الماستر بدل الدبلوم ... إرهاق بلا حدود؟
٢٠ نوفمبر ٢٠٠٩الشهادات الجامعية في ألمانيا لم تعد تحمل أسم الدبلوم أو الماجستر وإنما البيتشلر/ Bachelor والماستر كما هو الحال عليه في البلدان الأنجلوساكسونية، ومنذ سنوات قليلة في باقي دول القارة الأوروبية أيضا. وهو الأمر الذي اتفقت عليه دول الإتحاد الأوروبي في مؤتمر تم عقده في مدينة بولونيا الإيطالية سنة 1999. وقد بدأت ألمانيا في تطبيق بنوده بصفة تدريجية منذ ثلاث سنوات تقريبا. شعار هذا الإصلاح الشامل هو عصرنة الدراسة والحياة الجامعية من جهة، والرفع من القدرة التنافسية للجامعات الألمانية على المستوى الدولي من جهة أخرى. لكن توابع الإصلاح الجامعي لم تقتصر فقط على تغيير أسماء الشهادات الجامعية، وإنما انعكست وبشكل ملحوظ على أداء الطلاب وعلى حياتهم اليومية.
"الدراسة أصبحت مرهقة جدا"
مثلا الشابة الجامعية "أنـة" التي تدرس علم الاجتماع والأدب الألماني في جامعة بون، تتمنى أن يكون لها وقت فراغ أكثر. لكن جدول حصصها ملئ جدا ويجب عليها أن تحضر خمس مواد دراسية خلال هذا الفصل. كما يجب عليها خلاله كتابة بحث ومقال عن موضوع آخر، إضافة إلى إنجاز اختبارين. وهذا كثير جدا خلال فصل دراسي واحد كما تقول الطالبة التي تبدو على ملامحها علامات الإرهاق، إنها تبذل كل هذا الجهد من أجل الحصول على شهادة البيتشلر في الوقت المحدد وعلى معدل جيد.
حالة الطالبة أنـة ليست فريدة من نوعها في الأوساط الجامعية. فوضع زميلها بنديكت، الذي يدرس علوم الاتصالات في نفس الجامعة، لا يختلف كثيرا عن وضعها. بنديكت يتحتم عليه - إلى جانب حضور المحاضرات والقيام بواجباته الجامعية - العمل حتى يتمكن من تمويل دراسته. يتذكر الطالب الشاب كيف كانت عليه الأحوال في الماضي، ويقول: "الدراسة أصبحت مرهقة جدا وقد تعبت كثيرا خلال الفصلين الدراسيين الماضيين. لم يتح لي أي مجال للاستمتاع بوقت الفراغ، خصوصا مع اقتراب فترة الامتحانات".
مشكلة التوفيق بين أوقات الدراسة والظروف الشخصية
ويتحدث بنديكت بأسف عن فترات الدراسة السابقة، قبل دخول النظام الجديد حيز التنفيذ، حيث كان يخرج للاحتفال مع أصدقائه مرة في الأسبوع على الأقل. خلال النظام القديم كان من الممكن للطلاب التوفيق بين أوقات دراستهم وبين ظروفهم الشخصية ومتطلبات العمل. أما النظام الجديد، فإنه يلزم الطلاب بجدول حصص معين كما يحدد الفترة التي يتحتم على الطلاب خلالها إنهاء دراسته. وهي فترة أقصر بكثير مقارنة مع السابق. وفي هذا السياق يقول أخيم ماير أوف دير هايدة، مدير إتحاد منظمات شؤون الطلاب بأن ما تعلمه الطلاب في ثمانية فصول حسب النظام القديم، هو نفسه ما يتوجب عليهم تعلمه الآن في سبعة أو ستة فصول".
وحسب تقرير أصدره الاتحاد، فإن عدد الطلاب الذين قدموا إلى مصالح هذه المنظمات من أجل طلب المساعدة في حل مشاكلهم المادية أو النفسية والمعنوية خلال هذه السنة ارتفع بنسبة تقارب الخمسة وعشرين بالمائة مقارنة بالعام الماضي. وجاء في التقرير أيضا إن عدد الطلاب الذين يعانون من مشاكل قد يكون عاليا جدا في الواقع، إذا أخذنا بعين الاعتبار كون هذه الإحصائيات لا تشمل سوى أولئك الأشخاص الذين توافدوا على مكاتب مصالح الإتحاد للبحث عن حلول لمشاكلهم. "إنها مشاكل متعلقة بالإرهاق وفقدان الثقة بالنفس والإحباط والخوف من الامتحانات أو من عدم القدرة على إتمام الدراسة بنجاح"، كما يقول أخيم ماير أوف دير هايدة.
بين مطرقة الواجبات وسندان البحث عن مصادر العيش
أخيم ماير لا يستبعد أن يكون للنظام الجامعي الجديد دور في ارتفاع حدة المشاكل لدى الطلاب، خصوصا بسبب ضيق الوقت. ويظهر ذلك بشكل خاص لدى الطلاب الذين يضطرون للعمل من أجل تمويل دراستهم.
فهؤلاء الطلاب هم بين مطرقة أداء واجباتهم الجامعية حسب الحصص الزمنية المليئة وسندان البحث عن مصادر العيش، ما يجعلهم يفقدون الأمل في إكمال الدراسة خلال الفترة المحددة. ناهيك عن عدم توفر أي مجال لديهم للقيام بأنشطة خارج الجامعة تساعدهم على الابتعاد عن جو الدراسة المرهق والترفيه عن النفس. بالنسبة لـبنديكت وأنـة فإن النظام الجديد يعني قبل كل شيء الاستيقاظ في ساعات مبكرة والحرمان من ساعات النوم الصباحية اللذيذة التي قد يفضلها كل شاب في عمرهما.
الكاتب: خالد الكوطيط
مراجعة: ابراهيم محمد