاق اسم "Mohrenstrasse" ، في مدينة كولونيا أيضاً، حيث يحمل أحد شوارعها اسم "Mohrenstrasse" ، وفي مدينة أوغسبورغ والفندق الذي يقع بالمدينة ويحمل اسم "Drei Mohren" ، في ماغدبورغ صيدلية مورين. وقائمة الأسماء لا تزال طويلة.

 صحيح أن جميع هذه الأسماء لا ترمز إلى تقدير القديس موريس. ولكن السؤال نفسه يتكرر حولها: أين يوجد الخط الفاصل بين تاريخ المدينة الزاخر والعنصرية الموروثة؟ لأنه في بعض الأحيان قد يبدو ذلك غير واضح. وما يصعد الجدل أكثر هو أن انقسام  الخبراء والمؤرخين أنفسهم  حول الأصل الحقيقي لكلمة Mohr "مور" ودلالاتها، سواء كانت يقصد بها الوصف أو للازدراء بشكل بحت.

 تسمية أطلقها البيض

 بينما يتحدث هوبرتوس هابيل عن مصطلح شائع في العصور الوسطى، والذي استخدم في مدينة كوبورغ " للتقدير" ، اختلفت وجهة نظر الخبيرة في مجال الأدب والثقافة، سوزان أرندت من جامعة بايروت: "تم استخدام المصطلح بشكل ازدرائي من البداية ومن منظور مسيحي أبيض ونية عنصرية". لم يستخدم هذا المصطلح قط بحياد. وتقول أرندت التي لها أبحاث أيضاً في موضوع العنصرية أن النقاش الدائر حاليا حول المصطلح " يذكر بالنقاش السابق  قبل بضع سنوات حول "كلمة N"والتي تعود إلى المصطلح العنصري "نيغرو" وتقول الخبيرة: "أرى تشابها بينهما، والنماذج نفسها تتكرر". وتضيف أنه في ذلك الحين لم يطلق منتقدو المصطلح العنصري نقاشا كافيا حوله وأن الرأى السائد آنذاك هو أن الكلمة لا يقصد بها الازدراء أو العنصرية. وقالت في نبرة متحسرة: " بهذا الشكل لا يحدث النقاش حول العنصرية".

 النقاش لم يصل للمستوى المطلوب

من جهتها لم تبدي بلدية مدينة كوبورغ استعدادها لمناقشة هذا الموضوع، ورفض رؤساء المدينة إجراء مقابلات حول الجدل القائم عن مصطلح "مور".  وفي رد على طلب استفسار من DW قال المتحدث باسم البلدية بإنه" قد قيل كل ما يجب قوله حول هذا الموضوع". في هذه الأثناء، أطلق مواطنون عريضة معارضة على الإنترنت، بعنوان: "يجب أن يبقى" كوبورغر مور"، أنقذوا شعار مدينة كوبورغ ". وتعدت الأصوات المؤيدة لهذه العريضة تلك التي جمعتها العريضة التي تطالب بتغيير شعار المدينة البافارية.

 يرى طاهر ديلا من مبادرة "السود في ألمانيا"، أن هناك ضرورة ملحة الآن إلى فتح نقاش.ويقول: يمكن تسمية الأماكن التي تشير إلى القديس موريس باسمه أيضاً على سبيل المثال. من ناحية أخرى، يرى على العكس من ذلك لأن كلمة" مور" قد أساءت له. بغض النظر عن مصدرها وما إذا كانت تعبر عن التقدير أم لا ، فإنها تظل كلمة عنصرية ضد السود. وأضاف: "الأمر أشبه بوصف شخص بالأحمق وإن اعترض على وصفه بذلك، تحاول أن تشرح له السبب في ذلك وهذا بالضبط ما يحدث الآن".

كريستينا كوفنر/ إ.م