العمل بلا أجر: كابوس يؤرق شباب مصر
١٩ يوليو ٢٠١٢في بلد كمصر يعاني من معدل عالي للبطالة، يبحث كل شاب عن فرصة عمل في كل شبر على صفحات الجرائد وشبكة الإنترنت وعن طريق معارفه وأقاربه. قليل هم من يجدوا فرصة العمل التي يحلمون بها. الاستقلال المالي عن الأبوين وتحقيق الذات هي أحلام بعيدة المنال ففي كثير من الأحيان يجد الشاب فرصة عمل تكون إما بأجر لا يتجاوز الثلاثة أرقام، أو دون أجر بتاتاً مع وعد بالنظر في الموضوع في وقت لاحق من تاريخ التعيين. DWعربية تعيش التجربة وتعكسها من خلال مراسلها.
"إذا كنت تريد العمل عليك نسيان النقود الآن"
إعلان يقرأ "مطلوب محررين ومحررات للعمل بجريدة مصرية من جميع المحافظات...العمل تطوعي في أول ثلاثة أشهر"، منه بدأت الرحلة ببريد إليكتروني يحتوي على السيرة الذاتية لمراسلنا الشاب أرسلها على عنوان البريد الإلكتروني للصحيفة. هذا الإعلان الذي مثله مثل كثير من الإعلانات الأخرى في شتى المجالات التي تمتلئ بها مواقع التوظيف على شبكة الإنترنت، قد يكون الأنسب لمن هو حديث التخرج من كلية الإعلام. أسبوع مر حتى أتت المكالمة التليفونية من أحد العاملين بالجريدة لتحديد موعد للمقابلة الشخصية لمراسلنا وسؤاله سؤالين مبدئيين "منعاً لإهدار وقته" على حد تعبيره. أول تلك الأسئلة طرحها المتصل بلهجة تهكمية: "ما الذي يجعلك تشعر أنك تصلح لشغل الوظيفة المعلن عنها؟". وكان رد مراسلنا أنه يحمل بكالوريوس في الإعلام، تخصص صحافة، بدرجة جيد جداً. هذا الرد قوبل بضحكة من الجانب الآخر تبعتها جملة "ده مش مهم". وتدارك المتصل، ليطرح السؤال الثاني: "المهم، أنت تعلم أن العمل تطوعي في البداية صح؟". وكان الرد بنعم من قبل مراسلنا جواز مروره لتحديد موعد للمقابلة الشخصية في موعد لاحق من نفس الأسبوع.
في الثانية بعد الظهر كان موعد المقابلة مع "الأستاذ خالد" كما عرف نفسه لمراسل DWعربية. الرابعة والنصف كان موعد وصوله. طوال المدة بين موعد وموعد الوصول الفعلي، انتظر مراسلنا على أريكة بجانب مكتب الأمن. لم يكن أحد أخر في الجريدة يعلم بموعد وصوله سوى "الأستاذ خالد" كما وضح له خلال فترة انتظاره. كان استقبال "الأستاذ خالد" بارداً وبنظرة مستخفة كما لو كان لا يؤمن سبقاً بقدرة الشاب على شغل الوظيفة. وبعد اجتياز بعض اختبارات الكتابة كان موعد الجلوس والتحدث عن النواحي المالية.
"بالنسبة للناحية المادية سوف تعمل هنا تطوعياً في الفترة الأولى"، هكذا بدأ الحديث من جانب الأستاذ خالد. "نعم للأشهر الثلاثة الأولى ولكن ماذا بعدها ؟" تساءل مراسلنا. "لا تفكر في النقود الآن أنت مازلت صغيرا" كان الرد ببرود مستفز. "لست صغيراً فأنا أحمل شهادة البكالوريوس وليس من المعقول أن يصرف أهلي علي بعد ذلك" هكذا دافع مراسلنا أمامه عن ما يشعر به معظم الشباب المتعلم الباحث عن العمل. وجاء الرد بلهجة صارمة من جانب "الأستاذ خالد": "إذا كنت تريد العمل هنا يجب أن تنسى النقود الآن، نحن سندفع لك حين نرى أنك تستحق ذلك". وعن ما جاء في الإعلان سأله مراسلن:ا "ولكن حضرتكم كتبتم في الإعلان أول ثلاثة أشهر فقط تطوعي؟". وجاء الرد قاطعاً فقال الأستاذ خالد: "أنظر يا أحمد، أنت الذي تحتاج إلى العمل وأنا أعرض عليك العمل". واستطرد قائلاً: "يجب عليك أن 'تتمرمط' الآن في العمل حتى نقتنع بك وتجبرنا أن ندفع لك لاحقاً". وأمام نظرة عدم الاقتناع من مراسل DWعربية قام "الأستاذ خالد" من مجلسه ليمد يده بالسلام منهياً المقابلة قائلا: "فكر ورد علي".
"التجربة تعكس واقع يعيشه الشباب"
"تلك التجربة تعكس تماماً معاناة الشباب" تقول م.ح مدرسة اللغة الإنجليزية الشابة لDWعربية. وتتقاضى م.ح راتب يقارب ال600 جنيهاً ورغم ذلك لا تعتبر نفسها محظوظة مقارنة بأقرانها الذين يعملون بلا مقابل فتقول لDWعربية: "لا يجوز أن يكون هناك من الأساس، شيء اسمه عمل دون مقابل فهذا منافي للمنطق". وترى م.ح في العمل بلا مقابل، شكلا من أشكال السخرة: "هذا مثله مثل السيد الذي يعد عبده بإعطائه حريته في المستقبل، إذا أتقن عمله لكن كل تلك الوعود تقدم دائما بدون ضمانات". ولا تجد م.ح مبرراً لقبول الشباب تلك الوظائف قائلة عن نفسها في حوارها لDWعربية: "إذا عرض علي شيئاً كالذي عرض على مراسلكم سأرفض بالطبع". واستطردت بتهكم "لن أعمل من أجل سواد عيون صاحب العمل".
من جهته أكد م.ا الموظف الشاب بإحدى الشركات الخاصة أن تلك التجربة تعكس واقع يعيشه الشباب قائلاً لDWعربية: "لقد عشت تجربة مشابهة حين تقدمت للعمل في الشركة التي أعمل بها الآن". ويختلف م.ا مع م.ح في عدم وجود دافع للعمل بلا أجر حيث قال في حديثه لDWعربية: "كشاب غير مقبول في مجتمعنا أن أجلس عاطلاً في منزلي إذا كان متوفر لي عمل حتى ولو دون مقابل". قرابة العام مر على عمله في الشركة ولازال يعمل دون أجر، ويوضح بهذا الصدد في نهاية حديثة لDWعربية: "تخرجت منذ ثلاثة أعوام، وأعمل في الشركة منذ عام ولازلت أعتمد في مصروفي على أبي مثل إخوتي الأطفال، أتمنى أن يتغير ذلك قريباً".
أحمد حمدي
مراجعة:حسن زنيند