1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بعد ويلات الحرب.. الزلزال يضاعف معاناة المرأة في شمال سوريا

٢ مارس ٢٠٢٣

وكأنّ ويلات الحرب لا تكفي، ليأتي الزلزال بكل هذا الدمار والضحايا. وهو الأمر الذي يثقل كاهل المرأة أكثر فأكثر ويزيد الأعباء عليها في شمال غرب سوريا، لاسيما وأن النقص هناك يشمل كل شيء، بما في ذلك الأدوية والرعاية الطبية.

https://p.dw.com/p/4O5U1
نساء أطفال في ماوى طارئ لمن شردهم الزلزال في معرة نسرين بمحافظة إدلب 07.02.2023
الصلاة والدعاء من أجل مستقبل أفضل.. نساء وأطفال في ماوى طارئ لمن شردهم الزلزالصورة من: ABDULAZIZ KETAZ/AFP

"إننا نعيش في كابوس، وآمل أن أستيقظ وأتخلص منه" تقول خولة (اسم مستعار) التي تعيش في إدلب شمال غرب سوريا. نبرة صوتها عبر الهاتف تعبر عن حالة اليأس التي تعيشها، وكان صوتها ينقطع باستمرار وهي تجهش بالبكاء.

مرت ثلاثة أسابيع على  الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وأودى بحياة أكثر من أربعين ألف شخص. بعد كل هزة ارتدادية تصاب خولة بالصدمة وهي تنظر إلى التشققات التي سببها الزلزال في بيتها، وتقول لـ DW "لا أدري ما الذي يمكن أن نتحمله بعد؟ الموت هنا حاضر في كل مكان. 

 

المرأة تحافظ على تماسك الأسرة

البيت الذي تعيش فيها خولة (47 عاما) مع إخوتها وأبيها، لا يزال قائما، لكن شبكة الماء والكهرباء تضررت، وهناك تشققات في الجدران. "كثيرون مما كانوا يسكنون معنا في البناية هربوا إلى مأوى الطوارئ أو نصبوا خيما بعيدا عن هنا"، لكن هذا أمر غير وارد بالنسبة إليها. وتوضح قائلة "إلى أين سأذهب كامرأة؟ وعلاوة على ذلك علي الاعتناء بإخوتي". ففي البيت على الأقل هناك مرافق صحية لا تزال تعمل.

خلال 12 سنة الماضية من الحرب في سوريا، تحملت المرأة مسؤولية الحفاظ على تماسك الأسرة. حيث الكثير من الرجال قتلوا أو اعتقلوا أو أصيبوا ويعانون من تشوهات، أو أنهم نزحوا إلى خارج البلاد. فقبل اندلاع الأزمة السورية عام 2011 كانت المرأة تتحمل مسؤولية العبء المالي لنحو 4 بالمائة فقط من الأسر. والآن وصلت النسبة إلى نحو 22 بالمائة حسب منظمة كير "CARE" الخيرية.

وخولة واحدة من هؤلاء النسوة، فهي التي تعمل وتكسب المال وترعى والدها العجوز المريض وأخويها التوأم البالغين والمصابين بالتوحد منذ ولادتهما، وتقول "أنا حلاقة. يأتي الناس من أجل المناسبات السعيدة فقط. والآن لا يوجد شيء جميل هنا، ولذلك ليس لدي عمل".

ادخرت خولة بعض المال خلال الفترة الماضية، ولكنها لا تعتقد أنه سيكفيها لمدة طويلة. فالاستقلال الاقتصادي مهم من أجل تأمين حياة كريمة، تقول رضوى خالد إبراهيم الباحثة السياسية في جامعة ماربورغ الألمانية، والتي تعمل لدى منظمة ميديكو الإغاثية كمستشارة للمساعدات الطارئة.

رجل وأطفال أمام خيمة في محافظة إدلب السورية 23.02.2023
آلاف السوريين يقيمون في خيام بعد أن دمر الزلزال مساكنهم في شمال غرب سورياصورة من: Abdulmonam Eassa/Getty Images

لا غنى عن المساعدات الدولية

أدت الحرب والوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، إلى اعتماد 90 بالمائة من 4 ملايين شخص يعيشون في شمال غرب سوريا، على  المساعدات الإنسانية الدولية. وقد أتى الزلزال ليفاقم الوضع أكثر. "التحديات بالنسبة للنساء متشعبة" تقول رضوى خالد إبراهيم في حوارها مع DW. وتساهم في ذلك تجارب الحرب والنزوح التي مر بها الكثير من الناس، بالإضافة إلى مسؤولية السلطات المحلية عن ذلك.

وحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن أغلب الذين يعيشون في شمال غرب سوريا من الأطفال والنساء، وكثيرون منهم نزحوا أكثر من مرة داخل سوريا. وتسيطر على المنطقة فصائل المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام. وهؤلاء لا يهتمون بتأمين الخدمات والمستشفيات والمدارس في المنطقة، ومنذ سنوات تم الحفاظ على المؤسسات بواسطة المنظمات الإغاثية الدولية. ولا تعاني المستشفيات من أضرار  الزلزالوحسب، بل أيضا من الضغط المتزايد عليها بسبب عدد الجرحى الذي يفوق طاقتها. وحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن برامج المساعدات المخصصة للنساء والفتيات والخدمات الصحية للأمهات وللنساء الحوامل "يجب زيادتها بشكل كبير". وحسب بيانات الأمم المتحدة فإن ما لا يقل عن 350 ألف امرأة حامل في تركيا وسوريا لحق بهن أذى وضرر بسبب الزلزال. 

إسعاف مصابين بعد الزلزال في أحد مستشفيات إدلب في سوريا
المستشفيات أيضا تضررت كثيرا بسبب الزلزال وهي تعاني الآن من ضغط يفوق طاقتها كثيرا نتيجة عدد الجرحى الكبيرصورة من: Omar Elbam/DW

زواج القاصرات ومزيد من العنف ضد المرأة!

والآن تحتاج النساء والفتيات على سبيل المثال لفوط نسائية ولدورات مياه نظيفة، تقول هدى خيطي، مديرة المركز النسائي في إدلب. إذ لا تتوفر مرافق صحية نظيفة، حيث كثيرات يعشن الآن في خيام أو سيارات.

وحتى قبل الزلزال كانت 7,3 مليون امرأة في سوريا بحاجة إلى المساعدة في مجال الصحة الجنسية والإنجاب. ومن المهم جدا أيضا تأمين المساعدة ضد العنف الجنسي . "ومع ازدياد الوضع صعوبة، يزداد العنف المنزلي أيضا ضد النساء والفتيات" تقول رضوى خالد إبراهيم.

وتخشى رضوى خالد أن يزداد زواج القاصرات أيضا، عندما لا تذهب كل الفتيات إلى المدرسة أو تزداد الأعباء الاقتصادية. "وزواج القاصرات صعب بشكل خاص الآن" حيث ليست هناك إمكانية لتوعية الفتيات بشأن الصحة الجنسية والإنجاب. "وعلاوة على ذلك، في المخيمات على الحدود السورية التركية، لا يتم تسجيل وتوثيق الزيجات. وبالتالي لا يمكن فعل شيء ضد ذلك من الناحية القانونية".

خولة لم تتزوج أبدا، وأوقفت حياتها على رعاية إخوتها والأعمال المنزلية، وقبل الزلزال كانت تعلم النساء مهنة الحلاقة في المركز النسائي في إدلب. وتتمنى أن تتحسن الأمور مستقبلا وتستطيع مقابلة النساء الأخريات من جديد. وفي مجتمع محافظ جدا تحكمه مجموعة، كانت تتبع تنظيم القاعدة، من الصعب جدا وخاصة للمرأة إيجاد فرصة عمل.

الحرب والأزمات تبعد المرأة عن الحياة العامة

"إخوتي يمنحوني القوة" تقول خولة، التي اشترت بعض قطع الأثاث والديكور لمنزلها، "أشياء لها قيمة لدي. هذا فقط ما أملكه، وأخشى أن يحدث زلزال جديد ويأخذ مني كل شيء".

الباحثة السياسية رضوى خالد إبراهيم، تتفهم ذلك وتقول "الزلزال يعني للكثيرين إعادة الصدمة، وفقدان ملجأ ومكان كان هو الآخر هشا أيضا"، ومن هنا فإن الدعم النفسي والاجتماعي مهم جدا. وغالبا ما يتم إقصاء المرأة خلال الأزمات أو بعدها وتصبح أقل حضورا في الحياة العامة خارج المنزل. وحتى الآن كافحت النساء من أجل أماكن ومساحات خاصة بهن "يجب حمايتها وتوسيعها، ولا يجب التعامل معها كأضرار جانبية للكارثة". والمركز النسائي الذي تديره هدى خيطي، وتدعمه منظمة ميديكو الإغاثية الدولية، يعتبر مكانا مهما. ووصول المساعدات الدولية على دفعات صغيرة جدا "بالقطّارة" إلى شمال غرب سوريا، يصيب الناس بالإحباط، ولا تكفي لتلبية حاجاتهم. وقد أقام الاتحاد الأوروبي، جسرا جويا نحو دمشق، حيث يسيطر بشار الأسد. وهذا يعني بالتأكيد أن أطنانا من المساعدات لن تصل إلى منطقة شمال غرب سوريا التي لحق بها دمار كبير هائل، فهي لا تهم الأسد.

"ومن الساخر أن الحرب يمكن التنبؤ بها أكثر من الزلزال" تقول خولة، التي لا تريد الاستسلام واليأس، ولكن الأمر ليس سهلا أبدا بالنسبة إليها، لقد نسي العالم سوريا. وتضيف "يبدو أني قد حُرمت من العيش في جو من الحرية والراحة".

ديانا هودالي/ عارف جابو