1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: الكرة في ملعب السيسي لتحسين مستوى المعيشة

٢٩ سبتمبر ٢٠١٩

صحيح أن الرئيس السيسي نجح في تحسين مؤشرات الاقتصاد، لكنه فشل في وقف تدهور مستوى المعيشة. ويبدو صبر المصريين من وعوده الكثيرة بكبح الغلاء والفساد على وشك النفاذ، فهل يتعلم الدرس ويبدأ بالاستجابة للمطالب المحقة؟

https://p.dw.com/p/3QNNV
Ägypten Kairo | Anti-Regierungsproteste
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany

لا يختلف كثيرون على أن غالبية الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي كانت ضرورية وفي الاتجاه الصحيح. ولا يجادل كثيرون ومن ضمنهم صندوق النقد الدولي بأن هذه الإصلاحات حققت نجاحات متعددة، لعل من أهمها القضاء على السوق السوداء بعد تعويم الجنيه في خريف 2016. كما ارتفعت معدلات النمو بنسب زادت على 5 بالمائة خلال العامين الماضيين وحُشدت استثمارات ضخمة تؤهله لتحقيق نسبة نمو بحدود 8 بالمائة خلال السنوات الثلاث القادمة. ولا ننسى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز والبدء بتصديره، إضافة إلى زيادة الاحتياطات الأجنبية من العملات الصعبة  إلى أكثر من 44 مليار دولار حاليا مقابل أقل من 17 مليارا في عام 2014. أما الخطوة الأكثر جرأة فتمثلت في البدء في رفع الدعم العشوائي لاستهلاك سلع أساسية كالخبز والكهرباء والبنزين وغيرها. ومن المعروف أن مثل هذا الدعم يستفيد منه أصحاب الملايين مثلهم مثل أي فقير أو عاطل عن العمل، كما أنه يهدر الموارد الوطنية ويدمر عملية إنتاج السلع الوطنية التي ينبغي أن تحظى بالدعم بدلا من تقديمه لاستهلاك السلع المستوردة.

Deutsche Welle Ibrahim Mohamad
الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: صبر المصريين على وعود السيسي قاب قوسين أو أدنى من النفاذ.صورة من: DW/P.Henriksen

فشل في منع الاحتجاج

غير أن كل النجاحات لم تفلح في منعاندلاع احتجاجات شعبية جديدة في القاهرة ومدن مصرية أخرى لأول مرة منذ عام 2013. وقد وصل الأمر بها إلى حد المطالبة برحيل السيسي عن الحكم. السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا وصل الأمر إلى هذا الحد؟

عندما بدأ الرئيس السيسي وحكومته الإصلاحات طلب من المصريين الصبر للحصول على ثمارها. وعلى الرغم من مرور خمس سنوات عليها، فإن المستوى المعيشي لغالبية المصريين يسير من سيء إلى أسوأ. ويدل على ذلك أكثر من مؤشر في مقدمتها ارتفاع نسبة الفقر لتطال أكثر من ثلثي المصريين. وزاد من تفاقم الوضع التضخم الذي ضاعف الأسعار وتقلص القوة الشرائية للعملة بنسبة تزيد عن 100 بالمائة، إضافة إلى استمرار ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب. أما عشرات المليارات من الدولارات التي جمعها للاستثمار فلم يتم توظيفها من أجل تشغيلهم، وإنما وبشكل أساسي لإقامة مشاريع قومية ضخمة على غرار العاصمة الجديدة واستخراج الغاز والنفط وتوسيع قناة السويس.

ومن الواضح أن كل هذا راكم الإحباط والغضب من السياسات الاقتصادية للحكومة. أما الأمر الذي لم يستطع الناس تحمله على ما يبدو فهو الفساد المستشري في صفوف النخبة الحاكمة والتي أعلن السيسي نفسه الحرب عليها أكثر من مرة. ومن أشهر التهم التي استجاب لها الشارع المصري تلك التي وجهها قبل أسابيع قليلة الفنان والمقاول محمد علي إلى الرئيس وزوجته وقيادات في القوات المسلحة. وحسب المقاول الذي عمل 15 سنة مع قيادات في الجيش، فإن عائلة الرئيس والقيادات تبني القصور في وقت يدعو فيه السيسي المصريين إلى التقشف والصبر على تدهور مستوى معيشتهم ناهيك عن تشديد آلة القمع وتكميم الأفواه. وينشر المقاول موضوع الجدل الحاد تهمه في فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي من مقر إقامته في إسبانيا التي هرب إليها بعد خلافات مع أرباب عمله بسبب "ظلم مالي لحق بها لتمنعهم عن دفع أتعاب متبقية له بقيمة 15 مليون دولار" حسب أكثر من مصدر إعلامي.

مطالب غير واقعية

بغض النظر عن الجدل في شخصية المقاول محمد علي والدوافع الشخصية التي تقف وراء دعوته للتظاهر ضد من كانوا سابقا وراء ثروته، فإن من حق المصريين التظاهر من أجل تحسين مستوى معيشتهم ووضع حد للقمع والفساد وتكميم الأفواه بحقهم. أما المطالبة بإزاحة الرئيس دفعة واحدة، فمطلب غير واقعي لا من وجهة النظر السياسية وحسب، بل والاقتصادية كذلك. فمطلب كهذا سيؤدي إلى الفوضى في ظل غياب بديل أفضل من خلال معارضة ليبرالية منظمة ولديها برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي يقوم على التعددية. وكما يعرف القاصي والداني فإن زعزعة الاستقرار تؤدي إلى فشل أية محاولات تهدف إلى تنمية تساعد على تحسين أحوال الناس وضمان حرياتهم وكرامتهم. وقد رأينا كيف أدت الاحتجاجات الأخيرة إلى خسارة البورصة المصرية لحوالي بليوني دولار خلال أقل من يومين أواخر الأسبوع الماضي، وكلما طال أمدها سيكون لذلك المزيد من الآثار السلبية على الاستثمار والإنتاج في مختلف القطاعات.

هل الاحتجاجات في مصر ستؤدي إلى ثورة جديدة؟

الكرة في ملعب السيسي

يستطيع الرئيس السيسي وحكومته التباهي بتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، لكنه لا يستطع القول بأن ذلك أدى حتى الآن إلى تحسين مستوى معيشة المصريين وأجورهم وقوتهم الشرائية. في الواقع فإن الضمانات لتغيير الوضع نحو الأفضل في ظل غياب التعددية الاقتصادية والسياسية والشفافية وتشديد قبضة الأمن على الحريات الأساسية ضعيفة أو غير متوفرة. وما يعنيه ذلك أن على القيادة المصرية التوقف عن القمع والاعتقالات ضد المحتجين والإسراع في تغيير آليات توزيع الدخل والثروات لصالح الغالبية الفقيرة، بدلا من تراكم الثروة لدى قلة غنية تتبادل المصالح مع النخبة الحاكمة كما هو عليه الحال في عهد الرؤساء السابقين. أما الخطوة الأهم التي ينبغي على القيادة المذكورة القيام بها فتتمثل في فتح الباب أمام تعددية حزبية ونقابية وإعلامية تقوم على فصل السلطات التشريعية والتنفيذية وعلى قوانين تضمن تكافؤ الفرص لجميع المصريين بشكل فعلي وليس بالقول والشعارات فقط. وإذا لم يتم ذلك فإن الوصول إلى تعددية اقتصادية تقوم على المبادرة الفردية المبدعة يبقى مستحيل المنال. وإذا ما توجه السيسي وقيادته نحو التعددية فإن على الجميع وفي المقدمة دول الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم، لأن استقرار مصر وازدهارها الاقتصادي حيوي لاستقرار حوض المتوسط وأوروبا. ففي بلاد النيل هذه يعيش نحو 100 مليون نسمة، وإذا ما تدهور الوضع باتجاه الفوضى وانهيار الاقتصاد والعملة فإن ذلك سيعني أيضا اللجوء والهجرة. وإذا ما قرر فقط عشر المصريين الرحيل فإن ذلك سيعني 10 ملايين لاجئ ومهاجر باتجاه القارة العجوز وباقي أنحاء المعمورة. وهذا أمر لا يتمنى أحد حدوثه ولنا في تجارب الحرب والخراب الكارثية في ليبيا وسوريا واليمن وقبلهما العراق عبرة.

ابراهيم محمد