1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: التسعير بالدولار لا يوقف تدهور الليرة اللبنانية!

٧ مارس ٢٠٢٣

تهدف الحكومة اللبنانية من اعتماد ألية التسعير بالدولار إلى تحقيق الاستقرار المالي ومنع استغلال المستهلكين ووقف تدهور الليرة، لكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل أزمة مالية خانقة وتشرذم سياسي غير مسبوق؟

https://p.dw.com/p/4OJNt
لبنانيون يتظاهرون احتجاجا على الأوضاع المعيشية امام مجلس النواب اللبناني - بيروت، أغسطس/ آب 2022
هل تشهد الليرة اللبنانية المزيد من الانهيار في سعرها مقابل الدولار الأمريكي؟صورة من: Dario Sabaghi/DW

للسنة الرابعة على التوالي يستمر تدهور العملة اللبنانية التي انهار سعرها أمام الدولار الأمريكي. وبنتيجة هذا التدهور غير المسبوق في تاريخ لبنان وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى حوالي 90.000 مقابل 1500 ليرة لبنانية قبل ثلاث سنوات. وهو الأمر الذي أربك جميع المتعاملين بها وجعل أسعار السلع في لبنان تحلق صعودا بين عشية وضحاها. وزاد الطين بلة على كاهل اللبنانيين استغلال التجار والشركات للوضع، من خلال أساليب متعددة منها على سبيل المثال قيام هؤلاء باحتساب أسعار بضائعهم على أساس سعر دولار أعلى من سعر السوق بنسب وصلت إلى 30 بالمائة.

خلفية اعتماد الدولار و"دولرة الاقتصاد"

وهناك محلات وشركات رفضت بيع بضائعها للمستهلكين بغير الدولار تجنبا لتقلبات الليرة. لكن حتى الذين يتعاملون بالدولار لم يسلموا من استمرار تراجع مستوى المعيشة بسبب تبعات الحرب الأوكرانية التي أدت إلى تراجع القوة الشرائية للعملة الأمريكية بنسبة 25 إلى 30 بالمائة. يأتي ذلك في ظل استمرار عجز النخب اللبنانية عن الخروج من أزمات سياسية متفاقمة تؤدي بشكل تدريجي إلى انهيار كامل للثقة بالعملة اللبنانية وإلى اقتراب الدولة والاقتصاد من  حالة الإفلاسعلى جميع الصعد. ومن الأمثلة على هذا العجز فشل المجلس النيابي اللبناني في انتخاب رئيس للجمهورية رغم شغور المنصب منذ أربعة أشهر. في ظل هذا الوضع الكارثي، وعلى ضوء استمرار تدهور الليرة اللبنانية قررت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي اعتماد آلية تسعير موحدة بالدولار الأمريكي إلى جانب الليرة اللبنانية في محلات السوبر ماركت، على أمل تحقيق بعض الاستقرار في أسعار بعض السلع، لاسيما الضرورية منها.

مرفأ بيروت الذي تعرض في أغسطس 2020 لانفجار هائل أوقع فيه دمارا شبه شامل
الدمار الذي أصاب مرفأ بيروت أصاب الاقتصاد اللبناني بضربة قاسية لسنوات طويلةصورة من: AP Photo/picture alliance

هل تمنع "الدولرة" استغلال المستهلك؟

وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام يرى في اعتماد آلية التسعير بالدولار الأمريكي (الدولرة) في المحلات التجارية خطوة من شأنها "منع استغلال المستهلك وتمكينه من المقارنة بين سوبر ماركت وآخر بشكل يعزز المنافسة". مضيفا بأن "الدولرة ستمنع إجبار المستهلك على الدفع بالدولار وتترك له خيار الدفع إما بالليرة أو بالعملة الأمريكية" على أساس السعر المثبت على مدخل المحلات. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن تثبيت السعر في ظل غياب أو ضعف رقابة مؤسسات الدولة المعنية وعدم قدرتها على التواجد في مناطق كثيرة بسبب غياب خدمات النقل والكهرباء وارتفاع أسعار مصادر الطاقة، ناهيك عن الفساد والتسيب والمحسوبيات الطاغية على عملها. كما أن اعتماد أسعار عديدة للدولار من قبل الدولة والسوق السوداء والموازية من جهة، والتغير اليومي المتكرر في سعر الليرة من جهة أخرى، يجعل اعتماد سعر دولار موحدا غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع. على ضوء ذلك يخشى القسم الأكبر من اللبنانيين من استمرار تدهور معيشتهم، لاسيما وأن القسم الأكبر منهم يتسلم مرتبه بالليرة اللبنانية التي سيستمر التجار أصحاب المحال باستغلال تذبذب سعرها كما جرت العادة حتى الآن. 

اللبنانيون بين سندان الليرة ومطرقة الدولار

إن ترك الخيار للبنانيين بدفع قيمة بضائعهم بالدولار الأمريكي أو بالليرة اللبنانية يسهل على الذين يمتلكون الدولار منهم التخفيف من مشكلة التراجع الدراماتيكي في سعر  العملة اللبنانية. كما يعفيهم من عبء حمل رزم كبيرة منها بالأكياس إلى المحلات التجارية لشراء متطلبات الحياة اليومية أو الضروري منها. غير أن ذلك لن يعفيهم من ارتفاع الأسعار بالدولار الأمريكي الذي فقد نحو ثلث قوته الشرائية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. وهكذا فإن قرار الحكومة لن يساعد على تحسين مستوى معيشة اللبنانيين الذين وقع ثلاثة أرباعهم في براثن الفقر. ووفقا للبنك الدولي فإن لبنان شهد في عام 2022 أحد أعلى معدلات التضخم في العالم بنسبة زادت على 330 بالمائة. غير أن الدولرة حسب أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية وليد مروش تعد خطوة إيجابية للشركات، كونها تمنحها الاستقرار النقدي كشرط للاستثمار والانتعاش الاقتصادي. لكن السؤال المطروح هو: من أين لهذا الاستثمار أن يأتي في ظل الإفلاس السياسي للنخب اللبنانية المتناحرة؟ 

عاملات مهاجرات من سيراليون لدى مغادرتهن مطار بيروت الدولي - سبتمبر / أيلول 2020
مطار بيروت الدولي من المؤسسات اللبنانية النادرة التي لا تزال تعمل بكامل طاقتهاصورة من: Aline Deschamps/Getty Images

التسعير بالدولار والجدل حول الخطوة

 وفي سياق متصل هناك جدل حول تبعات اعتماد الدولار بشكل رسمي في عملية تسعير السلع من قبل الحكومة. إذ يرى فيه المؤيدون تخفيفا من حدة الأزمة النقدية الحالية الناجمة عن انهيار الليرة اللبنانية. ويدعم هذا الرأي حقيقة أن الاقتصاد اللبناني أصبح مدولرا في عدد كبير من قطاعاته على أرض الواقع، حسب رأي أكثر من مراقب وخبير. أما المعارضون لذلك فيرون أن الدولار سيسيطر من خلال خطوة الحكومة الجديدة على ما تبقى من السوق ويطرد العملة اللبنانية منها. ومن شأن ذلك أن ينعكس سلبا على استقلال لبنان وسيادته من خلال إضعاف قدرة الدولة أكثر فأكثر على التأثير في السياسات النقدية.

مشاكل لبنان لا يحلها التسعير بالدولار

منذ أشهر يتفاوض صندوق النقد الدولي مع الحكومة اللبنانية لتقديم قرض بقيمة 3 مليارات دولار مقابل التزامها بخطة للإصلاح والإنعاش الاقتصاديين. وتهدف هذه الخطة حسب البنك إلى تجاوز الأزمة المالية الطاحنة بسبب ديون البلاد الضخمة التي تصل إلى 100 مليار دولار تعادل أكثر من 350 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن متطلباتها حسب الصندوق توحيد أسعار الصرف التي تخلق المزيد من البلبلة وتعرقل  خطوات الاستقرار المالي. وعلى ضوء اتهام صندوق النقد والدول المانحة للحكومة اللبنانية ببطء عملية الإصلاح وعدم الرغبة في دفعها إلى الأمام بخطوات أسرع، فإن التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه إعادة تدفق القروض والمعونات الدولية إلى لبنان ما يزال بعيد المنال في الوقت الحاضر. أما دول الخليج الغنية التي كانت تقدم الودائع والمنح للبنان في أوقات الشدة فقد أدارت ظهرها له ليس بسبب الإصلاحات وحسب، بل أيضا لأسباب سياسية تتعلق بنفوذ إيران وزيادة ثقلها في تحدي مستقبل هذا البلد من خلال حلفائها  هناك وعلى راسهم حزب الله اللبناني.

ابراهيم محمد: الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى مؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: أزمة لبنان المالية أعمق من أن تحلها خطوة تسعير السلع بالدولار الأمريكيصورة من: Boris Geilert/DW

الخشية المحقة من انهيار شامل لمؤسسات الدولة

قبل بضعة أسابيع خرج متظاهرون في بيروت وحطموا واجهات بنوك في العاصمة بيروت احتجاجا على حجز مدخراتهم فيها وعدم قدرتهم على سحبها. وتتكرر هذه الحوادث بشكل متسارع وأكثر عنفا من فترة لأخرى في مناطق لبنانية عديدة. يأتي ذلك في وقت تشهد فيها مؤسسات الدولة التفكك والانهيار حسب الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار. ويقول بيطار لوكالة فرانس برس إن الدولة "لم تعد قادرة حتى على تحصيل ضرائبها وسط إضراب موظفي القطاع العام والتحقيقات المستمرة في ملفات الفساد واتهامات التسييس والتشفي من خلال القضاء. ومع استمرار تدهور الوضع المالي والاقتصادي والسياسي في البلاد يخشى المراقبون، وهم محقون في ذلك، من خروج الوضع عن نطاق السيطرة من خلال شلل وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة وحلول الفوضى الشاملة في لبنان الذي كان حتى سبعينات القرن الماضي مثالا للتقدم والإزدهار في الشرق الأوسط والعالم العربي.

إبراهيم محمد